تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تقرير الـsns: التغريبة الأرمنية: كي لا ننسى.. كي نحاسب:

            أوضح محمد نور الدين في مقاله في السفير أن الأسبوع الطالع ينقضي بتذكار لمئوية «الإبادة الأرمنية». قبل قرن بالتّمام حصلت إحدى المجازر الأكثر فظاعة في التاريخ الحديث، والتي تنطبق عليها المعايير القانونية التي تصلح لوصفها بالإبادة. أوامر رسميّة صدرت حينها من قبل وزير الداخلية طلعت باشا بترحيل كل أرمنيّ، خصوصاً الذكور، يتواجد في الأناضول.

الترحيل لم يحدث دفعة واحدة، لكن ذروته كانت في 24 نيسان العام 1915، وانتهى خلال سنتين، إلى أرقام تقريبية أرمنية بأن مليوناً ونصف المليون من الأرمن قد قتلتهم سلطة «الاتحاد والترقي» العثمانية مباشرة أو في طريق تغريبتهم إلى سوريا، ومنها إلى لبنان، فالشتات، أي ما يمثل 90 في المئة من الأرمن الذين كانوا متواجدين في الأناضول قبل المجازر. صراع الأرقام على أشدّه، لكن بعض الأتراك يعترفون ويقرّون بأنه لا يقلّ عن نصف مليون شخص.

صراع الأرقام قد لا يفيد كثيراً أمام حقيقة أن أمر الترحيل، المصحوب بالقتل والتهجير والطرد، كان قراراً رسمياً. وإذ اقترن الأمر بالفعل، فإن فعل الإبادة تحوّل إلى حقيقة أيضاً. التجزير في الأرمن كان بذريعة واحدة، وهي اتهامهم بالتعاون مع الجيش الروسي في الحرب العالمية الأولى.

غير أن المسألة أبعد من ذلك بكثير. كانت أمراً يتّصل بذهنية إلغاء «الآخر»، كل «آخر»، وتغييبه روحاً وجسداً، وهو نهج عثماني بدأ مع مجازر السلطان سليم الأول، وابنه «العظيم» و«القانوني» سليمان ضد العلويين في الأناضول بعدما اتهموا بدعم الدولة الصفوية، واستمرّ مع «السلطان الأحمر»، عبد الحميد الثاني، الذي كان السبّاق الى افتتاح سلسلة تطهير الدولة العثمانية من الأرمن في تسعينيات القرن التاسع عشر. المعايير التي انتهجها العقل السياسي التركي كانت مزيجاً من مركّبين: ديني ـ مذهبي وعرقي.

وأضاف الكاتب: لم يختلف أتاتورك عمن قبله، عبد الحميد و«الاتحاد والترقي»، ولا عمّن بعده، «حزب العدالة والتنمية». من شعار «هنيئاً لمن يقول أنا تركي» الأتاتوركي إلى شعار أنه «ليس من قضية كردية في تركيا» الأردوغاني، النهج واحد: «الآخر» (الأرمني كما الكردي والعربي) خلق ليكون عبداً للتركي الذي «وحده له الحق بأن يطالب بحقوق عرقية أو اتنية»، تبعاً لعصمت اينونو في العام 1930! أما المعيار الثاني، الديني - المذهبي، فقد استبق بقرون المعيار الاتني. بدأ ضد العلويين في الأناضول في القرن السادس عشر، وعرّج على الوهابيين في مطلع القرن التاسع عشر، وقذف بغضبه الأرمن في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وفي بداية القرن الحادي والعشرين كانت النظرة «الحديثة» للإسلاميين الجدد و«المعتدلين» أن العلوية معتقد ضالّ ولا اعتراف به! الأرمني هنا «حظّه يفلق الصخر»: كان ضحية النزعتين معاً. فهو غير تركي وغير مسلم. فنال عقبى الغضبين والبطشين والإبادتين.

