يجمع فريق من الخبراء على قرب انفراج الأزمة القطرية بدليل تراجع مجموعة المقاطعة عن لهجتها في مخاطبة الدوحة وارتفاع نبرة الأخيرة في تفنيد الاتهامات المنسوبة إليها برفد الإرهاب؛ وبين أبرز المطالب التي وضعتها مجموعة المقاطعة "الأربع" على طاولة الدوحة، كان مطلب إغلاق قناة "الجزيرة" وبدا في الآونة الأخيرة مرادا "ثانويا" في قائمة الشروط، حيث اعتبر ألمح المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة إلى أن إسكات "الجزيرة" "ربما لن يكون ضروريا" في قائمة المطالب؛ الترحيب الإماراتي على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية بمذكرة التفاهم التي وقعتها الولايات المتحدة وقطر الثلاثاء الماضي لمنع تمويل الإرهاب تمثل تطورا إيجابيا، يلمس فيه المراقبون خطوة ملحوظة في اتجاه التهدئة، بدليل إشادة الوزير بجدوى المقاطعة؛
وجاء تقرير الخارجية الأمريكية حول الإرهاب للعام 2016 ، ليعزز التفاؤل بقرب انفراج أزمة الدوحة، إذ رفع هذا التقرير كل التهم المنسوبة للدوحة بـ"تمويل الإرهاب" وألقاها على جهات "غير رسمية" نشطت على أراضي قطر؛ كما اعتبرت واشنطن الدوحة "شريكا كاملا وعضوا فاعلا في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"؛ أضف أنّ عجلة المقاطعة، وبعد السرعة الجنونية التي انطلقت بها في أعقاب إعلان الحصار، أخذت تتباطأ، وربما تكون قد توقفت بالمطلق، حيث لم تقدم على القطيعة والحصار أي من الدول العربية والإسلامية التي جاهرت بتأييد المقاطعة وتحمست لها، ولم تتخذ أي من هذه الدول أي إجراءات تذكر لها أو يقال إنها قد ضيّقت بشكل أو بآخر على الدوحة؛ وأخيراً، فإن العلامة الخامسة حسب المتفائلين بقرب صلاح ذات البين في الخليج، تقرأ في عبارات أمير قطر الذي خاطب فريق المقاطعة بنبرة عالية، وكلمات انتقاها أكدت ثبات موقف بلاده وبراءها من تهمة "الإرهاب"، قائلاً: "هناك دول تحاول التشهير بقطر لدى الغرب".
وأعلن سفير قطر في موسكو فهد بن محمد العطية أن بلاده يمكنها تحمل الحصار المفروض ضدها وستستمر في ذلك ولكنها قد تتخذ إجراءات قانونية تلزم الدول الأربع بالقانون والاتفاقات الدولية. وقال لوكالة سبوتنيك: "الدوحة ستتخذ التدابير القانونية قريباً جداً في حال لم تتخذ السعودية ومصر والبحرين والإمارات بعض الخطوات البناءة وإذا لم تحقق الوساطة أي تقدم لاحقا". وشدد السفير على أن الحصار لا يمكن أن يستمر إلى الأبد وعلى أن بلاده لن تذعن لأي إملاء وأساليب البلطجة ولن تسلم سيادتها لأحد. وقال السفير: "المطالب الـ13 تشبه شروط الاستسلام ولكنها باتت من الماضي لأن الجانب السعودي أخذ مؤخرا يتحدث عن الموافقة على المبادئ الستة".
