تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تقرير الـsns: بكين تشق صف الأطلسي:

مصدر الصورة
SNS

     إنه أول عصيان بريطاني للولايات المتحدة منذ نهاية حرب السويس (العدوان الثلاثي على مصر) في عام ١٩٥٦.

تمردت بريطانيا أخيراً وقررت الانضمام إلى بنك تنمية آسيوي تنشئه الصين، فهل تمثل الخطوة نهاية النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية؟ وهل يصبح خاتمة لكل ما تمخضت عنه معاهدات بريتون وودز؟ الأميركيون يستشيطون غضباً من «القرارات الانتهازية» البريطانية، ويستشعرون أن الخطر يتهدد نظامهم القائم على دعم عالمي غير محدود لرفاهيتهم وإسرافهم.

وفقاً لصحيفة الأخبار، لم يصدق الرئيس أوباما أن بريطانيا ستتخذ قراراً كهذا. وقررت بريطانيا المشاركة في تأسيس بنك آسيا للاستثمار في البنى التحتية (الأساسية) الذي تعمل الصين على إنشائه. وبذلك تكون الدولة الأولى في مجموعة السبع التي تودّ الانضمام إلى هذا المشروع في تشرين الأول المقبل. ونقلت الصحافة الأميركية والبريطانية أن أوباما وجه «تأنيبا نادراً» لبريطانيا على قرارها الذي يتجاهل كل المساعي الأميركية لدى الحلفاء من أجل منع التعامل مع المؤسسات المالية التي ترعاها الصين، لما يمكن أن تمثّله من تقويض لهيمنتها على النظام المالي العالمي. نظامٌ بات يخضع بكامله للقوانين الأميركية، بحيث إن المصارف السويسرية والفرنسية والبريطانية، فضلاً عن الأميركية، باتت تدفع غرامات بعشرات مليارات الدولارات فقط جراء مخالفة عقوبات تفرضها واشنطن أحاديا على دول مثل إيران وسوريا وكوريا الشمالية وروسيا.

بالطبع بريطانيا لا تقوم بذلك انطلاقاً من طهارة سياسية، لكنها لا تريد أن تكون من الخاسرين عندما تتبدل الخرائط المالية. ولقد كسبت خبرة عالية في تبديل الأشرعة منذ خسارتها الولايات المتحدة التي كانت إحدى مستعمراتها قبل بضعة قرون.

صحيفة فايننشال تايمز البريطانية نقلت عن مسؤولين أميركيين غضبهم من أن بريطانيا لم تتشاور مع الولايات المتحدة حول المساهمة في المؤسسة المالية الصينية. ونقلت عن أحد كبار المسؤولين في واشنطن قوله، «سئمنا من التكيف المستمر في السياسة البريطانية مع أهواء الصين، فهذا الأسلوب ليس الأفضل للتعاطي مع قوة صاعدة». وكان المقصود بذلك تمنّع بريطانيا عن انتقاد السياسة الصينية في أحداث هونغ كونغ الاحتجاجية. وعندما صعّدت واشنطن حملتها على بكين بشأن التيبت ووقفت مع الدالاي لاما، كان موقف بريطانيا موارباً.

استراتيجية الصين المالية لا تتوقف عند تأسيس بنك آسيا للاستثمار في البنى التحتية. فهي وقفت أيضاً وراء تأسيس بنك التنمية التابع لمجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والصين وجنوب أفريقيا). وكذلك فإنها تموّل صندوق درب الحرير البالغ ٤٠ مليار دولار. وهذا المشروع يرمي إلى تعزيز التكامل بين دول وسط آسيا. والصين التي ضاعفت ميزانيتها الدفاعية تساعد العديد من الدول في أفريقيا وأميركا اللاتينية من أجل وقف ارتهانها للإرادة الأميركية. فهي تمول مشروع قناة نيكاراغوا التي ستنافس قناة بنما من حيث العرض، حيث تبلغ ثلاثة أضعاف، ومن حيث تقصير المسافة، لكونها أقرب إلى المكسيك والولايات المتحدة من قناة بنما.

