تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الاسد: نجاحنا في المستقبل مرهون بقدرتنا على إقصاء التدخلات الخارجية عن منطقتنا

أجرى السيد الرئيس بشار الأسد في اسطنبول بعد ظهر أمس محادثات ثنائية مع السيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي تركزت حول آفاق التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

 
ثم عقد الجانبان جلسة مباحثات موسعة بحضور أعضاء الوفدين الرسميين تناولت مختلف أوجه التعاون بين سورية وتركيا والأوضاع الراهنة في المنطقة، واستعرضا بارتياح استمرار تطور علاقاتهما في جميع المجالات بهدف خدمة مصالح الشعبين والإسهام بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وفي هذا الصدد قرر الجانبان إلغاء سمات الدخول بين البلدين. ‏
 
وقرر الجانبان تطوير شراكة استراتيجية ترسخ التضامن وتعززه بين البلدين الصديقين. ‏
 
كما استعرضا أوضاع المنطقة وما آلت إليه الجهود المبذولة لاستئناف عملية السلام وأكدا رفضهما لاستمرار سياسة الاستيطان الإسرائيلي والحصار المفروض على غزة والسياسات التي تنتهجها إسرائيل بحق الفلسطينيين في القدس وغزة والتي تشكل خرقا للقانون الدولي وعقبة حقيقية في طريق السلام. ‏
 
ونوه الرئيس الأسد بالدور الذي تلعبه تركيا من اجل وضع حد للحروب وتحقيق العدالة كما نوه السيد أردوغان بالدور المفتاحي لسورية في أمن واستقرار المنطقة. ‏
 
حضر اللقاء السادة فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية والعماد حسن توركماني معاون نائب رئيس الجمهورية ووليد المعلم وزير الخارجية والدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية والسفير السوري في تركيا. ‏
 
ومن الجانب التركي: السيد أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي والسفير التركي بدمشق. ‏
 
بعد ذلك جرى التوقيع على الإعلان المشترك لتأسيس مجلس تعاون استراتيجي عالي المستوى بين الجمهورية التركية والجمهورية العربية السورية وقعه وزيرا خارجية البلدين. ‏
 
 
حفل الافطار
‏وقد شارك السيد الرئيس بشار الأسد مساء أمس في حفل الافطار تلبية لدعوة من حزب العدالة والتنمية- فرع اسطنبول حضره السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي وكبار المسؤولين في الدولة والحزب واعضاء السلك الدبلوماسي واكثر من 2500 مدعو من بينهم فعاليات اقتصادية وثقافية واجتماعية. ‏
 
كلمة الرئيس الأسد
‏وقال الرئيس الأسد في كلمة له في حفل الافطار: ‏
الأخ العزيز الرئيس رجب طيب اردوغان، السيدة أمينة اردوغان، السيد عزيز بابوتشو أيتها السيدات، أيها السادة، أزور تركيا اليوم حاملا معي تحيات الشعب العربي السوري الحارة والصادقة لشقيقه الشعب التركي وأمنياته بدوام الخير والازدهار، ويسرني أن ألبي دعوتكم وأن أشارككم هذا الافطار الرمضاني الكريم تعبيرا عميقا عن كل ما يجمع بين شعبينا من جذور وروابط وعادات وتقاليد تضفي على علاقاتنا أبعادا وجدانية سامية. ‏
 
وأضاف الرئيس الأسد: إن لقاءنا اليوم في هذا الشهر الكريم شهر الخير والمحبة والتسامح يقابله طغيان العدوان والكره والانتقام في عالمنا المعاصر, نلتقي اليوم في شهر يعبر عن تضامن الإنسان مع أخيه الإنسان بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الديني في عالم تسوده التفرقة والتنافر بين الثقافات المختلفة فكيف يكون الحال إذا كانت هذه الفرقة تسود بين أبناء الوطن الواحد أو الشريعة الواحدة كما هو حال دولنا الإسلامية اليوم والتي عوضا عن ان تكون علاقاتها مبنية على التضامن بين دولها وشعوبها عكست المسار باتجاه المزيد من التفرقة داخل حدودها الوطنية أو عبرها على أسس عرقية أو طائفية بغيضة. ‏
 