ووفقاً للحياة، توعد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قطر، من دون أن يسميها، وشدد على أن «دماء الأبرياء لن تمر من دون حساب»، ونبه إلى «من يمولون الإرهاب بالبلايين ثم يتشدقون بحقوق الأخوة والجيرة». وطالب في كلمة أمس، حكام قطر، بـ «الكف عن التدخل في شؤون مصر والوطن العربي والانشغال بوطنهم». وقال المستشار في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني عبر «تويتر» إن خطاب أمير قطر الشيخ تميم الذي ألقاه ليل الجمعة كان «كلمة إنشائية». وقال وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش: «تمنيت لو كان خطاب أمير قطر مبادرة مراجعة ودعوة تصالح»، مؤكداً أن «الحوار ضروري لكن أساسه مراجعة مواقف قطر». وكان السيسي دشن أمس قاعدة اللواء محمد نجيب العسكرية وهي الأكبر في الشرق الأوسط، الواقعة في منطقة الحمام المتاخمة للحدود المصرية مع ليبيا. وشهد الاحتفال ممثلون للدول الداعية إلى مكافحة الإرهاب. وإلى جدة يصل اليوم الرئيس أردوغان، في بداية جولة خليجية تشمل السعودية والكويت وقطر وتستمر يومين للبحث في الأزمة بين الدول الأربع وقطر.
بدورها، أبرزت العرب الإماراتية: قطر ترفض 'إملاءات' جيرانها لكنها تسترضي واشنطن. واضافت: المكابرة في التصريحات لا تلغي اعتراف قطر بأن مطالب جيرانها مشروعة، وتأثر الدوحة بالمقاطعة يدفعها إلى إجراءات جديدة للحد من الرفاهية.
في المقابل، أبرزت القدس العربي: أمير قطر «يقلب الطاولة» على دول الحصار ويطرح شروطه لحل الأزمة. وأوضحت: شهران مرا على حادثة اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية يوم 24 أيار/مايو الماضي؛ الشرارة الأولى التي أريد لها أن تلهب فتيل الأزمة الخليجية، وبعد أن خاضت قطر معركة دبلوماسية وإعلامية لتفنيد اتهامات دول الحصار ضدها، ونجحت في حشد دعم دولي لافت لدبلوماسيتها «الواقعية» و»العقلانية»؛ قررت الدوحة أن تنقل «الضغط» إلى الطرف الآخر، وتصعّد من نبرة التحدي لخصومها، معلنة نتائج التحقيقات في أكبر فضيحة اختراق لوكالة أنباء رسمية، تشهدها المنطقة... ففي ظل تنامي الدعم والتضامن الدولي لموقف قطر ضد خصومها، وبداية انكشاف خيوط «المؤامرة»؛ خرج أمير قطر في أول خطاب رسمي له منذ بداية الأزمة، بنبرة «المنتصر» الذي جاء ليقلب الطاولة على خصومه، ويفرض شروطه لحل الأزمة. ولقد شهدت الأيام الأخيرة تصاعد العديد من الأصوات الدولية المطالبة بفرض ضغوط دولية على السعودية والإمارات ومصر، ووقف دعمها بصفقات السلاح، متهمة إياها صراحة بدعم الإرهاب، وأنها ليست بريئة تماما من ذات التهم التي توجهها لدولة قطر!
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية نشرت مقالا عن الأسباب الخفية للخلافات بين قطر وجيرانها، معتبرة أن "ما يظهر للناس في أزمة قطر أن الأمر يتعلق بخلافات دبلوماسية بين دول الخليج العربية، ولكن الحصار الذي تفرضه السعودية وحليفاتها على قطر منذ 6 أسابيع يخفي وراءه صراعات عائلية طويلة". ولفتت الى أن "العائلات الحاكمة في السعودية والإمارات تربطها علاقات عائلية قوية، وهذا يعني أنّ القضايا السياسية هي في الواقع قضايا عائلية أيضا"، مشيرة الى أن "أمير قطر الحالي، تميم، استلم الحكم من والده حمد، عام 2013، ولكن هناك من يرى أن حمد هو الذي يحرك الخيوط من وراء الستار".
