تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

السودان: الشارع يطيح خليفة البشير... رجل الإمارات يحكم السودان... وتجمع المهنيين يطالب برحيل النظام برمته

مصدر الصورة
وكالات

أدت ضغوط الشارع السوداني أمس إلى إطاحة رئيس المجلس العسكري الفريق أول عوض بن عوف، من رئاسة المجلس وتعيين المفتّش العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان محله، وذلك بعد يوم من إطاحة رئيس الجمهورية عمر البشير. كما أقال المجلس الفريق أول كمال عبد المعروف، من منصبه كنائب لرئيس المجلس، وفقاً للشرق الأوسط.

في المقابل، وطبقاً لروسيا اليوم، أصدر "تجمع المهنيين السودانيين" المعارض بيانا حول التطورات الأخيرة في البلاد، عبّر فيه عن رفضه تعيين عبد الفتاح البرهان رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي، خلفا لوزير الدفاع عوض بن عوف. وقال التجمع في البيان مخاطبا الجيش: "لا لأوجه تتبدل أقنعتها من البشير إلى ابن عوف والبرهان"، مشددا على أن مطالب الشعب من السلطات "لا تقبل المساومة أو التلاعب بها". وحث التجمع المواطنين على التمسك بالاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في العاصمة الخرطوم وفي الولايات، وبالإضراب الشامل حتى نقل السلطة كاملة لحكومة مدنية انتقالية.

وأبرزت صحيفة الأخبار اللبنانية: رجل الإمارات يحكم السودان! وأفادت أنّ المجلس العسكري بدّل وجهه، أمس، في ظلّ رفض الشارع الذي لا يزال يصرّ على تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، لكن حرص المنقلبين على تهدئة الغضب الشعبي بتعيين عبد الفتاح البرهان المقرب من الإمارات، من دون تلبية مطالب المحتجين، يبدو أنه يأتي بضغوط خارجية أكثر مما هي داخلية. وأوضحت الصحيفة أنّ الجيش، الذي تولى زمام الأمور تاركاً لنفسه مدة عامين، يبدو اليوم مستعداً للخضوع لمطالب التظاهرات التي استغلها للوصول إلى هرم السلطة، وذلك من أجل تخفيف الاحتقان الذي قد يطيح انقلابه انقلاب مضاد. وفي سبيل ذلك، أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي استولى على السلطة، الفريق عوض بن عوف، مساء أمس، تنحيه عن المجلس، هو ونائبه الفريق كمال عبد المعروف، واختيار المفتش العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن، خلفاً له، وهو ما لاقى ترحيباً من «تجمع المهنيين»، الذي اعتبر تنحي بن عوف «انتصاراً لإرادة الجماهير»، لكنه دعا إلى استمرار الاعتصام أمام القيادة العامة. ويتوقع أن يخفض المجلس الجديد مدة المرحلة الانتقالية بما يقبل به الشارع. وتابعت الأخبار، انه وعلى اعتبار أن عبد الرحمن، الذي يُنظر إليه على أنه القائد الفعلي للانقلاب، أمضى حياته أخيراً متنقلاً ما بين اليمن والإمارات، رأى البعض أن خطوة أمس قد تكون أتت بضغوط خارجية، على الأرجح من الإمارات، خشية من انفلات الأمور، وللحفاظ على الحكم الجديد الذي سيطر عليه مجلس عسكري مكون من المقربين منها. ويبدو الضغط الإماراتي واضحاً في إعلان المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، الفريق صلاح قوش، المفضل لدى أبو ظبي، اعتذاره عن عدم المشاركة في عضوية المجلس الذي أعلنه بن عوف. ويرى مراقبون، أن قبول صلاح قوش، المفضل إماراتياً، الابتعاد عن مسرح الأحداث، الهدف منه إرضاء الشارع، وإسكات الأصوات الرافضة لوجوده، والحفاظ قدر المستطاع على التغيير الحاصل في مثلث الحكم، الذي يحفظ لأقطابه مصالحهم ويوفر لهم الحماية، علماً بأن قوش، الذي تعزز في عهده التعاون بين المخابرات السودانية ووكالة الاستخبارات الأميركية في ما يعرف بمكافحة الإرهاب، هو من كان يُرجَّح أن يقود أي انقلاب ضد البشير....

إلى ذلك، فقد أبدت وسائل إعلام عدة، أمس، اهتمامها برصد الأوضاع في السودان، بعد تصنيفها ما حدث بانه انقلاب عسكري يثير الخوف على المستقبل. واختارت شبكة سي إن إن الأمريكية، لرصد التطورات الجارية في السودان عنوانا؛ الفرح يتحول إلى خوف بعد الإطاحة بالبشير. وقالت الشبكة الإعلامية إنّ المتظاهرين الذين هرعوا إلى الشوارع للاحتفال بالإطاحة بالزعيم السوداني عمر البشير، الخميس، أمامهم صراع طويل، حيث يبدو أن الشخصيات العسكرية التي أنهت حكمه (البشير) الذي دام 30 عامًا تستعد للتمسك بالسلطة.

