تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مساحات هدوء وسط سعار الإعلام المصريّ

مصدر الصورة
السفير

بين الفضائح المتتالية لبرامج تامر أمين وأحمد موسى وتوفيق عكاشة وريهام سعيد ومنى عراقي، تحوّل الإعلام المصري خلال السنتين الماضيتين إلى «مضرب مثل» بانعدام المعنيّة. آخر تلك الفضائح فجّرتها سعيد الأسبوع الماضي، بعرض صور شخصيّة لضحيّة تحرّش، بهدف التشهير بها، ما أدّى إلى حملة ضدّها، تبعها وقف قناة «النهار» لعرض البرنامج. ولكن، في ظلّ سطوة نفس الإثارة وانعدام المهنيّة على جزء كبير من برامج الـ «توك شو» المصريّة، يبقى هناك نماذج تشذّ عن قاعدة الابتذال.

منى الشاذلي تحاور الجميع

قبل يومين، قدّمت منى الشاذلي حلقة خاصة عن الإدمان، ضمن برنامجها «معكم منى الشاذلي» على قناة «سي بي سي». استضافت مدمنين متعافين، طرحت عليهم أسئلة مهنية وإنسانية، بحضور أطباء واختصاصيين. لم تحاكم ضيوفها، ولم تنصب لهم المشانق مثلما اعتاد أن يفعل زملاء لها، في برامج أخرى. يعدّ برنامج الشاذلي أحد البرامج التي تتميّز بالمهنيّة على الشاشة المصريّة، ويقدّم نموذجاً بديلاً يؤكّد أن ليس كل إعلامي/ة مصري/ة نسخة من ريهام سعيد أو توفيق عكاشة.

يعدّ برنامج «معكم منى الشاذلي» ست صحافيين شباب، بالإضافة إلى باحث متخصص في جمع المعلومات والتحقق منها، وذلك أمر غير شائع في أغلب برامج الـ»توك شو» المصرية. اختار البرنامج منذ انطلاقته خطّاً مختلفاً عن السائد، فلم يشارك في حفلات تخوين المختلفين سياسياً مع النظام الحالي، بل أعطى لهم فرصة التعبير عن أنفسهم، ومنهم الممثل خالد أبو النجا الذي اتهمته برامج أخرى بالخيانة والعمالة، بسبب مواقفه السياسية المعارضة.

صورة ليليان داوود الكاملة

لا يحقِّق برنامج «الصورة الكاملة» الذي تقدمه ليليان داوود على شاشة «أون تي في» نسب مشاهدة عالية كتلك التي يحققها برنامج «على مسؤوليتي» من تقديم أحمد موسى على سبيل المثال. لكن «الصورة الكاملة» يتفوّق من حيث المهنيّة، إذ تحاول داوود أن تنقل صورة كاملة لكل ما يحدث في مصر، من دون اتخاذ مواقف مسبقة. لا يخفي البرنامج انحيازه لقيم «ثورة يناير»، وتعرض بسبب ذلك لأزمات عدّة، أبرزها حملة أنصار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عبر وسم «ليليان لازم ترحل» على «تويتر» (راجع «السفير» عدد 25/2/2015).

ناقشت داوود في برنامجها قضايا مهمة حول الفساد في مصر، وحققت في مافيا تجارة القمح، وواقع صناعة السكر والفساد المحيط بها، واستضافت حديثاً المعارض المصري عبد الحليم قنديل، وزميلتها ريم ماجد المبتعدة عن الشاشة. ويتكون فريق البرنامج من معدَّيْن إضافة إلى مدير تحرير وست مراسلين.