وذكرت أن "حمد كان هو مؤسس الهوية القطرية الجديدة، وقد دخل في مواجهات مع السعودية أول مرة في ساحات القتال، على رأس كتيبة من القطريين ضد قوات صدام حسين، في حرب الخليج منذ 27 عاما، وجنود كتيبة حمد كانوا من بين الكتائب التي اشتبكت مع القوات العراقية في معركة الخفجي عام 1991، وعندما التحقت القوات السعودية حماها جنود المارينز الأمريكان من "النيران القطرية الصديقة" التي كانت تسقط عليهم"، مشيرة الى أن "الأزمة الحالية تعود جذورها إلى خلافات قديمة. وتفيد مصادر بأن السعوديين والإماراتيين طالبوا الأمير الحالي بأن يخضع والده إليهم". وأضافت: "يعرف أن عائلة آل سعود لها نفوذ واسع وراوبط عائلية في قطر أهمها عائلة العطية. والأمير حمد لم ينشأ في عائلة والده آل ثاني وإنما في عائلة أخواله العطية. ولكنه لم يتزوج من عائلة العطية وإنما من عائلة آل ثاني. وأكبر مساعديه، حمد بن جاسم بن جبر ليس من العطية وإنما من آل ثاني، الذي فكر في ربط علاقات من تيار الإسلام السياسي الصاعد سيضمن الاستقرار لبلده الصغير. وتنبع أصول آل ثاني وآل سعود من نجد التي نشأ في فيها التيار الوهابي. وكل عائلة تتبنى صيغتها من الوهابية".
وقال الكاتب سيرغي بليخانوف لصحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" أن السبب الحقيقي لتفاقم الخلاف بين ملكيات الخليج يكمن في تعزُّز موقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أحد أصغر الحكام في المنطقة، والذي أصبح الآن واقعيا "الرأس المحرك للسياسة السعودية، وهو السبب الحقيقي للنزاع". ويرى الخبير أن التناقضات مع حاكم شاب آخر، وهو أمير قطر تميم، قد لعبت دورها أيضا في تأجيج الصراع، حيث اصطدم شابان عربيان "ملتهبا المزاج". لكن هناك، سببا جذريا لهذا النزاع، وهو "التنافس الجيوسياسي بين قطر والسعودية"، بيد أن هذا التنافس "ليس وليد الأمس وهو لن ينتهي غدا". ولذا، فإن العامل الشخصي هو الذي فاقم الوضع حول قطر. ومن الواضح أن خصائص طبع محمد بن سلمان الشخصية لم تعد سرا على أحد، حيث تصفه الصحافة الغربية ليس فقط بصاحب "الرأس الساخن"، بل و"المقامر" في خبايا السياسة السعودية، وتشير إلى جنوحه نحو المغامرة. وللتذكير، يشغل محمد بن سلمان منصب وزير الدفاع منذ بداية عام 2015، وينسبون إليه تزايد النشاط السعودي في الأزمة السورية والحرب في اليمن؛ وابن سلمان ليس أقل طموحا في الشؤون الداخلية، والقليل فقط يعتقدون أنه سيعمل على تخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة؛ هذا، وإن عدم تحول الصراع إلى مواجهة عسكري مسلح، كما يوضح بإسهاب الخبير بليخانوف، مرتبط أيضا بتأثير العامل الخارجي ودور الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين تملكان القدرة على التأثير والردع بما يلائم حركتهما السياسية في التعامل مع كلا طرفي النزاع؛ إلى ذلك، فإن الحصار، الذي سيستمر عدة أشهر، سيرفع عاجلا أم آجلا عن قطر.
