تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تقرير الـsns: روسيا في سورية: خسائر تركية بالجملة!

مصدر الصورة
sns

شكّل تعزيز روسيا وجودها العسكري في سوريا، ومشاركتها في الضربات العسكرية لتنظيم «داعش» وربما قوى المعارضة الأخرى، لحظة تحوّل مفصلية في مسار الحرب الدائرة في سوريا منذ أربع سنوات وسبعة أشهر. ومع أن تطورات الحرب السورية، أو الحرب الكونية في سوريا، تحول حتى الآن دون تحديد احتمالات لنهايتها، غير أن خطوة موسكو كانت طياً لكل المرحلة الماضية، وبدءاً لمرحلة جديدة لن يعود معها التلاعب بالتوازنات رهينة لرغبة رئيس غربي طامح لإبرام صفقات تسلح مع هذه الدولة النفطية أو تلك، ولا هدفاً لحكّام إقليميين يريدون تصفية حسابات مذهبية أو قومية مع دول تختلف معها في التوجه والانتماء المذهبي أو القومي.

وأوضح محمد نور الدين في السفير أنّ روسيا سعت إلى منع تفاقم الحرب في سوريا وعليها. تارة بإغراءات اقتصادية وتارة بتعويض مادي ونفسي لمن يرى أنه لن ينتصر إلا بإسقاط النظام في سوريا. وبلغت ذروة الجهود الروسية في محاولة تشكيل تحالف ضد الإرهاب، وتحديداً ضد «داعش»، يضمّ الدول المتصارعة نفسها مثل السعودية وتركيا جنباً إلى جنب مع إيران وسوريا. لكنها كانت، كما وصفها وزير الخارجية وليد المعلم، معجزة. والمعجزة لم تتحقق، بل نظر إليها خصوم روسيا وإيران والنظام السوري على أنها ضعف. فكثّف التحالف المضاد للنظام السوري حركته العسكرية على الأرض، عبر ما يُسمّى بـ «جيش الفتح» و«جبهة النصرة» ومعها «داعش» لتحقيق بعض المكاسب على الأرض من إدلب إلى جسر الشغور وتدمر. وبات واضحاً ومكشوفاً أن المطلوب إسقاط النظام في سوريا ومعه كل المحور المؤيد له من روسيا إلى إيران فالعراق و «حزب الله».

وتابع نور الدين: لقد تكاتف العالم كله لكسب الحرب في سوريا، وكانت موسكو تحديداً تميل إلى إعطاء الخصوم فرصة للتعقل وإيجاد تسوية تريح الجميع، ويخرج منها الجميع رابحين. لكن أحداً لم يصغ للنصيحة الروسية. وعندما نزلت روسيا على الأرض، بدباباتها وصواريخها وفي الجو بطائراتها، أُسقط بيد الخصوم، الذين ظنوا أن موسكو لن تفعل ذلك. ولم يكن مضى أيام أو أشهر على محاولات إغراء روسيا لنفض يدها من دعم الرئيس السوري.

أسباب كثيرة أملت على روسيا نزولها مباشرة إلى الميدان. ليس هذا موضوع هذه الأسطر تحديداً، لكن سببين أساسيين يجعلان روسيا لا تتراجع ولا تهادن في مسألة دعم دمشق والأسد. الأول أنه إذا لم تأت روسيا لتجتث الإرهاب «الإسلامي» في سوريا، فإنه واصل إلى داخل منزلها نفسه. والثاني أنه بعد خديعة الغرب لروسيا في ليبيا، لم يعد لروسيا موطأ قدم في المياه الدافئة المتوسطية سوى سوريا. ولو خسرت روسيا هذه القاعدة لاختنقت وانحصرت في سيبيريا والقوقاز، لتكمل أميركا الطوق عليها هي التي تشدده بعد الأزمة الأوكرانية؛ تستحق سوريا حرباً عالمية تخوضها موسكو من أجل المصالح الروسية في العالم وفي المنطقة. الكل سبق روسيا إلى سوريا، من الولايات المتحدة إلى بريطانيا إلى فرنسا، ودول بعيدة لا تكاد تعرف أين تقع سوريا من الخريطة. لذا عندما نزلت روسيا إلى الميدان سكت الجميع، إلا عن بعض الانتقادات التي تطال طبيعة المواقع التي تقصفها الطائرات الروسية. فهم جاؤوا قبلها وبسنوات، وفي المحصلة أن المعارضة تتقدم على الأرض و«داعش» لا يزال يتوسّع ويذبح ويصوّر جرائمه وليس مَن يحاسبه. سنة من القصف الكاريكاتوري، والنتيجة كانت صفراً بامتياز. بل كانت الحرب ضد الإرهاب مجرد ذريعة لتحقيق مكاسب على الأرض في محاولة خداع جديدة لروسيا بطرائق جديدة.