وقال الرئيس الأسد: ما أحوجنا اليوم لفهم عميق لمعاني هذا الشهر الفضيل وما أحوج العالم الإسلامي لنموذج كالعلاقة السورية- التركية استبدلت الخصومة بالمحبة والافتراق بالالتقاء وعملت على أن يعم الخير والسلام أرجاء المنطقة وحرصت في كل خطوة خطتها على أن تجمع الدول والشعوب حول مصالح ومبادئ توحدها. ‏
 
وأضاف الرئيس الأسد: إن سعادتي بهذه الزيارة ولقائي معكم ومع أخي الرئيس اردوغان لا يفوقها سوى سعادتي بما حققناه خلال الأعوام القليلة الماضية من انجازات على مستوى العلاقات العربية- التركية بشكل عام والسورية- التركية بشكل خاص وهذه الانجازات بمقدار ما تشعرنا بالرضا, تجعلنا نسأل أنفسنا: لماذا لم ننجح في العقود الماضية؟ أو لماذا لم نحاول لكي ننجح في تحقيق هذه الانجازات؟ فهل قمنا بشيء جديد مؤخرا لكي نغير مسار الأمور؟ أم إننا ابتكرنا شيئا بعيدا عن طبيعة الأمور في منطقتنا فغير مسارها؟. ‏
 
وقال الرئيس الأسد: في الحقيقة لا هذا ولا ذاك, ما قمنا به هو أننا أعدنا الأمور الى طبيعتها وأبعدناها عن شذوذها من خلال خطوات متبادلة قام بها كل منا لا لنلتقي في منتصف الطريق بل لنقطع معاً الطريق الذي رسمناه عبر تاريخنا الطويل باتجاه مستقبل مملوء بالانجازات تسوده المحبة ويسوده السلام. ‏
 
وتابع الرئيس الأسد: وإذا كان هذا الجواب بسيطا جدا من حيث الشكل على الأقل فهذا لا يعني أن مضمونه كذلك فالأخطاء التي تتراكم على مدى العقود ومع تعاقب الأجيال يصبح من الصعب رؤيتها وبالتالي تصحيحها لهذا لم يكن من السهل على أي منا أن يرى المشكلة بشكلها وبحجمها الحقيقي, وفي مثل هذه الحالة يصبح أسهل الأشياء لوم الآخرين على ما نحن فيه وخاصة الاستعمار الأجنبي الذي يعتمد مبدأ فرق تسد للوصول الى أهدافه والذي تمكن من نسف العلاقة التاريخية بين الأتراك والعرب والتي استمرت لقرون طويلة من التفاعل والتأثير المتبادل, عشنا خلالها مع بعضنا بعضاً, تجمعنا الجغرافيا والمصالح والثقافة والتقاليد وكل ما من شأنه أن يربط بين إخوة في العائلة الواحدة. ‏
 
وأضاف الرئيس الأسد: ولكن إذا كان لنا الحق في أن نلوم القوى الكبرى التي أسهمت في كل ذلك فهذا لا ينفي حقيقة أننا نتحمل معاً المسؤولية الأكبر في هدر الوقت والموارد وما يعنيه ذلك من ضياع في المصالح. ‏
 
وقال الرئيس الأسد: أمضينا الوقت نلوم المستعمر والحقيقة أن المستعمر يقوم بدوره الطبيعي لو لم يكن هدفه او عمله احتلال الأراضي واستلاب الحقوق والتفرقة بين الدول والشعوب لما سمي استعماراً, ولكن كان حالنا في ذلك الوقت كحال الحارة فيها مجموعة بيوت وفيها سارق وهذا السارق جوال يبحث عن باب مفتوح لكي يدخل منه الى البيوت ويسرق ما في داخلها. ‏
 
وأضاف الرئيس الأسد: من الواجب الطبيعي لأصحاب هذه البيوت أن يقوموا أولاً بإغلاق الأبواب وثانيا بإحكام إقفالها من خلال استخدام الأقفال, في حالتنا المشتركة في ذلك الوقت في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بدلا من أن نقوم بذلك لم نكتف بعدم إقفال الأبواب بل قمنا بتركها مفتوحة لهذا السارق لكي يدخل أمام أعيننا ونحن غير قادرين على فعل شيء وعندما حصل خلاف في العائلة الواحدة بدلا من أن نقوم نحن كأفراد عائلة بإصلاح المشكلة بين بعضنا بعضاً طلبنا من طرف ثالث غريب ليس له علاقة بالعائلة بالعكس هو لا يحب هذه العائلة فماذا كانت النتيجة, أن العائلة تفككت نهائيا. ‏
 
