تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

نظرية المظاهر في القانون..!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

هل يمكن للحالة الواقعية المخالفة للقانون الوضعي أن تكون مصدراً للحقوق؟

السؤال المطروح بهذا الشكل يستدعي جواباً بديهياً بالنفي، إذ أن التطبيق المنطقي لقاعدة القانون الوضعي لا يمكن أن يعطي الحالة الواقعية المخالفة للقانون الوضعي أية صفة شرعية. إلا أن التطبيق المنطقي للقانون يمكن أن يصطدم بالواقع بحيث يؤدي في بعض الحالات إلى نتائج تبدو للوهلة الأولى غير منطقية، حيث أوجد الاجتهاد القضائي، وخاصة الفرنسي، نظرية تعالج هذه النتائج هي "نظرية المظاهر"؛   

وهذه نظرية يمكن اعتمادها في سورية نظراً للتشابه بين القانونين السوري والفرنسي، وبالنظر للدور التصحيحي الذي يؤديه القضاء بالنسبة لنتائج التطبيق الآلي لقواعد القانون الوضعي.

والنظرية المذكورة تقوم على الحكمة القديمة القائلة إن الخطأ الشائع يولد الحق؛ أي على فكرة أن المظهر المادي يمكن أن يولد الاعتقاد الخاطئ بوجود الحق، بحيث يمكن تكريس آثار هذا الاعتقاد الخاطئ الذي هو الاعتقاد المبني على مظهر خارجي يعترف به القانون؛ فالقانون يعتبر أن المدين قد سدد دينه حين يؤديه إلى الشخص الذي يحمل سند الدين معتقداً أنه الشخص الذي يملك حق الدين؛ والوكيل الذي يتصرف خارج حدود صلاحياته يمكنه أن يلزم موكله إذا كان الغير يعتقدون أنه يتصرف ضمن حدود وكالته؛ وكذلك تجاوز المدير أو الشريك حدود التفويض المعطى له في عقد تأسيس الشركة مع الغير فلا يعتد بالدفع من قبل الشركاء بهذا التجاوز. واعتراف القانون بهذا المعطى لا يثير أي صعوبة؛ فإذا كان المبدأ هو أن المرء لا يسأل إلا عما التزم هو به، إلا أن القانون ذاته يمكنه النص على الاستثناءات لهذا المبدأ، وهذا ما فعله في الحالات المشار إليها سابقاً.. ولكن الصعوبة تتولد في حال سكوت النص القانوني؛ أي بالتحديد في الحالات التي تعمل فيها نظرية المظاهر.

في ضوء هذه الصعوبة لجأ الاجتهاد في بعض الحالات إلى إعمال "نظرية المسؤولية" للوصول إلى النتائج التي تؤدي إليها نظرية المظاهر، فاعتبر أن حدوث المظهر الخارجي لم يكن ليتم لو لم يهمل صاحب الحق الحقيقي ممارسة امتيازاته، أو لو لم يسهم هو في إيجاد المظهر الخادع؛ فالإهمال وعدم الاحتراز أو إرادة إيقاع الآخرين في الغلط، كل ذلك يشكل عنصر الخطأ الذي يرتب مسؤولية مرتكبه، والتعويض المناسب هو أن تتكرس حقوق الآخرين المبينة على الاعتقاد الخاطئ.