وأوضح نور الدين أنّ تركيا لم تشذ عن تلك الدول التي كانت تعطي الروسي حلاوة اللسان، فيما تدسّ له السمّ في الكأس. قدمت روسيا لتركيا الكثير من العقود الاقتصادية، بل إن بوتين أوقف مشروع «الدفق الجنوبي» عبر البحر الأسود إلى بلغاريا ومنه إلى أوروبا، وقرّر مدّه عبر تركيا في رفع لقيمة تركيا العالمية. لكن أنقرة لم تقدّر كل هذه المحاولات، وكانت تضع العين كلها على حلب وإسقاط النظام في سوريا.

حانت لحظة الحقيقة والتحدي. قال بوتين لا لخط الدفق الجنوبي عبر تركيا. فمن لا يُقدّر النعمة يُحرَم منها. دخلت العلاقات الروسية – التركية للمرة الأولى في توازنات جديدة، لم يعد فصل الاقتصاد عن السياسة ركيزة في العلاقات بين البلدين، بعدما كان كذلك في السنوات الأخيرة. قلب بوتين ظهر المجنّ على تركيا، وبالطبع على الجميع. ذهب أردوغان إلى موسكو. حاول بوتين إقناعه مجدداً بضرورة محاربة الإرهاب، وبأن التعاون مع النظام في سوريا يحقق هذه إنهاء الإرهاب.. وعندما أنهى أردوغان مباحثاته مع بوتين خرج من جامع موسكو، ليعلن متلعثماً أن أنقرة تقبل بأن يكون للأسد دور في المرحلة الانتقالية في حل سياسي للأزمة السورية.

كان ذلك مفاجأة تركية كاملة. إذ إن شعار أردوغان كان بأنه لا حل سياسي في سوريا مع الأسد، مطالباً برحيله. موقف أردوغان الجديد كان يحتاج إلى ساعات قليلة، لكي يقول إن كلامه قد فُهم خطأ، وأن مَن يقتل شعبه لا يمكن أن يكون جزءاً من الحل. من يعرف أردوغان وطبيعة مشروعه ورهانه الذي حبس نفسه فيه يدرك أن أردوغان يرى أن تغيير موقفه سيكون نوعاً من الانتحار. لكن عندما تحين اللحظة للتسوية، وتلحظ الأسد جزءاً منها، فلن يستطيع أردوغان إلا أن يحني رأسه أمام السيد الأميركي.

وتابع نور الدين بأن موقف أردوغان كان مجرد مجاملة لروسيا في بيتها، ومن اعتقد أنه يوافق على هذا الحل بقناعة يكون واهماً. بعد أيام قليلة كان رئيس الحكومة التركية أحمد داود اوغلو، يخطب في نيويورك، قائلاً إن الحل السياسي في سوريا مع الأسد غير ممكن، داعياً إلى تشكيل تحالف لإسقاط النظام. أكثر من ذلك كرر داود اوغلو أن تنظيم «داعش» ليس سوى ردة فعل على الفراغ القائم في سوريا. موقف لا يؤكد سوى المؤكد، وهو أن تركيا كانت ولا تزال ولا يمكن أن تتوقف عن دعم «داعش». نزلت روسيا إلى الساحة، فكانت تركيا من بين الأكثر إصابة بالشظايا السياسية والعسكرية لصواريخ الطائرات الروسية. باتت تركيا تواجه في سوريا عبر عملائها وجماعاتها دولة عظمى اسمها روسيا. لم تعد الحرب مجرد ألعوبة. أصبحت حسابات وتوازنات.

وأوضح الكاتب انّ أنقرة ستندب أولاً حظها في أن إقامة المنطقة العازلة بين جرابلس وعفرين باتت طيَّ التاريخ. من دون روسيا كان الأمر صعباً للغاية، فكيف الآن مع روسيا. هذا يعني أيضاً أن تركيا لن تستطيع إقامة منطقة حظر طيران فوق سوريا، وهذا يعني أن عليها أن تتدبّر أمر اللاجئين السوريين الذين هجّرتهم من بلادهم في بداية الحرب، لتستغلهم سياسياً وفي العالم وتبحث عن منطقة عازلة في تركيا لحل مشكلتهم. بات على تركيا ثانياً أن تعدّ للعشرة قبل أن تُقدم على محاولة حسم معركة حلب، لتنتقم من التاريخ وتجدّد «مرج دابق» واحتلال المشرق العربي من جديد تحت شعار «الفتح». وبات، ثالثاً، في إمكان بعض القوى التي كانت تتحسّب لرد الفعل التركي أن تتقدّم ميدانياً، كما حصل مع قوات الحماية الكردية في حلب وبعض المناطق الأخرى، ومنها القريب لتركيا. وباتت المواجهة التركية الآن مع الصواريخ الروسية، وليس مع «البراميل المتفجرة» السورية. بذريعة «داعش» كانت قوات المعارضة السورية، المؤلفة في الأساس من آلاف المقاتلين المرتزقة من غير السوريين، يتقدمون في سوريا. استباحت تركيا والغرب، وبعض الدول الإقليمية، الأراضي السورية كما لو أنها ملك لها. لم يفكروا في عاقبة هذا العهر في انتهاك سيادات الدول، وماذا سيكون موقفها لو أن أراضيها نفسها تحوّلت إلى سوريا أخرى.