بعيداً عن الفضائح

لا يمكن وضع شريف عامر مقدم برنامج «يحدث في مصر» على «أم بي سي مصر» في ذات السلّة مع بعض الإعلاميين المصريين المطبّلين والمثيرين للفضائح. فعامر آتٍ من خلفيّة مهنيّة متماسكة، إذ بدأ العمل في التلفزيون المصري عبر قناتي «النيل الدولية» و «النيل للأخبار»، واللتين كانتا من أبرز القنوات من حيث المستوى المهنيّ، قبل تراجع مستوى «ماسبيرو». يمتلك عامر خبرة مهمة في استوديوهات قناة «الحرة» حيث قدم برنامج «ساعة حرة» لسنوات عدة، عمل بعدها في قناة «الحياة» مقدِّماً لبرنامجها الأبرز «الحياة اليوم» قبل أن ينتقل إلى «أم بي سي مصر».

لا يمكن اعتبار «يحدث في مصر» برنامجاً معارضاً للسلطة الحالية، ولكن لا يمكن اعتباره أيضاً برنامجاً مؤيّداً للسلطة بطريقة فجّة كأغلب برامج الـ «توك شو» المصرية. يناقش البرنامج قضايا مهمة، وبعكس مذيعين مصريين كثر، لم ينتهك عامر في حلقاته مواثيق الشرف الإعلامي، ولم يحوّل برنامجه إلى استعراض أسبوعي للفضائح.

«تيك توك» يحميك على الإنترنت

لا يتحدّث محمد الجندي مقدّم برنامج «تيك توك» على «القاهرة والناس» عن المجلس الأعلى لقيادة العالم كالمذيع تامر أمين. الجندي القادم من خلفية تقنية غير مهووس نظرية المؤامرة، رغم أنّ برنامجه يكشف خبايا عالم التجسس عبر برامج وتطبيقات الكومبيوتر والهاتف. يحاول البرنامج أن يحذِّر مشاهديه من الإبحار على الإنترنت من دون تعلم العوم، إن صح التعبير، محاولاً نشر ثقافة «احمي نفسك» رقمياً.

يتميّز البرنامج بمهنيّة شديدة في عرض مصادر المعلومات، ويستند إلى دراسات عالمية، تكشف خبايا عالم الإنترنت. كما يحقق البرنامج في الأهداف الحقيقية للعديد من التطبيقات والألعاب المتوفرة مجاناً والتي تتجسس على بيانات المستخدمين. تناول الجندي في برنامجه مواضع مهمة منها كيف تحمي طفلك على الإنترنت، وكواليس صناعة الفيروسات والابتزاز الجنسي، وكيفية التقليل من إدمان «فايسبوك».

«صوت القاهرة» الهادئ

يشبه برنامج أحمد المسلماني «صوت القاهرة» في فكرته المقال الصحافي. فالبرنامج الذي تعرضه قناة «الحياة»، لا يخلو من رأي المسلماني الشخصي، ولكن بحرفية شديدة، وبصوت هادئ. مثلاً، ينتقد قطر نقداً لاذعاً من دون أن يصرخ ويشتم. يتميز البرنامج بقدرة مقدمه على عرض مجموعة كبيرة من المعلومات الموثَّقة، إذ أنّه يمتلك خبرة كباحث في «مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة». وبعكس مقدمي برامج مصريين كثر، يمتلك المسلماني ثقافة غنيّة، وفهماً واسعاً لعالم السياسة. فللرجل أكثر من عشر كتب على قائمة الأكثر مبيعاً في المكتبات المصرية، ويدير صالوناً ثقافياً. لا يخفي المسلماني تحيّزه للجيش المصري، لكنه لا يفعل ذلك بفجاجة.

ما سبق نماذج عن إعلاميين يحاولون تقديم محتوى مختلف عن الفوضى الإعلاميّة المنتشرة على القنوات المصريّة. ولكن، بالتأكيد، فإنّ صوت من ينتهكون كلّ المواثيق والأصول المهنيّة أقوى، إذ تحوّلوا إلى علامة مسجلّة تسم الإعلام المصري بمجمله. وكما قال الأديب والطبيب المصري أحمد خالد توفيق: «من المؤسف أننا محاطون بأشخاص لا يملكون أي موهبة إلا صوتهم العالي».

مصطفى فتحي

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.