تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الغرب الرأسمالي يتشظى لمصلحة التعددية القطبية..؟!!

مصدر الصورة
وكالات

وقعت إيطاليا والصين، قبل أيام، مذكرة تفاهم بين البلدين بشأن المشروع الاقتصادي الصيني الكبير المعروف تحت اسم "مبادرة الحزام والطريق"، وأصبحت إيطاليا أول دولة من مجموعة "G7" تنضم إلى هذه الـ"مبادرة". أكثر من ذلك، فإلى جانب مذكرة التفاهم، وقعت شركات إيطالية وصينية، مجموعة من اتفاقات التعاون، شملت عقوداً في مجالات الطاقة والفولاذ وأنابيب الغاز، قد تصل قيمتها الإجمالية إلى 20 مليار يورو، حسب التسريبات. بالطبع، أثار هذا التوقيع موجة غضب داخل أوروبا والولايات المتحدة اللتان حذّرتا إيطاليا من الانضمام إلى المبادرة الصينية قبيل زيارة الرئيس الصيني إلى روما. لكن الإيطاليين واجهوا الانتقادات الغربية ودافعوا عن الصفقة وتجاهلوا تحذيرات الحلفاء..؟!!

          لم يعد سراً أنّ الدول الغربية ذهبت بعيداً و بدأت بانتهاج سياسات خارجية وطنية مستقلة تخدم مصالحها الخاصة بغض النظر عن مصالح الشركاء الآخرين، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو في حلف الناتو؛ ولم يعد سراً أيضاً أن مصالح هذه الدول لم تعد متطابقة كما كانت تبدو في السابق؛ أوروبا تريد أن تتحرر من الهيمنة الأمريكية واتباع نهج أكثر توازناً كما يروج لذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الألمانية أنجيلا ميركل؛ يساعدهما في هذا المجال الوضع القلق وغير المستقر لبريطانيا في الاتحاد الأوروبي؛ هل تريد إتمام إجراءات الطلاق أم التراجع عن ذلك؟ في الحالتين، هي أصبحت أقلّ تأثيراً عما كانت عليه قبل التصويت على "البريكست"، وبالتالي يقود ذلك إلى تراجع الأنكلوساكسونية؛ الوضع البريطاني هو بحدِّ ذاته مؤشر كبير للوضع المتردي داخل المنظومة الأوروبية والخلافات المتزايدة بين دوله ورغبة البعض بالنزول من القارب المتأرجح قبل تحطمه؛

          أكثر من ذلك، فإنّ الحركات اليمينية الشعبوية تتزايد وهي تعطي مؤشراً على تزايد الرفض الشعبي للبقاء داخل الاتحاد بصيغته الحالية التي لا ترضي هؤلاء الرافضين له؛ الشعبويون لم يتسلموا زمام القيادة بعد، لكنّ حضورهم يتزايد وتأثيرهم أيضاً. هذا التمرّد ضد الهجرة وضد الآخر، وضد توسع الاتحاد الأوروبي... الخ، هو ردّ عملي وطبيعي لفشل سياسات الاتحاد السياسية والاقتصادية في السنوات السابقة، والتي أصبح من المتعذر إصلاحها، ومن المتعذر أكثر إعادة الثقة بمؤسسات الاتحاد والإيمان بقيمه ومستقبله.

الاقتصاد والمشاريع الصينية تغزو أوروبا، رغم الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. هذا ليس أمراً قليلاً؛ الصين تقدّم نموذجاً جديداً في العلاقات الدولية، قائم على التعاون والتكامل والمصالح المتبادلة، وليس على العقوبات والهيمنة كما تفعل منافستها الولايات المتحدة. الرئيس الصيني استبق زيارته لباريس بمقال في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية عنوانه: التحرك معاً نحو التنمية المشتركة، أكّد فيه وجود آفاق مشرقة للعلاقات الثنائية بين البلدين. لكنّ أوروبا متوترة ومربكة وخائفة وتطرح تساؤلات حول علاقتها مع دولة الصين واقتصادها الكبير، والتي تتقدم بثبات نحو صدارة الاقتصاد العالمي؛ التّشتّت والقلق الأوروبي عكسه تصريح ماكرون، أنه «لسنوات كان لدينا نهج مبعثر، والصين ستلعب على انقساماتنا».