من جهتها، تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية: في السودان، انتقال إلى الديمقراطية أم لعب قوة عسكرية؟ وكتبت على موقعها الإلكتروني ما زال من غير المؤكد ما إذا كان 11 نيسان الجاري، سيمثل بداية الديمقراطية في السودان أم الانتقال من دكتاتورية إلى أخرى أو شيء أشد سوءاً. ونقلت عن سارة عبد الجليل، المتحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين هذا انقلاب معاد تدويره ولن يتم الترحيب به على الإطلاق.

بدورها، لفتت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، إلى مخاوف اندلاع مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والجيش على خلفية إعلان المجلس العسكري، أو بين عناصر من الجيش وجماعات مسلحة. وأشارت في تقرير حمل عنوان: المتظاهرون يتحدون حظر التجوال بعد عزل البشير، إلى وجود خطر حقيقي يتمثل في قيام عناصر من قوات الأمن وميليشيات يمكن أن ترفع أسلحتها ضد بعضها البعض. وفيما شددت صحيفة الغارديان البريطانية، على رفض المتظاهرين استيلاء الجيش على السلطة في السودان بعد الإطاحة بالبشير، سلطت صحيفة لوفيغارو الفرنسية الضوء على أنّ شيئا لم يتغير في البلاد، وأن البلاد تعيش انقلابا رابعا يضاف إلى رصيدها من الانقلابات العسكرية التي شهدتها منذ 1956.

وأمس الجمعة، واصل آلاف السودانيين اعتصامهم أمام مقر القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم صبيحة إعلان عزل عمر البشير، فيما أكدت المعارضة أن الاعتصام مستمر ولن ينفض حتى تحقيق أهداف الثورة المتمثلة في تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية.

وتساءل المحلل السياسي ألكسندر نازاروف في مقاله في موقع روسيا اليوم: هل ينجح العسكريون السودانيون في السيطرة على الموقف؟ وفي نظرة بانورامية، أوضح المحلل، أنّ أزمة النظم السياسية التي نشأت عن تدهور مستوى المعيشة، وتصاعد الغضب الشعبي لا تقتصر على الدول العربية وحدها، فأمامنا انتخاب ترامب في الولايات المتحدة، واليمين في إيطاليا، والاشتراكيين واليمينيين في اليونان، والسترات الصفراء في فرنسا، والبريكست، والربيع العربي، والاحتجاجات في الأرجنتين، والتوترات في تركيا.. وكل تلك أجزاء من عملية ذات جوهر واحد في قوالب متعددة تختلف باختلاف البيئة والظروف المحلية. بل وربما تلجأ الدول الغربية هي الأخرى إلى أنظمة عسكرية، حينما تزداد أزماتها تعقيدا. لكن، ما مدى كفاءة الأنظمة العسكرية في الاضطلاع بالتحديات الكثيرة التي تواجه الدول العربية؟ وهل تنجح تلك الأنظمة في الحفاظ على الاستقرار على المدى الطويل؟ في اعتقادي الشخصي لا.

وتساءل المحلل نازاروف: ما الفرق الأساسي بين الوضع الراهن في الدول العربية ونظيره في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؟ وأجاب أنّ الفرق أن الدول العربية آنذاك كانت بشكل عام تعيش نهضة اقتصادية، وتحسنا عاما في الوضع الاجتماعي. وعلى هذه الخلفية تمكن العسكريون من تحقيق هدف الحفاظ على النظام بسهولة ونجاح، ولم يؤدي ذلك إلى إعاقة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تلك البلدان، وأدى ذلك المزيج إلى استمرار واستقرار الحكام العسكريين في ذلك الزمان؛ أما اليوم وفي المستقبل القريب، وربما لعقود قادمة، تغيب أي آفاق تنمية اقتصادية واجتماعية في الدول العربية. بل على العكس، ينتظر أن تتفاقم الأزمات في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية؛ فالمحرك الرئيسي، والمؤثر الأساسي في جميع التغيرات الجذرية، والقلاقل السياسية والثورات والحروب في عالمنا المترابط في اللحظة التاريخية الراهنة هو الأزمة الاقتصادية العالمية، الأزمة غير المسبوقة، والأكبر في تاريخ البشرية والمتعلقة بفائض الإنتاج، والتي زاد من تعقيدها انتصار الرأسمالية في تسعينيات القرن الماضي، وسيادة العولمة على أجزاء واسعة من الكوكب، بحيث لم يعد هناك نطاق أوسع لانتشار النظام الرأسمالي؛ لم تعد هناك أسواق للغزو، بينما فائض الإنتاج هائل؛ وإذا كان المستهلكون، وخاصة في الغرب، خلال الأربعين سنة الماضية، يشترون بضائعهم اعتمادا على الائتمان، فلابد أن ينهار هذا الهرم الائتماني الضخم، وهو ما سيدفع بالكثيرين إلى هوة الإفلاس.