وقال الرئيس الأسد: لقد أخطأنا بحق أنفسنا عندما قبلنا أن نكون وقودا للصراعات الدولية الكبرى فأحرقتنا مراجلها وعندما أقول إننا أعدنا الأمور الى طبيعتها فإنني أعني أننا حولنا استخدام هذا الوقود من اجل بناء منطقتنا وهذا البناء ليس بالضرورة أن يكون عمرانيا أي البناء بمعنى الهندسة بل هو بناء القرار الوطني المستقل الذي يعني بديهياً التوافق في المصالح مع أبناء المنطقة الواحدة. ‏
 
وأوضح الرئيس الأسد, القرار الوطني المستقل لا يعني أبدا أن نكون على تناقض مع الجوار أو مع الدول ما بعد الجوار وهذا يعني انه لا علاقة في العالم يمكن أن تعوض عن العلاقة الطيبة مع الجوار دولا وشعوبا سواء كان هذا الجوار دولة أو شعبا فلا شيء يعوض عن علاقتنا مع بعض كجيران بغض النظر عن العرق والدين وأي معيار آخر فكيف إذا كانت هذه العلاقة ذات جذور تاريخية متينة وقوية كالتي تربط بين شعبينا العربي والتركي, والقرار لكي يكون وطنيا لا بد من أن يعبر عن طبيعة الشعب وعندما قمنا معاً كدولتين سورية وتركيا بذلك لم يكن هناك سوى احتمال واحد هو النجاح لسبب بسيط, لان تغير السياسات عبر الماضي لا يعني على الإطلاق تغير الشعوب لذلك لم يؤد تنافر السياسات الذي حصل في العقود الماضية الى تنافر بين الشعبين فكانت النتيجة أن السوريين والأتراك كانوا الحاضن الأساسي لتطور العلاقة على المستوى الرسمي والدافع الحقيقي لاستمرارها وتطورها وهم سيكونون المانع القوي في وجه تراجعها او ضعفها. ‏
 
وقال الرئيس الأسد: في إطار هذه العلاقة لا بد من التنويه بالمواقف التركية خلال السنوات الماضية تجاه القضايا العربية تحديدا والتي كان لها تأثير كبير على الشعب العربي بشكل عام وتركت بصمتها العميقة في مستقبل الأخوة العربية- التركية فلا يمكن أن ننسى موقف البرلمان التركي عندما رفض السماح بالعدوان على العراق انطلاقا من الأراضي والأجواء التركية والذي عبر عن الموقف الشعبي الواضح من خلال التظاهرات الرافضة للعدوان في ذلك الوقت ولن ننسى موقف الحكومة التركية من جريمة العدوان على غزة ومسيرة اسطنبول الكبرى المستنكرة للمجازر الجماعية التي نفذتها إسرائيل بحق الفلسطينيين وفي المقابل فان الشعب العربي بادل هذه المواقف المشرفة بالتقدير والعرفان والذي ستظهر نتائجه الملموسة في المدى القريب. ‏
 
وأضاف الرئيس الأسد: وفي هذا الإطار أريد أن أنوه بالموقف المشرف لأخي رئيس الوزراء اردوغان في مؤتمر دافوس, هذا الموقف بالنسبة لنا, وأعتقد بالنسبة لأي إنسان عاقل ويحترم نفسه في هذا العالم, يعبر عن احترام للذات وعن احترام للوطن والشعب, والدولة التي تحترم نفسها, دولة تكتسب مصداقية والدولة التي تكتسب مصداقية تصبح دولة فاعلة, لا يمكن أن تأتي الفاعلية وقوة الدولة من خلال المساحة او من خلال عدد السكان او من خلال القوة العسكرية أو الاقتصادية أو غيرها, تأتي أولا من خلال الرؤية ومن خلال احترام الذات واكتساب المصداقية ونحن اليوم بحاجة لكثير من هذه المواقف المشرفة الواضحة, الصادقة, العادلة, السبب بسيط وهو ان السياسة الدولية اليوم تسودها حالة من النفاق والرياء وازدواج المعايير. ‏
 
