تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

خطاب التخوين والتهديد بالانتخابات التركية

مصدر الصورة
وكالات

محمد نور الدين

بعد أقل من سنة على الانتخابات الرئاسية والنيابية المزدوجة، يتوجه الناخبون الأتراك، غداً الأحد، لاستكمال دورات الانتخابات لاختيار رؤساء البلديات ومجالسهم، وليكتمل عقد العمليات الانتخابية.

تجري الانتخابات الرئاسية كل خمس سنوات، والنيابية كل أربع سنوات، والبلدية كل خمس سنوات.

وبعد الانتخابات البلدية ستشهد تركيا هدوءاً انتخابياً لمدة أربع سنين، على الأقل، إلى حين استحقاق الانتخابات النيابية عام 2022 والرئاسية عام 1923. وهو ما يعطي الانتخابات البلدية غداً، أهمية إضافية قبل السكون الطويل. إذ سيعمل كل طرف على أن يحقق إنجازاً يبني عليه حركته السياسية خلال السنوات الأربع المقبلة.

كما يزيد من هذه الأهمية أن النظام السياسي الجديد في تركيا حصر الصلاحيات كلها بيد رئيس الجمهورية. وتحول البرلمان، في ظل نزع دوره المؤثر، إلى شاهد زور. لذا فإن الانتخابات الوحيدة المتبقية لاختبار قوة الأحزاب من جهة، وللعب دور سياسي مؤثر من بوابة الخدمات الاجتماعية، هي الانتخابات البلدية.

وتدخل تركيا الانتخابات في ظل اصطفاف كامل إلى حد كبير بين جبهتين: الأولى جبهة «اتفاق الجمهور»، وتضم حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الحركة القومية. وهما قد تحالفا أيضاً في الانتخابات الرئاسية والنيابية، وحققا معاً نتائج مهمة أبقت رجب طيب أردوغان رئيساً، وأبقت الأغلبية المطلقة في البرلمان لمصلحتهما. وهو تحالف بدأت علاماته بالظهور منذ العام 2007 عندما وفّر حزب الحركة القومية، بزعامة دولت باهتشلي، نصاب الثلثين في البرلمان ليتمكن مرشح حزب العدالة والتنمية عبدالله غول من الفوز في الانتخابات الرئاسية، حيث كان البرلمان هو الذي ينتخب الرئيس الذي اصبح من العام 2014 ينتخب مباشرة من الشعب. وفي الاستحقاقات المهمة اللاحقة، ولا سيما الاستفتاء على تعديل النظام السياسي في إبريل/ نيسان 2017 وقف باهتشلي إلى جانب أردوغان وكان عاملاً حاسماً في نجاح الموافقة على التعديلات بفارق أقل من واحد في المئة، ولولاه لما مرّت التعديلات الدستورية. كذلك خاض الحزبان معاً الانتخابات الرئاسية والنيابية في 24 يونيو/ حزيران 2018 والآن يخوضان الانتخابات البلدية معاً.

ويشكل الحزبان الكتلة التاريخية في تركيا التي تعرف بكتلة «الطرح القومي - الإسلامي»، أي تلك التي تعتنق في الوقت نفسه النزعة الدينية - المذهبية، والنزعة العرقية التركية، التي كانت تمثلها سابقاً أحزاب اليمين العلماني، والأحزاب الإسلامية، وهي التي يشكل عصبها اليوم حزبا العدالة والتنمية، والحركة القومية.

في الجهة المقابلة، ليس من جبهة معلنة واحدة. ولكن القوى التي اجتمعت في الانتخابات النيابية الماضية تحت اسم «اتفاق الأمة»، وهي حزب الشعب الجمهوري و»الحزب الجيّد» وحزب السعادة، مضافاً إليها حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي، عقدت هذه المرة اتفاقاً ضمنياً، يتضمن إلى حد كبير ترشيح الشخص الأكثر حظاً في النجاح في أي بلدية، على أن تؤيده الأحزاب الأخرى من دون أن ترشح أي شخص آخر من صفوفها. الأمر الذي جعل حزب الشعوب الديمقراطي لا يرشح أحداً في مناطق له فيها نفوذ كبير، وبنسب قد تصل إلى 10 في المئة، وأكثر، مثل اسطنبول، وأنقرة، وغيرهما، لرفع حظوظ الفوز للمرشح الأقوى من حزب الشعب الجمهوري، أو غيره من الأحزاب.

وتمتاز هذه الجبهة المعارضة بأنها تجمع بين التركي، والكردي، والعلماني، والعلوي، والإسلام الأربكاني، (نسبة لنجم الدين أربكان وإن كان حزب السعادة لا يمثل سوى 2-3 في المئة). بمعنى أن الانتخابات البلدية لا تشهد توزعاً للأصوات بين أحزاب متعددة، بل هي منافسة وصراع بين كتلتين، وتيارين، وفكرين.

واستطلاعات الرأي لا يعتمد عليها أي من الأحزاب. فقد أظهرت الانتخابات السابقة فشلاً لتقديرات مراكز الاستطلاع.

لكن الصراع في الإجمال متكافئ لجهة توقعات النتائج، بحيث قد ينتصر فريق على الآخر بنسبة ضئيلة. ويتركز الصراع الذي له دلالاته على رئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة. وهما البلديتان اللتان كانتا بداية الصعود الكبير للحركة الإسلامية في العام 1994 في ظل حزب الرفاه، واستمر الصعود مع وصول وريثه حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002. لذلك، فإن المعركة عليهما تكتسب أهمية سياسية ونفسية كبيرة. إذ إن خسارة أردوغان لهما، أو لأحداهما، سيعتبر خسارة مهمة له، ولحزبه، ولتياره، ويفتح الباب أمام تحولات يخشاها. لذلك رشّح أردوغان لبلدية إسطنبول أحد أقوى «مدافعه» بن علي يلديريم رئيس الحكومة والحزب السابق في مواجهة، مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو.

وفي حال فاز يلديريم وأوزهاسيكي بهما سيعتبر انتصاراً كبيراً لأردوغان. أما في إزمير، فالمعركة محسومة لمرشح حزب الشعب الجمهوري تونتش صويار، في مواجهة الوزير السابق من العدالة والتنمية نهاد زيبقتشي.

ويسعى أردوغان في معركة صعبة لتحقيق تقدم في الأرقام في المناطق الكردية في جنوب شرق البلاد. وجلّ هدفه هو أن ينال مرشحه لرئاسة بلدية ديار بكر جمالي آتيللا، نحو ال35 في المئة مقابل المرشحين المشتركين للرئاسة من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي هوليا آلأوكمين أويانيك، وعدنان سلجوق مزراقلي، المحسوم فوزهما، حيث يأمل أردوغان ألا ينالا أكثر من ستين في المئة.

والمعركة البلدية ليست متكافئة على صعيد استخدام الإمكانات. فأردوغان يسخر كل وزارات الدولة لخدمة مرشحي العدالة والتنمية والحركة القومية، ويقيم يومياً ثلاثة مهرجانات انتخابية، ويظهر مساء في برامج تلفزيونية مستخدماً ،كالعادة عشية كل انتخابات، خطاباً مذهبياً وعرقياً تركياً، ويعتبر أنها معركة بقاء ومصير، متهماً كل مرشحي المعارضة بأنهم إرهابيون تابعون لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي. وخطاب التخوين يمتد إلى خطاب التهديد وتوعد المعارضة بعد الانتخابات.

مع ذلك، لن تحسم التوقعات سوى حقيقة النتائج التي يفترض أن تظهر مساء غد (الأحد).

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.