وتابع: الدول العربية أصبحت أحد أضعف حلقات تلك السلسلة الاقتصادية العالمية؛ وأصبحت أهم المشكلات العالمية الراهنة تواجه الدول العربية على نحو أكثر حدة من بقية العالم؛عدم المساواة، الانفجار السكاني، شح الموارد، الهرم الائتماني؛ وفي ظل الركود الاقتصادي وتدهور الاقتصاد العالمي، سوف يشعر العرب أكثر من غيرهم بتصاعد الأزمة، لذلك يرجح أن تعم الاحتجاجات والتوترات السياسية أرجاء مختلفة من الوطن العربي من جديد، وسوف تعلو موجات "الربيع العربي" تارة وتهدأ تارة أخرى، إلى أن يخرج العالم من أزمته الاقتصادية.

أدى ارتفاع أسعار الخبز في السودان، نهاية عام 2018، إلى احتجاجات شعبية واسعة، أدّت في النهاية إلى الإطاحة بالرئيس البشير، ولا يلوح في الأفق أي تحسن في الوضع على المدى المتوسط. ولو تمكن العسكريون من الحفاظ على استقرار الوضع مؤقتا، لا شك سوف يصطدمون بذات التحديات التي اصطدم بها الرئيس السابق؛ وهذا هو الوضع بالنسبة لأغلبية الدول العربية.

وأضاف نازاروف: إن المنطقة بأسرها تعيش على قنبلة موقوتة، يؤجّل انفجارها فقط الديون الخارجية، فإذا ما تدهور الوضع في الغرب، وتوقفت الديون الخارجية، فإن كثيرا من الدول العربية سوف تجد نفسها أمام سؤال الوجود الفعلي على أرض الواقع، في الوقت الذي لا يكفي فيه الانتاج المحلي من الغذاء احتياجات السكان، ولا توجد موارد لاستيراد السلع من الخارج. ومع تدهور الوضع في الغرب، سوف تجد الدول العربية، التي تعاني من عجز تجاري وعجز في المدفوعات، نفسها مجبرة على خفض استيراد السلع، وبالتالي ستعاني من ندرة السلع الغذائية والبضائع، وهو ما يهدد من جديد بمظاهرات مليونية.

باختصار، ختم نازاروف؛ يبدو الاستقرار السياسي في الدول العربية هشا للغاية؛ لقد أبلت الأنظمة العسكرية بلاء حسنا في استعادة الأمن والنظام في المرحلة الأولى، إلا أنني لا أظن، أن أحدا سيتمكن من خفض معدل التضخم السكاني في هذه الدول، لا العسكريين ولا المدنيين ولا أي حكومة أخرى. لن يتمكن أحد من تحقيق معجزة في لمح البصر، والأهم أن أحدا لن يتمكن من تحويل الميزان التجاري وميزان المدفوعات من العجز إلى الفائض في أي من تلك الدول دون إجراءات مؤلمة، خاصة على خلفية أزمة فائض الإنتاج في العالم؛ هل هناك نظام سياسي في المطلق قادر على مواجهة التحديات الماثلة أمام الدول العربية في الوضع الراهن؟ لا أعتقد أن يكون النجاح حليف العسكريين، وذلك يتضمن السودان أيضا.

ونشرت صحيفة التايمز البريطانية مقالا افتتاحيا تقول فيه إن رحيل رئيسي السودان والجزائر قد يفتح الطريق إلى الإصلاحات التي طال انتظارها. تقول الصحيفة إن عزل البشير بعد شهور من الاحتجاجات طال انتظاره وأعقب رحيل الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، في الجزائر. ويطرح رحيلهما أسئلة عمن يخلفهما؛ فالربيع العربي الذي بدأ في تونس عام 2010 أشاع الأمل في إصلاحات ديمقراطية، ولكن النتيجة بعد 10 أعوام كانت مخيبة، إلا أن النتيجة هذه المرة قد تكون مختلفة لأسباب عديدة؛ فالجيش وقف في النهاية ضد الزعماء المرفوضين شعبيا. كما أن الأفكار المثالية التي كانت رائجة منذ عقد من الزمن اهتزت أمام حدود الواقع والحاجة إلى الإصلاحات في نظام حكم يتأرجح بين الاستبداد والقمع.

وما حدث في السودان يشبه تماما ما حدث في الجزائر؛ ولا يتجاهل الغضب الشعبي طويلا الديكتاتور الحريص على منصبه. وكان دور الجيش حاسما في السودان والجزائر على حد سواء؛ فقمع المتظاهرين كان سيؤدي إلى خسائر بشرية فظيعة. ودور الجيش سيبقى حاسما بعد رحيل الرئيسين. وترى الصحيفة أن الفراغ كان سيشعل مواجهات بين مختلف القوى المتشاحنة، بين الجيش والمخابرات والإسلاميين والمليشيا القبلية. وهذه مخاوف حقيقية حسب التايمز بالنظر إلى التجربة المريرة في مصر، أكبر دولة في المنطقة، التي تخلصت من ديكتاتور لتقع في يد تيار إسلامي ثم حكم رجل عسكري.

مصدر الخبر
متابعة محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.