تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الإعلام وتحديات التطرف والإرهاب

           احتضنت مدينة أغادير المغربية الاسبوع المنصرم فعاليات الدورة الثالثة من المنتدي الدولي للإعلام، الذي اختار له هذه السنة دولة مصر الشقيقة كضيف شرف، وكان لقاء الإعلاميين من مختلف الأقطار العربية فرصة لتدارس وضع الاعلام العربي ومناقشة مجموعة من القضايا والإشكاليات المرتبطة به وأهمها دوره في تشكيل الوعي الاجتماعي، وأداؤه في زمن التحولات والتطرف والارهاب.

منتدى أغادير كان فرصة لتشريح واقع الإعلام العربي ووضع اليد علي بواطن الخلل فيه، فبين اعلام احترف التضليل وآخر اختار التطبيل ضاعت الحقيقة ومصداقية الخبر، وبين إعلام لايزال بعيدا عن لعب دور حقيقي في مواجهة التطرف والإرهاب وآخر يحرض عليهما، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ضاع المتتبع العربي وضاعت معه مجتمعات باتت تختار التطرف كسلوك حياة والإرهاب كوسيلة للرد.

فنحن أمام واحدة من أهم الأزمات التي تواجه العالم بأسره في عصرنا الحالي وهي أزمة التطرف الذي أصبح حقيقة لا يملك أحد تجاهلها أو تجاوزها، فبين التطرف الديني والطائفي والتطرف الأخلاقي والعنصري.. أصبح العالم يعيش حالة من اللا استقرار، والعنف والعنف المضاد، وأصبحت منطقتنا العربية تعيش واحدة من أشد مراحلها سوادا بعدما أصبح هذا التطرف يقتات من جسد الأمة المنهك بالثورات والحروب والصراعات ويصدر صوره عنفا وارهابا يهدد المنطقة، بل والعالم، بعدما نجح في استقطاب الجاهلين والمغيبين والمهمشين في دولهم ليصنع منهم مشاريع ارهابيين وخلايا قابلة للانفجار في أي لحظة وفي كل مكان.

التطرف وما يفرزه من إرهاب يمثل في اللحظة التاريخية الراهنة تحديا عالميا وإقليميا تعكف مراكز القرار البحثي والسياسي علي دراسة تجلياته وأسباب نموه وطرق مواجهته، وهو يشكل ايضا أزمة حقيقية للإعلام الذي من المفروض أن يسهم في مواجهته من خلال، أولا، تقديم صورة حقيقية للاعتدال من خلال نشر ثقافة الحوار والتسامح والانفتاح علي الرأي والرأي الآخر. وأن يقدم الصورة السلبية للإرهاب ويكشف خفايا التنظيمات الإرهابية ومساراتها الفكرية وآليات عملها واستغلالها للجهل الديني أو الحقد المجتمعي الذي يمكن أن يشعر به بعض شبابنا العربي لأسباب متعددة، من اجل تنوير العقول وتوضيح الصورة الغائبة عن الكثير في مجتمعاتنا التي لاتزال لا تميز بين «الدين» و«التدين»، وبين ما يدعو اليه الدين الصحيح ومن يستغله ويتمسح بقشوره لأطماع سياسية أو أيديولوجية او وجودية.

لكن ما نلاحظه، للأسف، هو ان بعض الاعلام سواء بوعي او بدون وعي، يسهم في تفاقم هذه الظواهر مرة بسبب برامجه التي تعرض الجريمة أو تشجع علي الانحلال الديني أو الأخلاقي، ومرة أخري من خلال إعلام متشدد ينفر من الدين السمح، وكلا الاعلامين يولد تطرفا. فالتطرف الأخلاقي هو سبب في التطرف الأخلاقي، والتطرف الديني هو سبب في التطرف الديني والعكس صحيح، وكلاهما وجهان لنفس العملة. هذا من ناحية.

من ناحية أخري، أسهمت موجة الثورات والتحولات العربية وما تلاها من استقطاب سياسي في ابراز الوجه القبيح للإعلام ومدي مساهمته في تفاقم ظاهرة التطرف بعدما تحولت العديد من المنابر الاعلامية الي منابر لنشر خطابات الكراهية والتحريض. والإعلام في هذه المرحلة لعب دورا رئيسيا في نشر أفكار متطرفة، بعدما أصبحت ساحة التنظير والتخمين متاحة للجميع دون توجيه وتنوير حقيقي، وغاب عن الإعلام دوره المركزي في نشر الخبر بموضوعية وتحليله بموضوعية أيضا واستقطاب عقول وتطلعات الشباب، الذين هم وقود البناء والتغيير، باعتبارهم العنصر المستهدف في الإغواء والتضليل والتطرف، في حال تركوا دون اهتمام وتوجيه يتواءم مع قواعدهم الفكرية مع مراعاة ميولهم واتجاهاتهم الشبابية.

نجحت الجماعات المتشددة والإرهابية، وبالتحديد داعش، في استقطاب اولئك الشباب المربك بسبب مختلف التغيرات التي عايشها، مستغلة في ذلك الطفرة التكنولوجية والحرب الاعلامية المنظمة والذكية التي تستخدمها والتي تعتمد علي التطبيقات الإلكترونية في الهواتف الذكية، وعلي وسائل الاعلام الحديثة والمواقع الاجتماعية التي يستطيعون من خلالها بناء حملات اعلامية ضخمة لا تدفع فيها جنيها واحدا، في الوقت الذي تقوم فيه وسائل إعلامنا التقليدية بالتعامل مع التنظيمات الإرهابية بشكل دعائي وترويجي، والهدف يكون جذب أكبر عدد من الجمهور، ولو كانت المادة دموية وتساهم في الدعاية للإرهاب، مما يسقط الإعلام هنا في جريمة دعم الإرهاب، وإن كان بطريقة غير مباشرة، وهي الجريمة التي لا يعاقب عليها القانون ولكن تبقي جريمة اخلاقية يجب الانتباه لها.

الصورة قاتمة، والإعلام مطالب اكثر من أي وقت مضي بالكف عن إقحام نفسه في الصراعات السياسية، وأن يخرج من لعبة التجاذبات والاستقطابات التي لا يخسر فيها فقط مهنيته، بل يكون سببا في تفشي ظواهر باتت تشكل عبئا علي الاوطان. كما هي مطالبة بعض المؤسسات الإعلامية العربية بالتخلي عن خطاب العنف والكراهية والتحريض في الخطاب الإعلامي الذي ينقل أو يحلل ويعالج قضايا التطرف والإرهاب.

الحرب أصبحت حربا اعلامية منظمة، وان لم يكن الاعلام العربي عند مستواها، او استمر في إنتاج مواد تؤججها، سنجد أنفسنا أمام واقع اشد ظلما لأبنائه وأكثر ظلاما علي الأوطان، إن لم نستطع بمساهمة الإعلام المسئول والنزيه، مع باقي مؤسسات الدولة المعنية، التماسك ضد اي فكر متطرف أو إرهاب بتنا جميعا علي بعد نصف خطوة منه.

وفاء صندي: كاتبة من المغرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.