وقال الخبير في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة بالمعهد، والمتخصص بالشأن السعودي سايمون هندرسون في تحليل بعنوان “سياسة القصر السعودي تأخذ مجراها بخطى حاسمة”، إن ابن سلمان بات يصعد إلى سدة السلطة متوجها نحو العرش بسرعة صاروخية. وتابع قائلا “كان على بن سلمان أن يجتاز 3 خطوات هامة، حتى يصل إلى مبتغاه، ولكنه حاليا يمكن أن يدمجها في واحدة، خاصة وأنه لم يتبق له إلا خطوتين فقط”. أما عن الخطوات الثلاث، فهي: تعيين العاهل السعودي نجله الأمير محمد بن سلمان، رئيسا للوزراء، بدلا من منصبه الحالي، نائب رئيس الوزراء، وهو ما سيمكنه من تولي مسؤولية جهاز أمن الدولة السعودي الجديد، الذي يتولى كافة المهام الأمنية الرئيسية، بعد سحبها من وزارة الداخلية؛ إقالة الأمير متعب بن عبد الله، قائد الحرس الوطني، واستيعاب الحرس الوطني في الجيش السعودي، الذي يخضع لقيادة ولي العهد، بصفته وزيرا للدفاع؛ تنازل الملك سلمان عن العرش لنجله محمد بن سلمان لأسباب طبية، وهو ما يسمح به قانون هيئة البيعة السعودية.
ولكن حذر الخبير الأمريكي مما وصفها بـ"المعارضة المكتومة"، التي قد لا تجعل طريق بن سلمان إلى العرش ممهدا بصورة كاملة، والتي يمكن وصفها بـ”العقبات المكتومة”. وأشار إلى أن الطريقة التي تم الكشف بها عن كيفية إجبار ولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف على التنازل عن ولاية العهد، يبدو أنها سربت عمدا من قبل مؤيدي بن نايف، وتشير التكهنات إلى مدى قوة المعارضة لمحمد بن سلمان داخل العائلة المالكة.
وكشف أيضا هندرسون عن أن هناك شريط فيديو جديد تم تسريبه للأمير أحمد، الأخ الشقيق والأصغر للعاهل السعودي، وهو متواجد في غرفة استقبال لا يوجد فيها سوى صورتين معروضتين في الخلفية، للملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، والملك سلمان، وهو ما يعد خللا بروتوكوليا كبيرا، حيث اعتاد الجميع على وجود صورة ولي العهد بجوار صورة العاهل السعودي، ولكن صورة محمد بن سلمان لم تمكن موجودة في الخلفية، وهو ما يعد رسالة “معارضة” مبطنة لتوليه ولاية العهد. وأشار إلى أن الفيديو ظهر فيه أيضا قائد الحرس الوطني، الأمير متعب بن عبد الله، وعدد من الأمراء، الذين كانوا مجتمعين في الغرفة، من دون معرفة سبب الاجتماع. وأضاف: "تم الكشف أيضا عن أسماء الأمراء الثلاثة في هيئة البيعة المكونة من 34 عضوا، الذين رفضوا مبايعة بن سلمان، وهم: الأمير أحمد بن عبد العزيز، وزير الداخلية السابق، والأمير عبد العزيز بن عبد الله، ممثل أسرة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، ومحمد بن سعد نائب أمير الرياض، وهو ما يوضح كيف أنه ممثلين لتيارات هامة في العائلة المالكة، وقد يشكلون قوة ضغط وعقبة كبيرة أمام بن سلمان للصعود إلى العرش”"
سعودياً، ذكرت وكالة "رويترز" أن تنحية الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد تصب في "مصلحة الدولة العليا"، بسبب إدمانه المورفين والكوكايين لدرجة أثرت على أدائه وأصبح واضحا عليه. ونفى مصدر أن يكون بن نايف ضحية لانقلاب داخل القصر من تدبير الأمير محمد بن سلمان، ابن الملك، تمهيدا لأن يخلف والده الملك سلمان بن عبد العزيز (81 عاما)، كما كذّب كليا تقارير أشارت إلى استعداد الملك للتنازل عن العرش لابنه قريبا ربما في أيلول المقبل. وقال المصدر إن الأمير محمد بن نايف (57 عاما) عانى من تعاطي مواد مخدرة لسنوات منذ عهد العاهل الراحل الملك عبد الله، مبينا أن الملكين الراحل والحالي نصحاه مرات عديدة بالعلاج.