وبالفعل، يلاحظ المراقبون أن الاتحاد الأوروبي قد لا ينجح في تشكيل جبهة موحدة ضد الصين، فيما كان واضحا أن اتفاقات الزعيم الصيني في إيطاليا التي يقودها اليمين المتطرف تمثل تصدعاً داخل الجدار الأوروبي أمام الصين، ناهيك عن أن عدداً من دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد سبق أن تقربت منفردة من الصين في إطار مشروعها العملاق "طريق الحرير"؛

تعزيز علاقات العديد من الدول الغربية مع الصين و روسيا يأتي على حساب العلاقات بين دول الأطلسي نفسها؛ قبل أيام، اعتبر وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارته في حديث صحفي أنّ موقف دول أوروبا الغربية من مشروع "السيل الشمالي2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا يعتبر مثالا على ازدواجية المعايير لديها: "لدى دول أوروبا الغربية علاقات أوثق مع روسيا. وهي تعقد صفقات ضخمة بقيمة مئات الملايين من اليوروات. أنا لا أعارض ذلك، لكنني ضد المعايير المزدوجة، وهذه الدول تزاول الأعمال على نطاق واسع مع روسيا بعيداً عن الأنظار، فيما تنتقدها بشدة علنياً".

ولا يجانب تصريح سيارته الحقيقة، لاسيما بعدما تبعت فرنسا الخطوات الإيطالية ووقعت مع الصين خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى باريس، 15 اتفاقية تجارية بقيمة إجمالية بلغت 40 مليار يورو، بينها صفقة ضخمة لشراء بكين 300 طائرة "إيرباص"، فيما لا يزال الرئيس الفرنسي يتحدث عن مواجهة الصين بموقف أوروبي موحد أو ينتقد إيطاليا بسبب الاتفاقيات التي وقعتها مع الصين..!!

وفي سياق التأكيد على الهوة المتزايدة بيت ضفتي الأطلسي، رأى موقع Zero Hedge الالكتروني التحليلي أن خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي2" هو آخر عتبة لتأثير الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للعالم القديم. وهذه العتبة ستسقط قريباً جداً، عندما يتدفق الغاز الروسي إلى ألمانيا؟! هل يعتبر خط الأنابيب دفاعاً ناجحاً عن استقلال القارة المستعاد حديثاً، وأنه على واشنطن القبول بفقدان السيطرة على الأحداث التي تقع على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وأنّ روسيا تمكنت من دُق إسفين بين اثنين من منافسيها الغربيين؟! الجواب ليس من الصعب التنبؤ به.

الحقيقة، أنه وفيما ركزت الولايات المتحدة وأوكرانيا جهودهما ضد "السيل الشمالي-"2، يبدو أنهما نسيتا/ أو تناستا "السيل التركي"، رغم أن خطاً واحداً فقط من "السيل التركي" مخصص للسوق التركية، والثاني للسوق الأوروبية؛ ستتيح خطوط الغاز البحرية لروسيا تزويد تركيا بالغاز المطلوب مباشرة من دون بلد عبور؛ بل تتحول روسيا إلى تزويد مزيد من العملاء بالغاز بصورة مباشرة. ولهذا الأمر أهمية تاريخية كبيرة. بالمحصلة، تجاهلت ألمانيا التحذيرات والتهديدات الأمريكية ومضت نحو استكمال "السيل الشمالي2" الروسي؛ ومثلها فعلت إيطاليا ووقعت على "مبادرة الحزام والطريق"، وتلتهما فرنسا ووقعت اتفاقيات لا تقلّ أهمية مع الصين..!!

لقد أصبحت تحالفات الدول الغربية القائمة حالياً من الماضي، ولم تعد تناسب المرحلة المعقدّة الجديدة من العلاقات الدولية التي تكثر فيها التحديات والمشاكل، والتي تفرض بالتالي ضرورة التعاون والتنسيق والتكامل لمواجهة الضغوط الهائلة، كما تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية وغيرها. وبالطبع لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والولايات المتحدة تدرك ذلك وتدرك أنها بدأت تفقد سيطرتها وأنّ الأحادية القطبية إلى زوال كامل؛ فلا يمكن للغرب الرأسمالي أن يبقى كتلة واحدة في ظل كل الخلافات القائمة والمتزايدة والمصالح المتناقضة بين دوله، وتوجه بعض هذه الدول للتعامل والتعاون مع الخصوم والأعداء السابقين بحثاً عن مصالحها. ولا يخفى أنّ كل هذه التطورات ستنعكس بكل سلبياتها وإيجابياتها على منطقة الشرق الأوسط الملتهبة.

بديـع عفيــف

مصدر الخبر
خاص - محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.