تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أردوغان بعد الإنتخابات المحلية.. قراءة هادئة

مصدر الصورة
وكالات

بديـع عفيــف:

انتهت الإنتخابات المحلية التي جرت في تركيا يوم الأحد الماضي 31/3/2019، لكن نتائجها وتفاعلاتها لم تنته، ويبدو أنها لن تنتهي قريباً؛ فعلى الرغم من فوز الرئيس التركي وحزبه "العدالة والتنمية" في هذه الإنتخابات إلا أنّ أغلب المحللين أجمعوا على أنه فوز بطعم الهزيمة؛ وعلى هذا الإيقاع قرر حزب "العدالة والتنمية" الطعن بنتائج الإنتخابات في عدد من المدن. الفوز المر سببه خسارة رجب طيب أردوغان وحزبه للمدن الكبرى مثل أزمير والعاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول التي تحتل مكانة خاصة في تاريخ صعود أردوغان السياسي ووصوله إلى الرئاسة التركية؛ فبغض النظر عن نتائج الطعون، فقد وصلت رسالة قاسية من الشعب التركي بممثليه "المدني" و"الاقتصادي"، أنّ الأمور ليست على ما يرام، ولاشك أن الرئيس التركي بدأ يستشعر حالة التراجع لمسيرته ومسيرة حزبه، وسيضطر لإعادة قراءة الأمور من زاوية مختلفة وإلا سيسرّع بنهايته.

فما هي أسباب هذا التراجع الأردوغاني، وكيف يمكن توصيف الواقع، وما هي سمات المرحلة القادمة..؟

أولاً، في الداخل التركي. ما من شك بأن الوضع الداخلي في تركيا سيئ وغير مستقر؛ من الناحية السياسية والإجتماعية، حيث تم فرض قيود كثيرة على حرية الرأي والتعبير، ومشكلة الأكراد في الجنوب التركي، وإيداع عشرات الآلاف من الأتراك في السجون تحت حجج مختلفة، أهمها المشاركة في الإنقلاب الذي جرى ضد أردوغان، ناهيك عن شعور الأتراك بنزوع بلادهم نحو الحكم الفردي المطلق. لكن الخطر الأهم والداهم هو الوضع الاقتصادي المتداعي؛ فما بناه أردوغان في السنوات الأولى من حكمه، بدأ تهديمه في السنوات الأخيرة وبالتدريج بسبب السياسات الداخلية والخارجية التي ينتهجها؛ لقد تراجعت قيمة الليرة التركية وفقدت أكثر من 40% من قيمتها، وتجمّد سوق العقارات وانخفضت مداخيل السياحة... الخ، بشكل أدخل القلق إلى أوساط الشعب التركي الذي بات يشعر أنّ المستقبل أمامه غير مضمون وغير آمن؛ لا شيء يغيّر الرأي العام أكثر من انعدام الأمل وضبابية الرؤية التي تجعله يتحسس الخطر وينكمش لمواجهته.

ثانياً، الدائرة الخارجية. تقع تركيا بين عالمين يمكن القول إنهما منفصلين عن بعضهما تقريباً؛ تفصل بين قارتي آسيا وأوروبا المختلفتين في الثقافة والفكر والعادات والتقاليد، والتوجهات السياسية والاقتصادية. وهذا الموقع الجيوبولتيكي لتركيا يجعلها أيضاً محطّ تصارع السياسات الدولية بين الشرق والغرب، لاسيما في الحقبة الراهنة. تركيا كانت وما زالت عضواً في حلف شمال الأطلسي "الناتو". مع ذلك، فإن الخلافات التركية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة و"الناتو" أكثر من خلافاتها مع دول الشرق ولاسيما الصين وروسيا الصاعدتان بقوة على المسرح الدولي.

