تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الخروج البريطاني بين القانون والسياسة

د. ناصر زيدان

كان من المتوقع أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 29 آذار/‏ مارس 2019، لكن البرلمان البريطاني (مجلس العموم) صوَّت على تأجيل هذا الخروج الى نهاية يونيو/‏ حزيران القادم، بعد مفاوضات شاقة أجرتها رئيسة الوزراء تيريزا ماي، مع رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك، ومع مجلس الاتحاد في بروكسل، لأن بعض التشريعات التي تتعلّق بالجمارك، وبالأسواق التجارية وبمعايير بعض السلع الغذائية، لا بد من إقرارها، أو توليفها قبل عملية الخروج، وقد تكون العقدة البريطانية في هذا السياق أشد صعوبة من مسار العمل في أروقة الاتحاد الأوروبي.

والترابط بين القانوني والسياسي في عملية «البريكست» قائم منذ ما قبل الاستفتاء التي حصل على اقتراح الخروج في بريطانيا بتاريخ 23/‏6/‏2016، وقد برزت صعوبات قانونية منذ ذلك التاريخ، بينما كانت العوامل السياسية أساسية في دفع الناخبين باتجاه التصويت ضد البقاء في الاتحاد، وبالتالي حصول المؤيدين للخروج على ما يزيد على51,89% من أصوات المقترعين، وهذه العوامل السياسية ما زالت قائمة حتى اليوم، والجدال السياسي ما زال بين مؤيدي تأجيل الخروج، والمُستعجلين عليه، كما بين المؤيدين لإعادة الاستفتاء على هذا الخروج مرة ثانية، وبين المعارضين لهذا الاقتراح.

في العوامل السياسية تتداخل مجموعة من المقاربات، منها ما يتعلَّق بالروح القومية العالية التي ما زالت متأصلة عند عدد كبير من البريطانيين، وهي تستند الى عظمة تاريخية متميزة، وهدف هؤلاء الحفاظ عليها، وبالتالي على هذا التمايُز البريطاني الذي قد يذوب رويداً مع الوقت من جراء الاندماج الكلي مع الشعوب الأُوروبية الأُخرى - ودائماً وفق رأي هؤلاء المتشددين قومياً - ومنها ما يتعلّق تحديداً بالعلاقة التاريخية والمُميزة التي تربط بريطانيا مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تأثرت الى حد ما في بعض القيود السياسية والتجارية التي يضعها الاتحاد الأوروبي في علاقات الصداقة التي تربطه مع واشنطن.

وفي القانون؛ فقد برزت صعوبات جمَّة أمام «البريكست»، وقد واجهت رئيسة الوزراء تيريزا ماي، الكثير من المشكلات في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي لتنظيم عملية الخروج. وتنظيم عملية الخروج ليست رفاهاً سياسياً، أو اقتصادياً؛ بل ربما يتوقف عند نجاحها، أو عند فشلها مصير الاقتصاد البريطاني برمته، أو انه قد يُصاب بضياع لا يخرج منه بالسرعة المتوقعة، كما أن الاقتصاد الأوروبي قد يتأثر الى حدود بعيدة من جراء خسارة ثالث أكبر اقتصاد في القارة.

موافقة مجلس العموم على تأجيل الخروج إلى نهاية يونيو/‏ حزيران القادم بأغلبية 412 صوتاً مقابل معارضة 202 صوت؛ كانت معبراً إلزامياً لعملية تنظيم الخروج، لأن الأرضية الحاضنة لعملية الخروج ليست جاهزة حتى الآن لاستيعاب هذه العملية من الناحية القانونية والدبلوماسية، وهي تحتاج لتشريعات تنظيمية كبيرة، خصوصاً في المواضيع النقدية، وفي العمليات التجارية، وفي تنظيم الإقامات وإجازات العمل، وعملية دخول وخروج الأشخاص عبر الحدود، وفي مسائل الضرائب والرسوم الجمركية.

اتفاق رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، تضمن بنداً يتعلَّق ببقاء بريطانيا الى أجل غير محدد ضمن المنطقة الجمركية الواحدة مع الاتحاد الأوروبي، برغم معارضة وزير شؤون الخروج البريطاني ستيف باركلي، الذي لا يؤيد البقاء ضمن الوحدة الجمركية لأمدٍ غير محدد، ويسانده في هذا الموقف عدد من نواب مجلس العموم، ومن هؤلاء مَن يعتبر أن البقاء البريطاني ضمن الوحدة الجمركية مع الاتحاد الأوروبي، يتعارض مع أهداف «البريكست»، وقد يتحول الى بقاء بريطاني مُقنَّع ضمن الاتحاد، خصوصاً في المجال الاقتصادي.

ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية واضحة في توفير ظروف خروج بريطاني سريع من الاتحاد الأوروبي، كما أن واشنطن لا ترتاح لبقاء بريطانيا لوقت طويل ضمن الوحدة الجمركية مع أوروبا، لأن المعايير الأوروبية في بعض السلع الاستهلاكية لا تتطابق مع المعايير الأمريكية، لاسيما في مواصفات الدجاج واللحوم. وقد كان السفير الأمريكي في بريطانيا وودي جونسون، واضحاً عندما استعجل طلب التفاوض مع المسؤولين البريطانيين على توقيع اتفاقية غذاء، تضمن استيراد مواد غذائية بمئات ملايين الدولارات، على اعتبار أن الولايات المتحدة هي أكبر دولة في العالم تستورد مواد غذائية.

أما المعضلة السياسية - القانونية الأخرى التي تواجه عملية «البريكست»؛ فهي الملف الإيرلندي، لأن هذه الأخيرة ستبقى ضمن الاتحاد الأوروبي، وأسواقها مترابطة عضوياً مع الأسواق البريطانية، ما قد يخلق إشكاليات تجارية واسعة تؤثر في عملية الخروج الفعلية، سلباً حيناً، وإيجاباً حيناً آخر.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.