وقال الرئيس الأسد: في هذه التربة الخصبة نمت العلاقة السياسية بيننا وفي هذه البيئة الصحية تكونت الثقة بين المسؤولين في الدولتين وبشكل خاص بيني وبين الرئيس غل والرئيس اردوغان ومن هذه الثقة انطلقنا للعمل معاً من اجل استقرار المنطقة ولم يكن لدينا ادنى شك في أن جوهر هذا الاستقرار والمدخل إليه هو تحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط وترجمنا هذا العمل المشترك من خلال المفاوضات غير المباشرة بين سورية وإسرائيل في اسطنبول والتي استمرت لثمانية أشهر سبقها تنسيق وتحضير مشترك لاكثر من ثلاثة عشر شهرا بيني وبين الرئيس اردوغان مباشرة من خلال اللقاءات ومن خلال الاتصالات الهاتفية او من خلال المبعوثين. ‏
 
وتابع الرئيس الأسد: أثبتت سورية خلال تلك المفاوضات مرة أخرى, أقول مرة أخرى لأنه كانت هناك مفاوضات في التسعينيات, حرصها على تحقيق السلام من خلال المشاركة الجدية في هذه المفاوضات كما أثبت الوسيط التركي والذي يقوم بهذا الدور لأول مرة بأنه وسيط عادل وموضوعي لعب دوره بمهارة تامة, أما إسرائيل فقد أكدت مرة اخرى رفضها للسلام من خلال تمسكها بموقعها الذي وقفت فيه دائما وهو العمل على نسف أي مبادرة لتحقيق السلام ومقابلة أي مبادرة من هذا القبيل بحروب جديدة ومجازر رهيبة وهذا ما حصل. ‏
 
في عام 2002 بعد المبادرة العربية للسلام قامت إسرائيل بارتكاب مجازر في جنين وفي الضفة الغربية وقامت بالعدوان على لبنان في عام 2006 وبدأت بالعدوان على غزة بعد أربعة أيام من آخر حديث على الهاتف بيني وبين الرئيس اردوغان والذي استمر حتى منتصف الليل وكان في ذلك الوقت رئيس الوزراء الإسرائيلي موجوداً في تركيا وكنا نأمل بأن الوقت قد حان لإتمام شيء أساسي في المفاوضات غير المباشرة ففوجئنا بأن الرد الإسرائيلي كان هو الهجوم على غزة وارتكاب المجازر التي تعرفون عنها كما نعرف نحن عنها ولكن غياب الشريك الإسرائيلي لن يغير نظرتنا للسلام ولن يجعلنا نتباطأ في العمل على تحقيقه وهذا يكون من خلال مواصلة الحوار لوضع التصورات المختلفة التي يمكن أن تتحول الى خطة عمل وعندما يوجد الشريك من الجانب الإسرائيلي يمكن الانطلاق بسرعة وانجاز اتفاق يجعل من السلام حقيقة واقعة بدلا من أن يكون وهما أو غطاء لحروب ومجازر بحق الأبرياء ولكن علينا أن نكون واقعيين وإلا نغرق بالأحلام الجميلة لان الواقع ليس كذلك فنحن لا نتحدث هنا عن شريك موجود او كان موجودا وغاب مؤخرا وننتظر عودته, نحن نتحدث عن شريك وهمي لم يوجد منذ وجد الصراع العربي- الإسرائيلي والأمل في وجوده بدأ يتضاءل بشكل خاص مع ازدياد التطرف الإسرائيلي بعد عدوان 1967 والذي يزداد يوما بعد يوم على مستوى الحكومات وعلى مستوى الشارع. ‏
 
