تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

شرخ جديد في العلاقات التركية الأمريكية

مصدر الصورة
وكالات

مصطفى السعيد:

خرجت الخلافات الأمريكية التركية عن حدود التلويح والتهديدات، فقد اقترب موعد خروج القوات الأمريكية من سوريا دون التوصل إلى إتفاق مع تركيا حول تسليم أنقرة الشريط الحدودى مع سوريا، ونزع السلاح الثقيل من قوات سوريا الديمقراطية، فى الوقت الذى طلب فيه الكونجرس تأجيل تسليم تركيا طائرات إف 35 حتى تتخلى تركيا عن شراء منظومة الصواريخ الروسية إس 400، وجاء الرد التركى استفزازيا، واعتبر أن صفقة إس 400 منتهية ولا مجال لمناقشتها، وأن تركيا بصدد الإتفاق على شراء منظومة إس 500 الأكثر تطورا من روسيا. فما كان من الجانب الأمريكى إلا وضع تركيا أمام أحد خيارين، إما طائرات إف 35 أو منظومة الصواريخ الروسية، ولا يمكن الجمع بينهما، وبررت الولايات المتحدة موقفها بأنه لا يمكن لدولة فى حلف الناتو أن تستورد أسلحة من دولة منافسة، وأن الطائرة الأمريكية الأكثر تطورا ستكون تحت أعين ورقابة الخبراء الروس وأنظمة الرادارات المرتبطة بمنظومة الدفاع الجوى الروسية.

الوقت يمر ومعركة عض الأصابع بين الولايات المتحدة وتركيا تدخل مرحلة حرجة، فلا مجال بعد ذلك لرتق العلاقات المهترئة، فانعدام الثقة بين الجانبين وصل إلى حد لا يمكن لأى من الطرفين تحمله، فأردوغان يعتقد أن الولايات المتحدة ضالعة فى محاولة الإنقلاب الفاشلة التى كادت تودى به فى صيف 2016، ولا يمكنه أن ينسى تلك الأيام المرعبة، لكنه مضطر لإخفاء الكراهية العميقة للولايات المتحدة تحت أستار المصلحة، فهو بحاجة إلى تأمين حدوده الجنوبية من قوات كردية يعتبرها الخطر الأكبر على تماسك الدولة التركية، وإذا إستمرت الولايات المتحدة فى دعم مقاتليها البالغ عددهم نحو 35 ألف مقاتل مع عتاد أمريكى متطور وحماية جوية فلن يمكنه الإحتمال، وسيقامر باجتياح شرق الفرات السوري، سواء بموافقة روسية أو بدونها، ويكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد، تأمين الحدود التركية من خطر الأكراد، والسيطرة على جزء حيوى من سوريا غنى بالغاز والبترول والثروة المعدنية، ويأمل فى إعادة توطين النازحين السوريين والتنظيمات الإخوانية المسلحة فى تلك المنطقة الممتدة على طول الحدود السورية التركية، لكن أردوغان يدرك أن هذا الحلم بعيد المنال، فلا الولايات المتحدة راضية، ولا روسيا وإيران وسوريا يمكنهم السكوت على أى توغل تركى فى شرق الفرات، ولهذا لا يمكن لأردوغان سوى ممارسة لعبة إبتزاز الولايات المتحدة، وإثارة غضبها بالإرتماء فى أحضان روسيا، والتلويح بأنه سيمضى فى العلاقة مع روسيا إلى أبعد مدى، حتى لو أدى الأمر إلى خروج تركيا من حلف شمال الأطلنطى “الناتو”، وعندئذ ستفقد الولايات المتحدة ثانى أكبر قوة فى الحلف والأكثر أهمية، لقربها من روسيا والشرق الأوسط، ووجود قاعدة أنجرليك الإستراتيجية التى يصعب تعويضها، لكن الضريبة التى سيدفعها أردوغان بالمضى فى هذا السيناريو باهظة، وسيواجه عقوبات إقتصادية أشد صرامة من تلك التى هوت بالليرة التركية أواخر العام الماضي، والتى لم تكن سوى قرصة أذن صغيرة بالقياس بما يمكن أن يحدث لو تجاوز الخطوط الحمراء فى علاقته بالرئيس الروسى بوتين، وستكون أوروبا شريكة هذه المرة فى العقوبات، والوقت لن يسعف أردوغان فى تدوير زوايا الإقتصاد التركى المعتمد على العلاقة مع أوروبا بدرجة كبيرة لا يمكن للصين وروسيا أن تعوضاه عنها.

يمكن لأردوغان أن يحتمل إلغاء صفقة الطائرات الأمريكية إف 35، وهو يلوح بورقة شراء الطائرة الروسية المنافسة سو 57، لكنه أمسك بورقة جديدة وهى إعتراض مسار أنبوب الغاز الإسرائيلى إلى أوروبا، والذى أعلنت دول الإتحاد الأوروبى أن تساهم بنحو 11 مليار يورو لإنشائه، لأنه سيخفف ولو قليلا من حجم الإعتماد الأوروبى على الغاز الروسي، وعندما إلتقى رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو مع شركائه القبارصة واليونانيين فى المشروع، أعلن أردوغان أن تركيا لابد أن تكون شريكا هى الأخرى فى غاز شرق المتوسط، ومعه الشطر الذى يسيطر عليه من قبرص ليزيد أردوغان من إرباك المشهد، والذى يضعه فى مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبى ويقربه أكثر فأكثر من روسيا.

ورغم أن أردوغان يجيد القفز بين الحبال، وكلما تعقدت الطرق وتشابكت الخطوط وتضاربت المصالح يجد الفرصة مواتية ليمسك بأطراف الحبال المختلفة، لكن وقت اللعب ليس مفتوحا، وهناك استحقاقات حان وقتها، والصبر على تقلبات أردوغان له حدود، والوقت ينفد بسرعه، واقترب موعد إغلاق الستار على ملف شرق الفرات، فتنظيم داعش خسر آخر معاقله، والجنود الأمريكيون جمعوا أمتعتهم، وتهيأوا للمغادرة، والجيش السورى وحلفاؤه تأهبوا للمعركة الأخيرة، واستقبلت دمشق رؤساء أركان جيوش العراق وإيران، لينسقوا خطواتهم العسكرية، ومن بعدهم جاء وزير الدفاع الروسي ليطلع على الخرائط، لكن الأتراك لم يظهروا إلى جانب أي من الطرفين.

مصدر الخبر
الأهرام

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.