ونلاحظ أن هذا الاجتهاد يُدخل عنصراً جديداً هو سلوك المالك الحقيقي للحق بحيث يتحول المظهر الخارجي إلى وسيلة لإثبات خطأ المالك الحقيقي. وهذا الاجتهاد كما هو واضح لا يبني النتيجة التي يتوصل إليها على الحقوق الظاهرية رغم أن هذه النتيجة إنما تكرس هذه الحقوق. وقد توصل في العديد من أحكامه إلى تكريس الآثار القانونية للمظهر حتى في حالة ثبوت انتفاء خطأ المالك الحقيقي للحق. ولقد أقرّ الاجتهاد العمل بآثار عمل الوكيل الظاهري رغم انتفاء خطأ الموكل إذا كان اعتقاد الآخرين بصلاحيات الوكيل اعتقاداً شرعياً. وهو ما دفع البعض إلى القول أن المظهر الخارجي لا يحتاج إذاً إلى قيام المسؤولية المدنية لكي يحدث آثاره؛ فسلوك صاحب الحق الحقيقي لا يشكل العنصر الأساسي، إذ أن هذا العنصر يكمن في الاعتقاد الخاطئ نفسه، ونظرية المظاهر يمكن إعمالها دون أي تدخل من نظرية المسؤولية المدنية.

وبالاستناد إلى ذلك يمكننا التعرف على الأساس الذي تقوم عليه هذه النظرية الاجتهادية، خاصة وأننا نعلم أن القاضي ملزم بتطبيق القانون من خلال الوقوف على قرار محكمة التمييز الفرنسية المؤرخ في 3/4/ 1963، والذي يشير إلى أن الآخرين ذوي النية الحسنة الذين يتصرفون وفقاً للخطأ الشائع لا يستمدون حقهم لا من المالك الظاهري ولا من المالك الحقيقي، بل إن حقهم يقوم على القانون. وواضحٌ أن القانون الذي تشير إليه محكمة التمييز الفرنسية هو النظام القانوني برمته؛ فهذا النظام وفقاً لرأي محكمة التمييز يتضمن مبدأ عاماً غير مكتوب يعطي الاعتقاد الخاطئ للآخرين ذوي النية الحسنة آثاراً قانونية؛ فحيث إرادة صاحب الحق الحقيقي لم تلتزم بنقل الحق، وحيث إرادة صاحب الحق الظاهري لا تستطيع نقل الحق؛ ينتقل الحق أو يولد على أساس الاعتقاد الخاطئ للأشخاص الذين وثقوا بالمظهر الخارجي.

في الواقع إن هذا المبدأ يستجيب إلى الحاجة لحماية العلاقات القانونية، إلا أن هذه الحماية تتوجه نحو العلاقات المتحركة وليس نحو العلاقات القانونية الجامدة، لذلك فإنه ليس من المستغرب أن يجري إعمال هذا المبدأ بصورة كبيرة في مجال النشاطات التجارية حيث الحاجة إلى الركون إلى المظاهر وإلى الثقة بها وبنتائجها القانونية حاجة ماسة. إلا أن تطبيق هذا المبدأ لا يجوز أن يؤدي إلى تعطيل النصوص القانونية تعطيلاً عشوائياً أو إباحة عدم الحذر، وبالتالي فإن الخطأ المتولد عن المظهر يجب أن يتميز بعدد من الخصائص لتبرير الأخذ به؛ وهي أن يكون شائعاً، وفي الاجتهاد الحديث أن يكون الخطأ مشروعاً، حيث اعتبرت هذه الأحكام أن الخطأ الفردي الذي كان يمكن تفاديه بصعوبة نسبية هو خطأ مشروع؛ فإذا كانت ظروف التعامل لا تتطلب الكثير من الحذر، وإذا كان تصرف الشخص الذي تكوّن لديه الاعتقاد الخاطئ تصرفاً معقولاً ومنسجماً مع التعامل العادي، فإن الخطأ يكون مشروعاً. والملاحظ أن هذا الاتجاه الاجتهادي يتعلق بالدرجة الأولى بالنزاعات الناشئة عن تصرف الوكيل الظاهري، وهو ينحصر في مجالات الأعمال التجارية، إلا أن هذا الاجتهاد لم يستبعد نهائياً إعمال نظرية المسؤولية المدنية في الحالات التي يمكن فيها ترتيب مسؤولية صاحب الحق الحقيقي بالاستناد على ثبوت خطئه الشخصي.

