تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أوكرانيا: الحاجة أمّ الإتفاق!!

           تستمر اتصالات «مجموعة النورماندي» التي اجتمعت، أخيراً في مينسك، بالتزامن مع الاتصالات الهاتفية المتكرّرة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الأميركي جون كيري، بهدف العمل على تطبيق اتفاقية مينسك الثانية، ولكن ماذا عمّ تحمله من تفاصيل متعثرة؟ ووفقاً لصحيفة الأخبار، تكمن المصلحة الروسية والأوروبية في صمود وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا، ولكن هذا الوقف مبنيّ على اتفاق لم تتطابق بنوده مع الظروف الميدانية، مضافاً إليه التناقض بين مصالح الأطراف كافة التي لا بدّ أن تجتمع، تكتيكياً، على حلّ يقوم خبراء السياسة بتقويمه المرحلي. بناءً عليه، يعتبر الاتفاق خطوة مرحلية تلاقت فيها المصالح التكتيكية لأطراف الصراع، ولا سيما أن الكل بحاجة إلى التقاط أنفاسه كي يقوّم من جديد الواقع الميداني، مع ما تحمله بنود الاتفاق من أوجه تفسير مختلفة.

الكاتب والمفكر السياسي، فاليري بادن، مثلاً، يرى أن الرهانات على الصراع في أوكرانيا كبيرة، وهو يؤكّد أن روسيا لن تتراجع و«لن تترك أبناء قومها يواجهون مصيرهم بمفردهم في الدونباس، ولن تكشف خاصرتها الجيوسياسية». إضافة إلى ذلك، يسجّل الخبراء لقوات الدفاع الشعبي التي أحكمت سيطرتها على عقدة ديبالتسيف، تفوقاً استراتيجياً على القوات الأوكرانية المدعومة بمرتزقة ومقاتلي اليمين المتطرف.

وتوقع مدير مركز الدراسات السياسية والاجتماعية ورئيس قسم الأبحاث في معهد دول الكومنولث، فلاديمير يفسييف، أن تستأنف الحرب لاحقاً في الدونباس، ولكن على مستوى أوسع من قبل كلا الجانبين اللذين يقومان بحشد المتطوعين وإعادة تموضع القوات. فمثلاً قوات الدفاع الشعبي كانت تقاتل، قبل شهر آب، على مستوى كتيبة وهي الآن تحارب على مستوى ألوية.

أما على مستوى المصالح الأوروبية، فيشير يفسييف إلى أن ميركل وهولاند قدما إلى موسكو من أجل إنقاذ بيترو بوروشينكو، لأنهما كانا على علم بمحاصرة قواته في ديبالتسيف، ولخشيتهما من انهيار الجبهة الأوكرانية وتقدّم قوات لوغانسك ودونيتسك، لتوسّع دائرة انتشارها خارج الدونباس. في المحصلة، تمكن الزعيمان الأوروبيان من إقناع بوتين بقبول ورقة لا تختلف عن «اتفاقية مينسك الأولى»، من حيث عدم الاعتراف، رسمياً، بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الذاتيّتين. وبحسب يفسييف، فإن روسيا لا تستعجل الأحداث، ولو أرادت الحسم لانهارت أمام قوّاتها الجبهة الأوكرانية فوراً وانتهى الأمر على الأقل بتحرير منطقتي لوغانسك ودونيتسك بشكل كلي. هي لم تتجه إلى هذا الخيار رغم اتهامها بالتدخل بشكل مستمر في شرق أوكرانيا. ولكن ما يفسر قبول روسيا بـ«اتفاقية مينسك الثانية» هو عدم إعطاء ذريعة للولايات المتحدة للتمادي في دعمها لكييف عسكرياً، تنفيذاً لمخططها التوسعي. فلو قرّرت واشنطن تسليح القوات الأوكرانية، بشكل أكبر، لواجهتها موسكو بتسليحٍ يعيد التوازن لصالح المقاومة الشعبية، إلا أن موسكو اختارت الحلّ السلمي كونه أكثر فاعلية.

إضافة إلى ذلك، تحاول فرنسا وألمانيا إنقاذ الوضع ارتباطاً بمصالحهما الخاصة، ولكنهما تدركان جيداً أن ذلك مستحيل على المستوى الاقتصادي. فالمبالغ التي وُعدت بها أوكرانيا، خلال السنوات الثلاث المقبلة، تقارب 40 مليار دولار، بينما هي بحاجة ماسة، الآن، إلى مبلغ يتراوح بين 44 و50 مليار دولار. لذا، من الطبيعي أن لا تفي هذه الأموال باحتياجات أوكرانيا، إذ إن ما تدفعه كفوائد لخدمة الدين يقارب 15 مليار دولار، أي ما يعادل المبلغ الذي من المقرّر أن تتلقاه كدفعة أولى موعودة.

في المحصلة، لا تصب الحالة الراهنة في مصلحة الولايات المتحدة، وخصوصاً أن روسيا تبدو مرتاحة على وضعها وتلعب على أرض ملعبها في أوكرانيا. كما أن استمرار الوضع الحالي ثلاث سنوات أخرى يعتبر أمراً إيجابياً بالنسبة إليها، فكلّما طال أمد استمرار الوضع على ما هو عليه، ازداد ضعف سلطة كييف على الأقاليم الأوكرانية الأخرى وتضاءلت رغبات الغرب في الاستثمار في مساعدتها.

ميدانياً، وبعد الانتكاسة العسكرية التي ألحقها الانفصاليون بطردهم القوات الأوكرانية من مدينة ديبالتسيف، طلبت السلطات الأوكرانية إرسال قوة حفظ سلام بتفويض من الأمم المتحدة في الشرق، وهو ما رفضه الانفصاليون. واعتبرت الخارجية الروسية أن تفاصيلها غير واضحة. في المقابل، ندّد قادة روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا بانتهاك وقف إطلاق النار في الشرق الانفصالي، إثر محادثات هاتفية بينهم، فيما أعلن الجيش الأوكراني أن أكثر من 90 جندياً أوكرانياً أسروا، في حين لا يزال 82 في عداد المفقودين بعد دخول الانفصاليين إلى مدينة ديبالتسيف. في هذه الأثناء، بدأت روسيا بإمداد مناطق في شرق أوكرانيا خاضعة لسيطرة الانفصاليين بالغاز، بعد إعلانهم قطع شركة الغاز الأوكرانية الإمدادات عنهم، بحسب ما أعلن مدير شركة «غازبروم».

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.