تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هـل لروسيا والصين دور في التطورات العالمية..؟!!

مصدر الصورة
محطة أخبار سورية

 

لم يعد أحد من الخبراء والمحللين يناقش ما إذا كانت الأحادية القطبية الأمريكية ما تزال تهيمن على العلاقات الدولية أم لا؛ فالجميع بات يدرك أنّ تلك المرحلة في طور نهايتها، وأنّ العلاقات الدولية تتجه نحو نظام متعدد الأقطاب. السؤال أصبح عن شكل هذا النظام الجديد ومن هي القوى الفاعلة المؤثرة التي تساهم في تشكيله. قبل البدء بالبحث في التفاصيل، لا بد من العودة إلى المرحلة السابقة، لأن تطورات المستقبل تتأثر بشكل أو بآخر بما حدث في العقود الثلاث الماضية، وإن يكن من الصعب تقديم قراءات دقيقة وتحليلات شافية بسبب سرعة الأحداث والتغيرات الدولية؛

فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومعه حلف "وارسو"، بدا أنّ الحرب الباردة التي طبعت المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية وحتى بداية التسعينات من القرن الماضي قد انتهت بفوز الولايات المتحدة وتوسع هيمنتها العالمية، وفعلاً، هي حاولت في العقدين التاليين لنهاية الحرب الباردة، تطويع العالم وإخضاعه وفق سياستها ومصالحها.

الولايات المتحدة تعتمد في سياساتها الخارجية نهجاً يقوم على النظرية الإمبريالية (Imperialism)، حيث تسعى لتوسيع سلطتها وتأثيرها عبر الاستعمار العسكري والثقافي والسياسي، واستخدام القوة العسكرية، لتحقيق الهيمنة الاقتصادية والعسكرية والسياسية على الدول الأخرى. وفعلاً شنّت الولايات المتحدة العديد من الحروب خلال العقدين التاليين لنهاية الحرب الباردة حتى لقّبت بشرطي العالم. لكنّ الإمبراطورية الأمريكية اكتشفت سريعاً أن تلك الحروب لم تكن تفيد في استمرار الهيمنة الأمريكية، فتحوّلت إلى شكل آخر من أشكال العمل الاستعماري، وهو تجنّب العمل العسكري المباشر واستخدام القوة العسكرية التي أثبتت فشلها وكلفتها الباهظة، إلى سياسة العقوبات الاقتصادية وسياسة الحصار والقوة الناعمة ضدّ كل دولة أو طرف لا يتماشى مع ما تريد.

في الأثناء، كان تفكك حلف "وارسو" وانهيار الجبهة الشرقية وغياب التهديد الشيوعي المفترض، قد ترك تأثيراً سلبياً على التكتل الغربي وتماسك حلف "الناتو" نفسه. وقد ظهر ذلك جلياً في العقد الأخير، ولكنه ترسخ بشكل أوضح مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؛ فالخلافات الغربية وتناقض المصالح بين دول الحلف لم يعد أمراً طارئاً، وبروز السياسات الوطنية بين دول الاتحاد الأوروبي وطغيانها على السياسات القومية الجامعة، وتطبيق فكرة "أمريكا أولاً"؛ كل ذلك يُبيّن أنّ الغرب في طور التراجع والانكفاء حتى لا نقول الانهيار، بسبب عوامل تفجير ذاتية وأخرى خارجية.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين روسيا والصين والقوى العالمية الأخرى من كل ما يجري؟! كنا أشرنا في مقالات سابقة إلى أنّ دولاً مثل روسيا والصين كانت ــ في الحقبة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة ــ تعيد بناء قواها الذاتية في المجالات المختلفة؛ العسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والاجتماعية... الخ. تعلمت القوى الصاعدة من أخطاء الغرب واستفادت منها. وبعد أن عادت موسكو بقوتها العسكرية الفائقة التطور، وتقدمت بكين باقتصادها القوي وتجارتها الكبيرة، بدا أنّ البلدين قد أصبحا في مواجهة غير مقصودة/ حتمية مع الغرب الاستعماري الذي لا يحتمل وجود منافس آخر له على الحلبة الدولية؛ في حقبة الحرب الباردة، استفاد الغرب من الخلاف بين البلدين الشيوعيين، لكن موسكو وبكين أدركتا خطورة الأمر وهما الآن تنسقان وتتعاونان لخدمة مصالحهما  الذاتية، وتعملان معاً لمواجهة ذلك الغرب المتغطرس.