إزاء كل هذا لم تستطع الإدارة الأميركية اجتراع إدارة بريطانيا ظهرها لها في مشروع بهذه الجسامة والحساسية والأهمية الاستراتيجية. ولقد عبرت بريطانيا عن المزيد من التجاهل من خلال تخفيف ميزانيتها الدفاعية إلى ما دون ٢ في المئة المطلوبة كحد أدنى من دول الناتو. وهي خطوة تأتي في وقت تتراكم الأعباء المالية الحربية على الحلف الذي يواجه تحدياً روسياً يمتد من جورجيا إلى السويد.

والمؤلم للجانب الأميركي في التحدّي البريطاني أن دولاً مثل أستراليا ونيوزلندا اللتين ترتبطان عضوياً بحوض المحيط الهادئ لم تعد تشعر بحرج إذا حذت حذو لندن، لأن الأمر سيكون صعباً لو أنها أرادت ذلك وحدها. ثم إن دولاً مثل تايوان وكوريا الجنوبية واليابان ستضطر لمراعاة مصالحها الإقليمية بناء على حسابات أكثر استقلالية، كما كان العالم لا يستطيع الإفلات من القبضة المالية الأميركية، فإن الدول لا تستطيع في هذا الوقت تجاهل السوق الصينية.

ووفقاً للأخبار، ينطلق قرار بريطانيا من رؤية اقتصادية انتهازية بعيدة المدى، إذ أدركت لندن أن القطار الصيني انطلق ولم يعد أحد قادراً على إيقافه. فكلّ من سيعترض سكّته سيكون عرضة للتحطيم. طبيعي أن يفضل البريطاني الجلوس بين ركابه على الجلوس في طريقه.

بانضمام بريطانيا إلى مشاريع الصين المالية تكون الصين قد أحرزت أكبر انتصار على طريق تقويض الهيمنة الأميركية على العالم. وهي تسعى إلى إنشاء مؤسسات مالية عدة، وهي: بنك التنمية الجديد (بنك «بريكس») ليحل محل البنك الدولي ومحل صندوق النقد الدولي، وبنك منظمة شنغهاي للتنمية، فضلاً عن بنك الاستثمار الآسيوي في البنى التحتية لكي يحل محل بنك التنمية الآسيوي. ويبقى السؤال أين سيكون موقع المال العربي في هذه المعادلة؟ هل يفك ارتباطه بنظام بات موضع شك حتى من قبل الحليف الأول للولايات المتحدة؟

واعتبرت كلمة الخليج أنه طوال أكثر من عقدين، سعت الولايات المتحدة إلى أن تكون القوة الوحيدة التي لا غنى لها، والقادرة على تكييف العالم وفقاً لما تريد، وعلى أساس قيمها ومفاهيمها، من دون اكتراث أو اهتمام بالآخرين الذين لديهم قيمهم ومثلهم وثقافاتهم المتجذرة في التاريخ، والتي لا يمكن تغييرها بالقوة وحدها .

ولقد اثبتت سنوات الهيمنة المتفردة، وجرّاء الحروب الفاشلة التي شنتها على أفغانستان والعراق وما لحق بالولايات المتحدة من خسائر، أن نهج القوة والغطرسة لا يمكن أن يسود ويهيمن، خصوصاً مع بروز قوى عالمية، مؤثرة اقتصادياً وسياسياً ومتطورة عسكرياً.. وكذلك مع انكشاف بهتان المفاهيم الأمريكية التي خاضت ادارات البيت الأبيض الحروب في ظلها، مثل الديمقراطية والحرية ومحاربة الإرهاب وقوى الاستبداد، لأن ما كان يتبدى على الأرض، يكشف أن الذي كلف نفسه بمهمة عادلة، كان يمارس عكسها تماماً.. وبالتالي لا بد من أن يبدأ نفوذها بالتآكل وموقعها بالتراجع. عندما تعفي أمريكا نفسها من الالتزام بمنظومة قيم وقواعد دولية، فلا يمكن لها أن تحتكر النظام الدولي، ولن تستطيع أن تفرض نفسها في هذا الموقع بالقوة.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.