تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هل العالم على شفا حرب كونية ثالثة؟!

محمد عبد الصادق

باتريك كالفار رئيس جهاز الأمن الداخلي في فرنسا تحدث صراحة أمام البرلمان الفرنسي عن مخاوفه من نشوب حرب أهلية في فرنسا, ربما تنتقل لتشمل دولا أوروبية مجاورة، بين الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تسيطر على الضواحي الفرنسية ولها فروع في بلجيكا وهولندا والسويد، والجماعات اليمينية المتطرفة التي تصاعدت قوتها في أوروبا مؤخرا مع وصول الأحزاب الشعبوية للسلطة، وألمح كالفار إلى جهود خفية بذلت لمساعدة الرئيس ماكرون في الفوز بكرسي الرئاسة والحؤول دون وصول اليمينية المتطرفة ماري لوبان إلى الإليزيه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة.

ويرى كالفار أن الفرنسيين المتطرفين العائدين من مناطق القتال في سوريا والعراق بعد سقوط “داعش” والذين حصلوا على قدر كبير من التدريب والخبرة القتالية، سيكونون “برميل البارود” الذي يعجل باشتعال هذه الحرب، بعد أن أعلن قادة داعش نقل الحرب إلى أوروبا.

وعلى الطرف الآخر تنظم الجماعات اليمينية المتطرفة صفوفها على الطريقة الداعشية باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في الاتصال والتجنيد ونشر فيديوهات القتل المروعة, وإنشاء خلايا وأذرع لها في جميع أنحاء العالم.

الحادث البشع الذي صحونا عليه قبل صلاة الجمعة الفائتة في نيوزيلندا أحد فصول هذه الحرب الكونية القادمة، عندما قام الإرهابي الأسترالي بفتح نيران أسلحته الأوتوماتيكية على المصلين داخل المسجدين في نيوزيلندا فقتل 50 مصليا من جنسيات إسلامية وعربية متعددة.

اختار القاتل نيوزيلندا .. هذه الجزيرة الهادئة التي نعرف بالكاد أنها تقع بالقرب من أستراليا، وأنها من أكبر منتجي الأبقار والألبان في العالم، ولم تعرف حوادث من هذا النوع من قبل؛ حيث يحظى المسلمون الذي لا يزيد عددهم عن 45 ألفا بالرعاية وحسن المعاملة، ويسمح لهم ببناء المساجد وممارسة شعائرهم بحرية كاملة.

الإرهابي القاتل ظل عامين يخطط لجريمته، وحدد المسجدين المستهدفين في الهجوم منذ ثلاثة أشهر وارتدى الزي العسكري لجماعات اليمين المتطرف المنتشرة في أوروبا وأميركا الشمالية، وكتب حيثيات ارتكابه المذبحة البشعة ونشرها في 74 صفحة على صفحته على الفيس بوك، كما أرسل نسخة منها عبر البريد الإلكتروني لرئيسة الوزراء و30 جهة رسمية أخرى قبل ارتكابه الحادث بعشر دقائق.

ورغم نفي القاتل وجود مساعدين له في ارتكاب الجريمة أو انضمامه لتنظيم إلا أن كل الدلائل تشير إلى استحالة ارتكابه جريمة بهذا الحجم دون وجود دعم مادي ولوجستي ومعنوي من جهة ما، حتى يستطيع بث جريمته على الهواء مباشرة على الطريقة الداعشية بعدما ثبت كاميرا بخوذته متصلة بالبث المباشر لمدة 17 دقيقة على الفيس بوك، واستخدم ثلاث بنادق آلية وعشرات الخزن المملوءة بعدد مهول من طلقات الرصاص.

كما أن حالة الثبات الانفعالي التي تحلى بها الإرهابي ـ الذي وصفته صحيفة النيوزويك الأميركية بالوحش ـ صبيحة يوم ارتكابه الجريمة ووقوفه مبتسما هادئا أمام المحكمة وتأكيد مسؤوليته عن الحادث، وأنه كان ينوي مواصلة قتل المسلمين وتفجير المسجدين لولا وصول الشرطة والقبض عليه، يؤكد وجود تنظيم يستمد منه عقيدته الدموية.

