كسرت الأجواء الكرنفالية السائدة في فعاليات معرض دمشق الدولي وما تحمله من دلالات ثقافية وسياحية، حالة الجمود المرتبطة بالاقتصاد كعلم مبني على النظريات، وكنشاط أسّه المصلحة وقوامه الحسابات والأرقام، وأمبلاجه بيانات ومؤشرات تعكس مدى أدائه الفعلي.
وزاد من تخفيف حدة حالة الجمود هذه البعد الاجتماعي الذي حظيت به ساحات وحدائق مدينة المعارض، المعبّر بشكل أو بآخر عن عادات السوريين وما يجمعها من ألفة أضفت رونقاً خاصاً على هذا الحدث.
لقد أفضى تداخل الأنشطة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، إلى بيئة مناسبة لتلاقي رجال المال والأعمال مؤطرة بنسمات ودية ساهمت بتوليف موجات استشعار الفرص الاستثمارية لدى كل طرف نحو الطرف الآخر، في مشهد ينبئ بتصويب مسارات التعاون المستمر وترسيخ أركانه في العلاقات الثنائية بين سورية ورجال أعمالها من جهة، والدول المشاركة ورجال أعمالها من جهة ثانية.
كان لافتاً أيضاً وجود الأطفال واليافعين وتركيزهم على المعروضات وطريقة عرضها، ما لفت أنظارهم عن حدائق اللعب واللهو الطفولي، ووجهها نحو أشكال المنتجات كالآلات الثقيلة مثلاً ومجسمات مضخات النفط، لتتزاحم الأسئلة على ألسنتهم حول بعض التفاصيل التي أثارت الفضول لديهم، وأعطت رسالة بأن المعرض محطة مهمة لأجيالنا المستقبلية لجهة التعرف على إمكانيات بلدنا ومواردها، ولجهة التحريض على استنهاض قدرات هذه الأجيال.
ولا ننسى كذلك ما عكسه المعرض من بعد حضاري وتاريخي لسورية تجلى في منشورات وبروشورات المعرض الإعلانية، والذي اتخذ من نصب سيف بني أمية في ساحة الأمويين شعاراً لهذه الدورة، إذ طالما تساءلت بعض الوفود المشاركة عن ماهية هذا الشعار وما يرمز إليه، ليضطر المجيب عندها لإعطاء لمحة تاريخية تمهّد لتوضيح المأرب من السؤال.
إذاً.. لم يكن معرض دمشق الدولي مجرد حدث عابر تنقضي آثاره مع إطفاء أنوار آخر ساعاته، بل إن آثاره تبقى حاضرة على الأقل مع من تفاعل معه سواء من خلال الاتفاقيات التجارية المتمخضة عن نشاط قطاع الأعمال، أم من خلال زيارته والاطلاع على ما جادت به هذه الدورة من مخرجات اقتصادية وغيرها.
ختاماً نعتقد أن تكرار مقولة “ما قبل المعرض ليس كما بعده” على ألسنة المفاصل التنفيذية ورجال الأعمال والإعلام، يصبّ في منحى جملة من متغيرات قد تطرأ على المرحلة القادمة نتيجة ما أشرنا إليه من استمرار لآثار هذا الحدث.
حسن النابلسي