وعليه يمكن أن نلاحظ أن نظرية المظاهر تقوم على عنصرين، أحدهما مادي والآخر معنوي؛ والعنصر المادي يتمثل في المظهر نفسه كالبطاقة التي يبرزها الوكلاء أو المندوبون أو الممثلون الظاهريون، والأوراق التي تحمل اسم صاحب الحق الحقيقي التي يستعملونها ووجود اسم صاحب الحق الحقيقي مطبوعاً على حقائبهم، أو الألبسة التي يرتدونها أو وجود لافتة على مكتب الشخص الظاهري توحي بأنه يعمل باسم الشخص الحقيقي. والعنصر المادي يتميز غالباً بالتكرار، بل بسمة التكرار؛ فالحالة الواقعية الظاهرية المتكررة أو المستمرة هي الحالة التي يمكن الركون إليها. وبهذا المعنى يمكن القول إن الوقائع تتكلم وتفصح عن الحقيقة، إلا أن الحقيقة تكون في بعض الأحيان زائفة. وهذه الحقيقة الزائفة كما رأينا، يمكن أن تولد الحقوق. ويراقب القاضي توفر العنصر المادي مراقبة دقيقة، فإذا وجد أن بعض الحقوق متناقضة وأن الحقيقة الظاهرية مشوشة فإنه لا يطبق نظرية المظاهر.

وتوافر العنصر المادي يحتاج العنصر المعنوي الذي يتمثل في الاعتقاد الخاطئ بحسب ما استقرت عليه محكمة النقض المصرية، التي تقول في قرار لها عام 1971 إنه:

يشترط لاعتبار الوكيل الظاهر نائباً عن الموكل أن يكون المظهر الخارجي الذي أحدثه هذا الأخير خاطئاً وأن يكون الغير الذي تعامل مع الوكيل الظاهر قد انخدع بمظهر الوكالة الخارجي.

من هنا نجد أن دور الاجتهاد في هذا الجانب لا يبدو محدداً؛ إذ هو يأخذ تارة بالخطأ الشائع وتارة بالخطأ المشروع. وهذا التردد في تحديد المظهر المعنوي يبدو مبرراً لأن النظرية تهدف بالأصل إلى تصحيح الإعمال المنطقي الآلي لقواعد القانون الوضعي وليس من الممكن لتحقيق الوصول إلى هذا الهدف أن تقوم النظرية على قواعد منطقية بحتة يتم تطبيقها بصورة آلية؛ فدور القاضي في مثل هذه الأحوال وتطبيقها هو دور أساسي. وتتجاوز محكمة التمييز في مراقبة هذا التطبيق قاعدة حظر الرقابة على الوقائع، إذ أن قاضي التمييز يراقب توافر العنصرين المادي والمعنوي كما يراقب صحة تقدير القاضي الموضوع لكل من العنصرين.

وختاماً، نشير إلى أن الحكم بالاستناد على نظرية المظاهر لا يؤدي إلى تكريس الأعمال القانونية التي أجراها الأشخاص الظاهريون، بل إلى تكريس آثار ونتائج هذه الأعمال، وأن الأشخاص الثالثين ذوي النية الحسنة هم الذين يستفيدون وحدهم من آثار الحكم؛ أما الشخص الظاهري فلا يمكنه أن يحقق أي مكسب نتيجة لذلك، علماً بأن النظرية لا تحول دون عودة صاحب الحق الحقيقي على الشخص الظاهري ومطالبته بالتعويض، وهذا ما استقرت عليه اجتهاد محكمة النقض السورية من أنه:

 ـ بعد علم الوكيل بالعزل إذا تعاقد مع الغير حسن النية فإن أثر التعاقد ينصرف إلى الموكل لا بموجب وكالة حقيقية بل طبقاً لقواعد الوكالة الظاهرة (نقض سوري رقم 399 أساس 757 تاريخ 2/4/1984ـ سجلات محكمة النقض).

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.