وأضاف الرئيس الأسد: هذا الكلام ليس استنتاجاً سورياً, لا نقوله لان سورية لديها اراض محتلة من قبل إسرائيل, هذا الكلام تستطيعون أن تطلعوا عليه وعلى مضمونه من خلال استطلاعات الرأي التي تجري في إسرائيل من وقت لآخر وان آخر استطلاع كان يدل على أن أكثر من ستين في المئة لا يؤمنون او لا يقبلون بعودة الأراضي المحتلة بشكل عام وخاصة الجولان, كلنا يعلم بأن عملية السلام قامت على أساس الأرض مقابل السلام, يعني لا توجد ارض مقابل ارض ولا يوجد سلام مقابل سلام, توجد ارض مقابل سلام فمن يرفض الارض يرفض السلام, بنفس الوقت اسحاق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي قال في عام 1991 عندما بدأت مفاوضات السلام في مدريد, سأجعل هذه المفاوضات تستمر عشر سنوات واليوم نحن بعد ثمانية عشر عاما من بدء عملية السلام لم يتحقق شيء والأمور أسوأ من قبل بدء عملية السلام فعندما نتحدث عن التطرف الذي نراه في إسرائيل هو ليس استنتاجا سوريا هو حقيقة يجب أن نتعامل معها إن أردنا أن نصل الى السلام بعيدا عن العواطف والدبلوماسية الرومانسية والطرح الأخير حول يهودية الدولة يصب في هذا الاتجاه فهذه الدولة لن تقبل فيها مسيحيا او مسلما وستكون دولة من لون واحد ذات طابع عنصري وهذا مناقض تماما للنسيج الاجتماعي لمنطقتنا الغني بتنوعه الديني والثقافي والعرقي وهذا ما يفسر الردود العنيفة والحربية من قبل إسرائيل على المبادرات السلمية المختلفة لان السلام يفترض الاندماج مع الآخر وهذا يناقض التوجه الإسرائيلي. ‏
 
وعملية تهويد القدس الممنهجة وطرد سكانها الفلسطينيين هي البداية الفعلية من اجل الوصول للدولة اليهودية المنشودة وما يحصل في غزة او ما حصل في غزة وما يحصل اليوم وما حصل قبل الحرب من خلال الحصار وتجويع الشعب الفلسطيني أيضا يدخل في نفس الإطار لان المطلوب أن يصل الشعب الفلسطيني الى حالة من اليأس وبالتالي يقوم بهجرة طوعية وتتحقق هذه الأمنية الإسرائيلية. ‏
 
وتابع الرئيس الأسد: من تحليل هذه الحقائق نستنتج أن هذا الشريك لن يوجد بشكل طوعي لان طبيعته منافية للسلام ورافضة له بل سيوجد عندما تمارس عليه الضغوط التي تجعله يفهم ان اللون الواحد لا يمكنه العيش في الشرق الاوسط المتنوع وان السلام ثمنه الوحيد هو عودة الحقوق كاملة وان القوة مهما كبرت فهي غير قادرة على اقتلاع الشعوب او العقائد. ‏
 
صحيح هي قادرة على التخريب وإلحاق الاذى لكنها أيضا قادرة وبسهولة على الارتداد على أصحابها. ‏
 
وقال الرئيس الأسد: في إطار الحديث عن عملية السلام أود أن أؤكد من على هذا المنبر وفي اسطنبول أننا نتمسك بقوة بالدور التركي وبالوساطة التركية من اجل المفاوضات المباشرة وهناك سؤال يتكرر حول مغزى هذا الدور ومغزى هذه المفاوضات سواء في تركيا او الدول العربية او في اي مكان من العالم, اولا الدور التركي في هذه الوساطة نتمسك به لعدة اسباب اولا الثقة التي تكونت بين الدولتين وبين المسؤولين في البلدين والثقة في مفاوضات السلام مهمة جدا, من المهم جدا ان تكون هناك ثقة بالراعي او بالوسيط, لا يمكن ان يكون هناك مفاوضات سلام من دون وجود هذه الثقة, النقطة الثانية هي نجاح الوسيط التركي في وقت فشلت اغلب الوساطات والرعايات منذ بدء عملية السلام وحتى الآن, النقطة الثالثة هي اهمية هذه المرحلة اي المفاوضات غير المباشرة كأساس للمفاوضات المباشرة ان نجحنا في هذه المرحلة ونجح الدور التركي فسيكون من الممكن الانتقال الى المفاوضات المباشرة وبالتالي نجاح الرعاة الدوليين وطبعا تركيا ستكون ايضا موجودة بشكل اساسي في مرحلة المفاوضات المباشرة. ‏
 