لم تتردد رئيسة وزراء نيوزيلندا المنتمية لحزب العمال الاشتراكي في إلصاق صفة الإرهابي بالجاني، وطلبت من قادة الدول الغربية إعلان تعاطفهم ومساندتهم للجاليات الإسلامية وحماية مساجدهم، وظهرت بملابس الحداد السوداء متوشحة غطاء للرأس وسط الجالية الإسلامية وهي تعزيهم في تأثر شديد وتعلن أسفها وإدانتها للحادث، ومساندتها لأسر الضحايا والمصابين، وتعهدها بحماية المسلمين ودور العبادة الخاصة بهم.

معظم قادة الغرب أعربوا عن صدمتهم من بشاعة ما جرى ضد المصلين المسلمين في نيوزيلندا، رغم أن الحادث ليس الأول الذي يرتكبه متطرفون بيض ضد الأقليات والجاليات الإسلامية؛ فحوادث العنف والكراهية تكررت في أوروبا خلال العقد الأخير، بدأها النرويجي أنديرس بيهرينج بريفيك اليميني المتطرف في العام 2011م عندما قتل 77 من الأطفال والشباب المتواجدين في معسكر صيفي تابع للحزب الاشتراكي الذي كان يتولى الحكم في النرويج في ذلك الوقت، لأن الحزب فتح الباب أمام المهاجرين للقدوم إلى النرويج للإقامة والعمل في بلد يعاني من تراجع أعداد السكان، ويمتلك موارد طبيعية ويحقق نسب نمو اقتصادي عالية.

وفي العامين الأخيرين تعددت جرائم الكراهية والاعتداء على المساجد والمراكز الإسلامية في الغرب، ففي يناير 2017م، قام ألكسندر بيسونيت وهو أحد الذين كتب الإرهابي الأسترالي أسماءهم على البنادق المستخدمة في الجريمة، بإطلاق النار على المصلين في مسجد بمدينة كيبيك الكندية واستخدم “الفيس بوك” أيضا للتفاخر بجريمته، قبل أن يسلم نفسه للشرطة ويحكم عليه بالسجن المؤبد، كما كتب السفاح الأسترالي اسم الإيطالي لوكا ترايني الذي سار في شوارع مدينة ماتشيراتا بوسط إيطاليا في فبراير 2018م، وراح يطلق النار بشكل عشوائي تجاه المهاجرين والملونين دون تمييز.

أخشى أن يزيد حادث نيوزيلندا مساحة العنف والكراهية بين المتطرفين في الجانبين الإسلامي والغربي، فقد سارع تنظيم “داعش” باستغلال الحادث بإعلان فتح باب الجهاد للثأر للضحايا المسلمين، ووجدها فرصة لإعادة بناء التنظيم الذي أوشك على السقوط في سوريا والعراق، وعلى الجانب الآخر هناك سياسيون وبرلمانيون يمينيون أبدوا تعاطفهم مع القاتل الأسترالي، وهناك جماعات نازية هددت بشن مزيد من عمليات التطهير العرقي ضد الأقليات والمهاجرين.

ربما تكون الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أوروبا، هي سبب صعود الأحزاب اليمينية ووصولها للحكم في كثير من العواصم الغربية، بعدما روجت في أوساط الناخبين لفكرة أن المهاجرين غزوا الدول الغربية واستولوا على الفرص والوظائف والثروات التي حرم منها الأوروبيون.

كما أن انكفاء أوروبا وأميركا على نفسهما وتشييد الأسوار وطرد المهاجرين ـ وهي الشعارات المرفوعة الآن ـ لن تحمي الغرب من خطر الإرهاب، والأجدى البحث عن حلول لوقف الحروب والنزاعات ومساعدة الدول المصدرة للمهاجرين في إحداث تنمية اقتصادية، للقضاء على الفقر الذي يدفع المهاجرين لترك أوطانهم والبحث عن مكان آمن يجدون فيه فرصة عمل ومستوى معيشيا أفضل.

مصدر الخبر
الوطن العمانية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.