والحقيقة، أنه أصبح واضحاً منذ سنوات أنّ العلاقات المتنامية بين روسيا وتركيا، قرّبت "موقع" أنقرة من موسكو كثيراً في السياسات الخارجية والعلاقات الدولية؛ هذا التقارب يرتكز على الدعم السياسي الذي تقدّمه روسيا ـــ بوتين لتركيا ـــ أردوغان، وعلى العلاقات الاقتصادية المزدهرة بين البلدين والمشاريع العملاقة التي يتم بناؤها في النفط والغاز والسياحة والزراعة والتجارة البينية، وعلى العلاقات العسكرية أيضاً، والتي يتجسّد تطورها بشراء تركيا صواريخ "أس400" المتطورة وإعلان رغبتها بشراء النسخة الأحدث من هذه الصواريخ، أي "أس500"، رغم التهديدات الأمريكية الصريحة والكبيرة. في المقابل، تبدو تركيا وكأنها تخلت عن طموحها بالإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي بسبب الرفض المستمر لها من جانب الإتحاد، وبسبب الوضع الداخلي للإتحاد ذاته والمشاكل والتحديات العديدة التي يواجهها والخلافات بين دوله، فيما العلاقات التركية الأمريكية لا تكاد تخرج من مشكلة حتى تدخل بأخرى جديدة، ولاسيما بوجود الرئيس الأمريكي الحالي في البيت الأبيض والذي كان له دوراً كبيراً في تأزم الاقتصاد التركي العام الماضي وتراجع قيمة الليرة التركية.

إنّ التعديلات التي أجراها الرئيس التركي على دستور بلاده أكسبته المزيد من السلطة وأعطته المزيد من الصلاحيات، ولكنها بنفس الوقت حمّلته المزيد من المسؤوليات وقيّدت أو قلّصت هامش حركته، لأنه أصبح المرجع الوحيد الذي تؤول إليه القرارات في البلاد. ومن الواضح أنّ على تركيا بعد هذه الانتخابات أن تحدد موقفها في العديد من المسائل والقضايا العالقة؛ لا يمكن لتركيا الاستمرار بممارسة نوع من الإزدواجية في علاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة ومحاولة الجلوس على كرسيين بآن واحد؛ مزايا العلاقات مع روسيا أهم وأكثر من نظيرتها مع الولايات المتحدة التي تهدد كثيراً، ولا يمكن للتهديدات أن تخلق الثقة ولا أن توجدها أصلاً؛ بل إنّ المتمعن في العلاقات التركية الأمريكية، وحتى السعودية الأمريكية يجد أنّ الطرف الأمريكي يمارس التهديد والابتزاز لكلا البلدين وبأبشع الصور.

إنّ "انزياح" تركيا المتزايد باتجاه الشرق سيساهم بتعزيز علاقاتها مع إيران، وسيجبر الرئيس التركي على إعادة التفكير بالأضرار التي تسببها أيديولوجيته العثمانية، وبتصويب العلاقات مع سورية؛ سورية التي قدمت له ما لم يحصل عليه من أي بلد آخر، وكافأها بالعدوان والأذى؛ لا بد من مراجعة حتمية للعلاقات مع سورية لسببين جوهريين؛ الأول، أنّ المعارضة التركية التي "أثبتت" حضورها في الإنتخابات المحلية الأخيرة، تخالف سياسة أردوغان تجاه سورية، وتعتبرها مضرة جداً ولم تحقق غير الأذى لتركيا؛ والثاني، علاقات تركيا المتنامية مع روسيا، الحليف والداعم القوي لسورية، إذ لا يمكن أن يستمر أردوغان بتخريب ما تنجزه روسيا في سورية، ولا يمكن أن يكابر الرئيس التركي أكثر من ذلك، فيما سورية تعزز أمنها واستقرارها وتتخطى الأزمة التي مرت بها بخط متصاعد ومستمر، والقيادة السورية تعزز موقعها الداخلي والخارجي رغم الضغوط الأمريكية.. لا يمكن للرئيس التركي الإستمرار بالهروب إلى الأمام أكثر، فقد وصل إلى حافة النهاية..؟!!

 

مصدر الخبر
خاص - محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.