وأضاف الرئيس الأسد: ما أهمية المفاوضات غير المباشرة التي قامت بها تركيا؟ هذا السؤال يقابل ما يطرح أحيانا بنوع من الحماس بأنه لماذا لا نذهب مباشرة للمفاوضات المباشرة كما قلت قبل قليل, هذه المفاوضات هي الاساس وان فشل الاساس فستفشل المكملات او التتمات, ثانيا من خلال التجربة في عملية السلام منذ بدئها في عام 1991 هناك مرجعيات دولية اعلنت في مؤتمر مدريد تستند الى مبدأ الارض مقابل السلام وقرارات مجلس الامن المعنية, هذه المرجعيات جيدة وتحقق السلام عندما يكون هناك اطراف صادقة وتريد ان تحقق السلام, بنفس الوقت عندما يكون هناك طرف سيئ النية قادر على ان يحقق ما تحقق حتى هذه اللحظة وهو فشل عملية السلام فإذن المطلوب للوصول لمرجعيات تحقق السلام بغض النظر عن نوعية الشركاء هو تحديد وضع بعض التفاصيل لهذه المرجعيات حتى الان هي عبارة عن عناوين عامة بحاجة لاطار واضح لكي يعمل من خلاله الوسيط او الراعي ولكي يتحرك من خلاله الطرف المعني سواء أكان الطرف العربي أم الطرف الاسرائيلي, طبعا في هذه الحالة الطرف العربي هو الطرف السوري تحديدا, عندما نصل الى هذا الاطار الواضح من خلال المفاوضات غير المباشرة تتحقق عدة امور, اولا يكون للراعي في المستقبل اطار واضح لانه مع كل اسف في التسعينيات احد اسباب فشل عملية السلام هو القيام بدور او القيام بمبادرات سواء من الرعاة او من غيرهم ادت الى افشال المفاوضات في بعض الاحيان عن حسن نية, ليس بالضرورة ان يكون السبب سوء النية, فإذن الراعي يكون لديه الاطار وطريق يتحرك من خلاله وبالتالي احتمالات الفشل تكون اقل, بنفس الوقت عندما نحدد هذا الاطار بشكل دقيق الطرف الاسرائيلي يكون غير قادر على المماطلة كما فعل في السنوات القليلة الماضية وبالتالي هذا الاساس نستطيع ان نشبهه ببناء, البناء ان كان اساسه ضعيفا فسوف يسقط عند اول هزة على رؤوس اصحابه لذلك علينا ان نؤكد على ان تكون الاساسات متينة في هذه المرحلة اي مرحلة المفاوضات غير المباشرة لكي يكون بناء السلام بناء متينا وعندها ستكون الامور لاجيال مقبلة جيدة وطبيعية. ‏
 
وقال الرئيس الأسد: إن العلاقات بين بلدينا تجاوزت المفهوم التقليدي للعلاقات الطبيعية بين بلدين جارين لتصبح علاقات أخوية متميزة بين البلدين والشعبين ملؤها الدفء والمحبة والثقة ومتجاوزة العلاقات الرسمية الى الاوساط المهنية والاجتماعية المختلفة بحيث يغدو الطبيعي متميزا, يعني ان لم تكن العلاقة بيننا من الآن فصاعداً متميزة فهي غير طبيعية أي فيها مشكلة فعلينا ان ننبه المسؤولين الى هذا المفهوم, فاذا كانت السياسة عنوانا لتضامننا فانها لن تكون مجرد تنسيق للجهود وانما هي لقاء في الرؤية والمواقف, والثقافة كذلك لن تكون مجرد لقاء مثقفين فحسب بل نسيج جامع يضم أبناء شعبينا في بوتقة واحدة, أما الاقتصاد فهو ليس مجرد مشروعات نقوم بها بل هو اتجاه لازدهارنا المشترك. ‏
 
وأضاف الرئيس الأسد: كل ذلك عبرنا عنه اليوم في الاتفاق الاستراتيجي بين سورية وتركيا والذي نعتبره ثمرة لما أنجزناه وباباً ندخل منه الى المستقبل وطريقا لتحقيق الازدهار وهو بمقدار ما يعبر عن الارادة والرؤيا المشتركة لمستقبل العلاقة بين البلدين, يصلح نموذجا للعلاقة بين دول المنطقة ويفتح الطريق أمامها للمزيد من الاستقرار والازدهار. ‏
 
