تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الجولان بين شرعية القوة وقوة الشرعية

مصدر الصورة
وكالات

د. ناجي صادق شراب

ليس غريباً أو مفاجئاً القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي ترامب الذي اعترف فيه بسيادة «إسرائيل» على مرتفعات الجولان المحتلة. وسيبقى هذا القرار يذكرنا بوعد بلفور قبل 102 عام، والذي بموجبه منح بلفور وزير خارجية بريطانيا فلسطين ل«إسرائيل». واليوم يكرر الرئيس ترامب هذا الوعد الذي لم ير فيه إلا نفسه، فهو قرار تنفيذي أي يرتبط بشخص الرئيس ذاته.

ولذلك منذ البداية فالقرار شخصي لا قيمة له قانونياً. ولا يستمد أية شرعية من حيث الأهمية، إلا كونه يصدر عن الرئيس الأمريكي، وعلى اعتبار أن أمريكا هي القوة الأحادية في العالم اليوم، أي أنه يستند إلى منطق القوة فقط.

والقرار لا يقدم جديداً بمعنى أنه لن يضيف أي شيء ل«إسرائيل»، فبحكم الأمر الواقع والقوة، فإن «إسرائيل» تسيطر على الجولان. ولا يمكن فهم القرار إلا في سياق شخصية الرئيس ترامب وفكره الذي يقترب من نظرية القوة، ويحاول أن يخلق حالة من الفوضى الدولية.

وتنطبق على القرار مقولة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي قال في رسالة موجهة إلى الرئيس كيندي في وعد بلفور: «لقد أعطى من لا يملك لمن لا يستحق». والعبارة في مدلولاتها السياسية عميقة فمرتفعات الجولان سورية عربية تاريخاً وقانوناً، و «إسرائيل» دولة احتلال باعتراف الأمم المتحدة. وهي ليست أرضاً خاصة يملكها الرئيس ترامب ليتصرف بها كما يشاء، والاحتلال لا يعطي المحتل الحق في الضم. فالقرار هدية سياسية لنتنياهو قبل انتخابات الكنيست؛ حيث يطمع لأن يحكم لولاية خامسة. وكما قال بن كسبيت المحلل السياسي «الإسرائيلي» إننا «لن نتفاجأ لو أعلن ترامب اعتناقه لليهودية، وأن قراره منح «الجرين كارت» الأمريكي يعني دعوة كل «إسرائيلي» للتصويت لصالح حزب الليكود».

والقرار يثير أكثر من تساؤل: لماذا هذا التوقيت؟ وما هي أهدافه وتداعياته؟ لا يمكن فهم القرار إلا في وضعه في سياقاته الزمنية والسياسية، فهو كما أشرنا لا يعدو أن يكون رسالة سياسية من ترامب لصديقه نتنياهو، تماماً مثل وعد بلفور رسالة شخصية من بلفور لصديقه روتشيلد.

ولا شك في أن القرار يشكل تحولاً في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية وقضاياها، وخصوصاً قضية السلام، وهو بمثابة تنازل عن مبدأ الأرض مقابل السلام وهو المبدأ الذي ارتكز عليه قرار 242 الصادر من مجلس الأمن في أعقاب عدوان 1967 الذي أكد في ديباجته عدم جواز ضم أراضي الغير بالقوة. وهو قرار وافقت عليه أمريكا. وأيضاً القرار 338، والقرار رقم 497 الذي أعلن بشكل واضح وقاطع وبإجماع كل أعضاء مجلس الأمن أن قرار الكنيست لعام 1981 بضم الجولان يعتبر لاغياً وباطلاً.

ولقد حاولت «إسرائيل» مع كل الإدارات السابقة الاعتراف بسيادة «إسرائيل» على الجولان وشرعنة الاحتلال، وكان الرفض دائماً. لتأتي إدارة الرئيس ترامب ولتنقلب على كل الإدارات السابقة.

لقد سبق القرار زيارة للسيناتور ليندساي جراهام المقرب من الرئيس ترامب بزيارة الجولان مع نتنياهو، ليعلن بعدها أنه سيقنع البيت الأبيض بالاعتراف بسيادة «إسرائيل» على المرتفعات، ثم جاء بيان وزارة الخارجية الأمريكية ليسقط وصف الاحتلال «الإسرائيلي» عن كل الأراضي العربية.

وزعم ترامب، أن القرار اتخذ لأسباب أمنية، وهذه حجج واهية، فالاحتلال لا يسقط بالتقادم، ولا الدواعي الأمنية تبرر السيطرة على أراضي الغير، ولو كان الأمر كذلك لسيطرت كل الدول على أراضي الغير لدواعي أمنية، وساد قانون الغاب والفوضى الدولية.

ولكن هناك أسباباً أخرى غير التي ادعاها ترامب، وهو رغبته في الفوز بفترة رئاسية ثانية، وعينه هنا على الإنجيليين الذين يزيد عددهم على ستين مليوناً، ويمثلون 25 في المئة من الشعب الأمريكي، وحوالى 80 في المئة منهم أعطوا صوتهم له في انتخابات 2016 التي فاز فيها، وفي كسب تأييد اللوبي الصهيوني.

ولذلك لا غرابة في أن يقول وزير خارجيته بومبيو أن «ترامب هو هدية الرب لإنقاذ اليهود من إيران».. وأخيراً لعل من أهم تداعيات القرار وتحتاج إلى مزيد من التوضيح، إسقاط المبادرة العربية؛ إذ لم يعد لها وجود، وكذلك إلغاء كل قرارات الشرعية الدولية التي عالجت الاحتلال «الإسرائيلي» منذ 1967، والقضية الفلسطينية.

القرار باختصار هو مقدمة ل«صفقة القرن». ويبقى أن رد الفعل العربي والدولي لا يكفي أن يكون بالشجب والاستنكار فقط.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.