تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أزمة تركيا الصعبة بين واشنطن وموسكو

مصدر الصورة
وكالات

د. محمد السعيد إدريس:

الأمر المعتاد في العلاقات الدولية، أن الأزمات التي تواجه الدول تكون في الأساس مع الغير، أي مع طرف خارجي، أياً كان هذا الطرف، دولة أو منظمة أو شركة عالمية أو حركة إرهابية على غرار الحركات الإرهابية الحالية التي تهدد الدول، أما أن تواجه الدولة أزمة ذات مواصفات دولية مع نفسها، فهذا هو الأمر الصعب، وهذا بالتحديد ما تواجهه تركيا حالياً.

فتركيا في أزمة مع نفسها، أي مع ما تريده، وما يخدم مصالحها الوطنية العليا جراء الأزمة الأخرى المفروضة عليها الآن من جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بسبب الرفض الأمريكي المطلق المدعوم بموقف أطلسي مشابه لشراء تركيا صفقة صواريخ روسية من طراز «إس 400» المتطورة، على أساس أن شراء هذا النوع من الصواريخ الروسية يهدد الأمن القومي الأمريكي، وأنه «شق لحلف الناتو وانتهاك لميثاقه من دولة عضو.. أي تركيا».

وانطلاقاً من هذا الرفض، تهدد الولايات المتحدة بوقف بيع تركيا صفقة طائرات «إف - 35» الحربية الأحدث في العالم، ووقف مشاركة تركيا في إنتاج هذه الطائرة باعتبارها شريكاً أساسياً في إنتاجها، ويتسع التهديد الأمريكي إلى احتمالات أخرى، منها إنهاء استخدام الولايات المتحدة لقاعدة «إنجرليك» التركية، أو سحب 55 رأساً نووياً أمريكياً منتشرة في تركيا، ضمن قوة حلف شمال الأطلسي.

أزمة تركيا نابعة من صعوبة الاختيار بين الخيارين الأمريكي والروسي، لاستحالة التوفيق بينهما، بسبب المواقف الأمريكية المتشددة. وبمعنى آخر، هي أزمة مع مصالحها وأولوياتها التي ستفرض عليها القبول بأي من الخيارين والتضحية بالآخر، بعد أن فشلت كل الجهود التركية لإقناع الإدارة الأمريكية بقبول خيار الجمع بين شراء صواريخ «إس 400» الروسية وطائرات «إف - 35» الأمريكية، فقد حسم مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي أمام الكونجرس (2019/4/9) أمر الرفض الأمريكي لقبول بيع واشنطن طائرات «إف - 35» الأمريكية إن هي أصرت على شراء الصواريخ الروسية، ففي إجابته عن سؤال عما إذا كان أنذر تركيا بأنها لن تتمكن من المشاركة في برنامج تصنيع واقتناء مقاتلات «إف - 35» الأمريكية من الجيل الخامس في حال نشرها منظومات صواريخ «إس 400» الروسية، أجاب بومبيو ب «نعم».

عمق أزمة تركيا يرجع إلى كثافة المصالح التركية مع كل من واشنطن وموسكو، وبالتالي كثافة الخسائر التي يمكن أن تنجم عن التضحية بأي منهما، في ظل «الصراع الصفري» الذي بات مفروضاً عليها. فمن الناحية الاستراتيجية كانت ومازالت تركيا تكتسب القدر الأكبر من مكانتها الإقليمية من عضويتها المؤسسة في حلف الأطلسي، واكتسب الجيش التركي كفاءة قتالية وتسليحية من كونه ضمن القوة الضاربة الأطلسية، كما أن علاقة تركيا بالطائرة المقاتلة الأمريكية «إف - 35» ليست علاقة، لكنها علاقة عضوية، كون تركيا دولة مشاركة في إنتاج وتصنيع هذه الطائرة التي ليست أمريكية خالصة، فهي تشارك مع الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وهولندا وكندا وأستراليا والدنمارك والنرويج في إنتاجها منذ عام 1999.

وإذا كانت تركيا ليست طرفاً في إنتاج عسكري من هذا النوع مع روسيا، فإن علاقاتها التجارية والاستراتيجية تتنامى معها بشكل ملحوظ، فضلاً عما تراه تمايزاً لصواريخ «إس 400» الروسية. فإذا كان التبادل التجاري بين تركيا والولايات المتحدة عام 2018 قد بلغ أكثر من 20 مليار دولار، فإنه ارتفع مع روسيا بنسبة 15% خلال العام نفسه وتجاوز ال 26 مليار دولار، لكن ما هو أهم في هذه العلاقة هو حيوية الواردات التركية من روسيا، فهي في أغلبها من مشتقات النفط والغاز الطبيعي، حيث تستورد تركيا قرابة 20% من احتياجاتها من المشتقات النفطية من روسيا، كما تستورد أكثر من 50% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا وبأسعار تفضيلية، ناهيك عن مدى حيوية المشروع الاقتصادي - الاستراتيجي الذي يجرى تنفيذه بين روسيا وتركيا «مشروع السيل التركي» الذي سينقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا والذي سيجعل تركيا محوراً استراتيجياً بين روسيا وأوروبا، إضافة إلى ما تنفذه روسيا من مشروع لإنتاج الطاقة النووية في تركيا بتكلفة تصل إلى 20 مليار دولار.

مقارنة صعبة ومعقدة، فإذا عادت تركيا إلى الحاضنة الأمريكية وضحت بالشريك الروسي فإنها ستدفع روسيا إلى تمتين علاقاتها مع شركاء وحلفاء محليين في الإقليم خاصة إيران وسوريا وربما مصر، ما يفرض على تركيا أعباء استراتيجية صعبة، كما أن تفضيلها لموسكو ستكون تداعيات ذلك فادحة على القرار الأمريكي، لكن يبدو أن الرئيس التركي بات أقرب إلى اختيار الصفقة الروسية حسب تصريحاته أمام منتدى شبابي في ديار بكر (2019/3/2) بإعلانه أن «الأمر لا يتعلق بشرائنا المنظومة (إس 400) بل بحرية تحركات تركيا في المنطقة وعلى رأسها سوريا»، وأكد أردوغان أن «بلاده ستستكمل الصفقة مع موسكو باتباع سبل المنطق والمصالح المشتركة»، قرار صعب في تداعياته، لكن تركيا ستكون مضطرة لدفع أثمانه.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.