ولفت الكاتب إلى أنه في تموز من العام 2009 وقعت في الصين صدامات مع فئة «الأويغور» ذات الأصل التركي في مقاطعة شينغ يانغ (سنجان) وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى، وصل في حدّه الأقصى إلى 200 قتيل. كان هذا كافياً لكي يعتبر أردوغان أن ما جرى هو «إبادة». ولم يكن ذلك أمراً رسمياً صينياً بل مجرّد صدام مع محتجّين يحدث في كل مكان وزمان. لكنّ المئتي قتيل كان عدداً كافياً ليعتبره أردوغان إبادة، في حين أن رقم مليون ونصف المليون (لنقل 500 ألف، وفق الاعتراف التركي) غير كافٍ لكي يعترف أردوغان بالإبادة، مضافاً إليه وجود أمر رسميّ بالقتل والترحيل؟

وأضاف الكاتب: يقول أردوغان «إن المسلم لا يرتكب إبادة» (8 تشرين الثاني العام 2009) بل حتى لا يقتل. نعم هذا صحيح. المسلم الحقيقي لا يقتل. وهذا دليل إضافي لكي نفهم كيف أن اردوغان وأحمد داود اوغلو لا يريان في «داعش» إرهاباً بل مجرد «ردة فعل شعبية ومفهومة» (آب العام 2014). هل من الصعوبة بمكان هنا تحديد مَن هو المسلم الحقيقي ومَن هو المسلم المزيَّف والوهمي؟ لا يمكن هنا فهم رسالة البابا فرنسيس الأخيرة حول الاعتراف بالإبادة سوى أنها «رسالة» في زمن التطرف في وجه المبيدين الجدد أكثر منها بوجه المبيدين القدامى.

وتابع نور الدين: كلام كثير سال وسيسيل حول اعتراف البابا بالإبادة، وكذلك البرلمان الأوروبي. لكل ذلك تداعيات كثيرة وكبيرة تصل إلى خلاصة واحدة، أن تركيا باتت أكثر عزلة من أي وقت مضى: لا هي مقبولة في الغرب ولا هي موضع ثقة في الشرق. ليست الإبادة مجرد حادثة تاريخية أو جزء من صراع سياسي، أو عسكري، بين بلدين أو طرفين، إنها أولاً وقبل كل شيء مسألة قيمية تتصل بالمعايير الإنسانية والأخلاقية، حسب الأرمن أنهم لا يزالون يوقظوننا بالإشارة بالإصبع إلى المجرم الذي ستلاحقه عظام الجائعين والعراة والتائهين بين اسطنبول ودير الزور وبرج حمود، ذات عام قبل مئة سنة.. كي لا ننسى.. كي نحاسب أيضاً.

وتحت عنوان: خيارات تركيا الصعبة بين طهران والرياض، لفت د . محمد السعيد إدريس في الخليج إلى زيارة "الضرورة" التي قام بها الرئيس التركي أردوغان إلى إيران واستغرقت يوماً واحداً. وأوضح أنّ ظروفا جديدة ومعقدة تحكم التوجه التركي نحو إيران، وهو توجه ستكون له حتماً انعكاساته المباشرة بين تركيا والدول العربية الخليجية في ظل تصاعد الصدام بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران لأسباب كثيرة؛ فتركيا تجد نفسها الآن في خيار صعب بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي في ظل كل ما هو جديد من تطورات أبرزها نجاح إيران في التوصل إلى اتفاق إطاري حول برنامجها النووي، والتوجه الاستراتيجي الجديد للرئيس أوباما في إقليم الشرق الأوسط وهي تطورات تدفع أنقرة نحو طهران، لكن هناك تطورات أخرى في الاتجاه المعاكس الذي فرضته حرب "عاصفة الحزم" والتقارب التركي مع الرياض الذي عبرت عنه زيارة الأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد السعودي وزير الداخلية لأنقرة عشية زيارة الرئيس أردوغان لطهران.. وختم الكاتب بانه إذا كانت تركيا تتطلع في مرحلة ما بعد رفع العقوبات عن إيران، إلى الدخول في شراكة اقتصادية معها، وجعل أراضيها ممراً لعبور النفط والغاز من إيران إلى أوروبا، فضلاً عن تطلع الأتراك للحصول على امتيازات اقتصادية مع طهران نظراً لوقوفهم إلى جانبهم في مجال دعم حقها القانوني في امتلاك برنامج نووي سلمي ومجال تصدير النفط إضافة إلى الحوالات المالية خلال فترة العقوبات فإنها أيضاً لا تستطيع التفريط في علاقاتها الخليجية والعربية لذلك ستبقى طامحة لكسب الود الإيراني والخليجي والقيام بدور وسيط في الحل السياسي للأزمة اليمنية.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.