وقال الرئيس الأسد: العنوانان الرئيسيان في هذا الاتفاق اليوم هما التعاون والتضامن, وتحدثت مع أخي الرئيس اردوغان حول الكثير من مواضيع التعاون في الكهرباء والغاز وفي المياه والنقل وكل شيء آخر ولكن أعتقد أن القرار الذي اتخذناه بالنسبة لالغاء تأشيرات الدخول بين المواطنين السوريين والاتراك هو أهم انجاز تم اتخاذه وهو جوهر هذا الاتفاق, والجانب الاخر هو التضامن وأنا لا أريد القول إننا اتفقنا على التضامن أو إن هذا الاتفاق اليوم أو الاعلان يعلن حالة من التضامن, نحن متضامنون دائما وميزة هذا الاتفاق انه لم يأت لكي يحقق التعاون, هو أتى نتيجة للتعاون بين بلدينا, واستمعت اليوم من الرئيس اردوغان بالتفصيل عن الخطة الديموقراطية, المسار الديموقراطي الذي تحدث عنه وفعلا هذا المسار ان تم تحقيقه في تركيا فسوف ينعكس على دول المنطقة ومنها سورية, فنحن نؤيد الخطوات التي يقوم بها الرئيس أردوغان في هذا المجال ونعتقد أن التضامن الذي بدأ منذ ست أو سبع سنوات فعليا بين سورية وتركيا وحقق انجازات كبيرة يجب ان يستمر في مكافحة الارهاب وفي التنمية وفي كل ما من شأنه أن يضر أحد البلدين أو يفيد كلا البلدين. ‏
 
واضاف الرئيس الأسد: واذا كنا انجزنا الكثير في زمن قصير فعلينا ألا نستسلم للشعور بالرضى لأن الطريق أمامنا لا يزال طويلا ومبدأ (فرق تسد) الذي استخدمه الاستعمار عبر تاريخه يعيد استخدامه اليوم بأساليب وادوات وعناوين طائفية, ونتائج ذلك واضحة أمام أعيننا ومن حولنا وجهوده من اجل اعادة عقارب الساعة الى الوراء لن تتوقف في المدى المنظور, ولقد أثبت التنسيق السوري- التركي أهميته لاستقرار المنطقة, ونجاحنا في المستقبل مرهون بقدرتنا على اقصاء التدخلات الخارجية عن منطقتنا كما قال أخي الرئيس- الاخ غير الصديق- الدول الاخرى هي صديقة ولكنها ليست شقيقة وليست جزءا من المنطقة والقرار لا يمكن أن يأتي في البيت الا من داخل العائلة, لا يمكن ان يأتي من خارج العائلة وهذا ما بدأنا العمل عليه. ‏
 
واختتم الرئيس الأسد كلمته بالقول: إن هذا الكلام لا يعني الانعزال عن العالم فالتواصل والتأثير المتبادل هو أمر طبيعي وهو صحي بشرط أن ينطلق القرار من هنا وأن يصنع بأيدينا وأن يلبي احتياجاتنا ومصالحنا وليس احتياجات ومصالح الآخرين على حساب مصالحنا, هذا هو المسار الذي اتبعناه في بناء علاقتنا المشتركة وبها نجحنا فلم يضعف سورية عدم خضوعها للضغوطات بل جعلها أقوى وأصلب ولم يضعف تركيا رفضها للعدوان على العراق وعلى غزة ومقاومتها لمحاولات ابعادها عن أشقائها العرب بل جعلها أكثر أهمية وأعظم تأثيرا في محيطها الاقليمي, فكلانا أدرك أن العلاقة الجيدة مع القوى الكبرى مفيدة عندما تستند الى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة أما الرضوخ فهو أمر مرفوض واذا كان رفضه فيه ضرر محتمل فان قبوله فيه مقتل أكيد, هكذا فقط نؤسس لمستقبل مشترك قواعده راسخة, وهكذا فقط ستذكرنا الاجيال القادمة بكل التقدير والعرفان كآباء وأجداد عرفوا كيف يستثمرون الماضي المشترك بنجاحاته وعثراته من اجل حاضر أبنائهم ومستقبل أحفادهم. ‏
 
مرة أخرى أشكركم وأشكر الأخ الرئيس أردوغان وأتمنى لكم وللشعب التركي الشقيق كل الخير والتوفيق والسلام عليكم. ‏
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.