وختم نور الدين بالقول: لا يذكر التاريخ أن المتغيرات الكبرى حصلت بالتوافق السياسي أو بالتراضي. كانت الحروب هي المفتاح لكل المتغيّرات. لذا يُقال إن التاريخ لا يعترف إلا بالأقوياء. والخطوة الروسية جاءت لتصيب عصافير عدّة بحجر واحد، والعصفور التركي واحد من أحد أكبر هذه العصافير.

وكتبت صحيفة "زمان" التركية أنّ إعلان روسيا تعزيز وجودها العسكري في سوريا، وتشكيل هيئة تنسيق رباعية بين روسيا وإيران والعراق وسوريا، أمر يقلق الغرب. وقضية اللاجئين التي طرقت باب أوروبا سرّعت من بحث الغرب عن حل سياسي في سوريا.. ورغم أن تركيا لم يبق لها كلمة مسموعة، فإن كلام أردوغان عن إمكانية مشاركة الرئيس بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، وقع مثل الصاعقة. وأوضحت: مطلوب من وقت لآخر إجراء تعديلات في السياسة الخارجية، لكن هذا مؤشر إلى إفلاس السياسة السورية لتركيا التي تظهر في صورة الداعم للتنظيمات الإرهابية. وما دام الاعتراف بدور للأسد في العملية السياسية، فلماذا لم يكن وقف النار أولوية، ولماذا لم تتخذ إجراءات تحول دون ظهور مشكلة اللاجئين؟ لا شك أن أحداً لا يريد إلحاق الضرر بمصالح بلاده، لكن الآمال في السياسة الخارجية لا تبنى وفقا للنيات.

وأضافت الصحيفة في مكان آخر؛ أثناء عودته من روسيا تحدث أردوغان عن مرحلة انتقالية بمشاركة الأسد. كان شعار أردوغان «الأسد إما أن يذهب وإما أن يذهب»، وإقامة الصلاة ستكون في الجامع الأموي. واحتسب أيام الأسد بالقليلة، وشرع بمحاولة إقناع روسيا وإيران بوجهة نظره. حسابات الحقل لم توافق حسابات البيدر. وبدلاً من إقامة الصلاة في الجامع الأموي، ها هو أردوغان يؤديها في جنازات القتلى من الجنود الأتراك.؛ افترض أردوغان أنه يمكن هذه المرة أن يخفف من موقف بوتين. فكانت النتيجة أن الذي غير موقفه ليس بوتين بل أردوغان. لا اعتراض على مراجعة السياسات، لكن ألا يستلزم ذلك توبة وغفراناً، ليس فقط في السياسة الخارجية بل في كل المجالات التي عمل فيها «حزب العدالة والتنمية»، ومن بعد ذلك يبدأ مرحلة جديدة بالبسملة؟ التوبة أولاً والاستغفار ومن بعدها يمكن أن تبدأ بالبسملة.

ولفت سامي كوهين في صحيفة «ميللييت» إلى أنّ أردوغان أدلى بتصريحات من موسكو حول إمكانية مشاركة الأسد في مرحلة انتقالية. هذا اعتبر تغييراً مهماً في سياسة أنقرة التي كانت تقول إنه لا حل سياسيا قبل ذهاب الأسد. لكن داود أوغلو أطلق إشارة معاكسة بالقول إنه لن يكون هناك مكان للأسد في المرحلة الانتقالية. موقفان متناقضان في الوقت نفسه. لكن برأينا إن تصريحات أردوغان تكتيكية، ولا تعكس تبدلاً في الهدف الاستراتيجي، وهو إبعاد الأسد. مع ذلك من الضروري أن تحدد تركيا بشكل واضح موقفها من هذه المسألة. وفي وقت تتكاثر فيه المواقف حول مشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية، فلا مكان للترف في التعبير عن مواقف متناقضة.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.