ولعل الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على سورية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتلك الحرب الاقتصادية التي بدأت شنّها على فنزويلا البوليفارية، وموقف روسيا والصين منهما وتعاون البلدين وتنسيقهما لدعم سورية وفنزويلا اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، ولاسيما في مجلس الأمن الدولي لمواجهة الحروب الغربية التي تقودها واشنطن، خير مثال على النقلة النوعية في العلاقات الدولية نحو تحقيق نوع من التوازن والتعددية القطبية.

وفي هذا السياق، فإنّ القوة العسكرية الروسية والمنظومات الصاروخية "الفرط صوتية" التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين قبل أسبوعين، أنهت بوضوح "وهم" التفوق الأمريكي، فيما المشاريع الاقتصادية وعلاقات الشراكة مع البلدان الأخرى، والمساعدات التي تقدمها الصين للعديد من الدول في آسيا وإفريقيا وحتى أوروبا بدأت تسحب البساط من تحت الأمريكان وتهدد وجودهم المديد على عرش الاقتصاد العالمي.

ولذلك فإننا شهدنا منذ أشهر، حرباً تجارية ضارية بدأتها الولايات المتحدة ضد المنافسة التجارية الصينية الكبيرة لها، لكن مخاطر هذه الحرب وحتمية انعكاس تأثيرها السلبي على الاقتصاد الأمريكي دفعت ساكن البيت الأبيض للتراجع والتخفيف منها. في المقابل، فلا يمكن لأي محلل أو متابع أن يغفل التوجه الدولي الواسع للتخلي عن التعامل بالدولار الأمريكي والاستعاضة عنه بالعملات الوطنية أو بأي وسائل أخرى ممكنة. مثل هذا التوجه تقوده دول عديدة تعاني من الحصار الأمريكي والعقوبات والسياسات الأمريكية، في مقدمتها إيران والصين وروسيا وحتى تركيا الأطلسية.

وفي الغرب أيضاً، ينتشر الكثير من الأدب الذي يتحدث عن دور روسياــ بوتين في تنمية النزعات الشعبوية والتيارات الوطنية، وحتى التدخل والتأثير في الانتخابات التي تجري في الغرب، وأهمها تلك التي قادت ترامب إلى البيت الأبيض. وبغض النظر عن مدى صدقية مثل هذه الروايات أو الأخبار، فإن مجرّد تسريبها ونشرها، والإقرار بها في بلد "يُفترضُ"، أو يدّعي أنه قائد وحامي الديمقراطية في العالم، فإن ذلك يؤشّر إلى أمرين مهمّين؛ القوة التي غدت روسيا تتمتع بها، والضعف الذي بدأت تعاني منه الولايات المتحدة... ناهيك عن دول مثل فرنسا العامرة بالمظاهرات الأسبوعية، وبريطانيا التائهة على الضفاف الأطلسية بين الشراكة الأوروبية أو اللحاق بالولايات المتحدة.

وقد بدأت روسيا والصين تلهم دولاً أخرى للتمرد على هيمنة الولايات المتحدة. الدعم المشترك من قبل البلدين للدولة السورية، والذي تجلت ذروته في الاستخدام الثنائي المتكرر لحق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي ضد الهجوم الغربي الأمريكي، أعطى مثالاً لما يمكن أن تكون عليه العلاقات الدولية، وقبل ذلك، قدّم النموذج لدول كثيرة تتعرض للضغوط الغربية وقد وجدت من جديد مَن يناصرها في صمودها، كما تفعل فنزويلا بقيادة الرئيس نيكولاس مادورو.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.