تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حسابات ما بعد حافة الهاوية

مصدر الصورة
وكالات

د. محمد السعيد إدريس

عندما يصل تصعيد الأزمة بين دولتين إلى ذروته يقال إنه وصل إلى «حافة الهاوية» عندها لا يكون متاحاً غير خيارين إما المواجهة العسكرية وإما التراجع إلى الخلف والبحث عن حلول أخرى بديلة. بالوصول إلى «حافة الهاوية» يكون الطرفان المتصارعان قد استنفدا كل الحلول البديلة للوصول بالأزمة إلى هذه المرحلة، أى مرحلة النهاية، وهذا من شأنه أن يصعِّب من مهمة الطرف الذى سيكون مضطراً إلى اتخاذ قرار التراجع للخلف لأنه سيكون مطالباً بطرح البدائل عن المواجهة العسكرية التى توصف عادة بأنها آخر مراحل التصعيد السياسى بين الطرفين فى إدارة الأزمة.

ونستطيع أن نقول باطمئنان إن الأزمة التى فجرتها الولايات المتحدة مع إيران والصمود الإيرانى القوى فى مواجهة التصعيد الأمريكى قد وصل بالأزمة فعلاً إلى حافة الهاوية وبالذات عقب فشل واشنطن فى منع إيران من تصدير نفطها ابتداءً من يوم الخميس 2 مايو الحالى حيث أكد المسئولون الأمريكيون عزم بلادهم الوصول بصادرات النفط الإيرانية إلى الصفر وإعلانها فرض عقوبات أمريكية على أى دولة تشترى النفط الإيرانى بما فيها الدول الثمانى التى كانت منحتها فرصة 6 أشهر للبحث عن مصادر نفطية بديلة وهي: الصين والهند وتركيا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وإيطاليا واليونان. وتأكد الوصول إلى الذروة باللجوء الأمريكى إلى خيار التصعيد العسكرى والدفع بقطع عسكرية أمريكية هجومية إلى مياه الخليج.

القرار الأمريكى بالتصعيد العسكرى لم يأت من فراغ، لكن جاء كرد فعل لإجراءات عسكرية إيرانية اعتبرتها الولايات المتحدة «تهديدات إيرانية جديدة للقوات الأمريكية فى الشرق الأوسط» وفقاً لما أكدته تقارير استخباراتية أمريكية.

وأكد مسئولون أمريكيون، وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن المعلومات الاستخباراتية التى تأكدت أواخر الأسبوع قبل الماضى أشارت إلى أن إيران تعتزم تنظيم هجمات فى مضيق باب المندب بالقرب من اليمن من خلال وكلاء محليين، وربما شن هجمات فى الخليج العربى عبر طائرات إيرانية مسلحة بدون طيار، وهذا ما دفع باتريك شاناهان القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكى لإصدار قراره يوم الاثنين (6/5/2019) بإرسال حاملة الطائرات الأمريكية «يو اس اس إبراهام لينكولن» إلى جانب مدمرات أخرى إلى الخليج استجابة لطلب القيادة العسكرية الأمريكية المركزية العاملة بالمنطقة، وبعدها أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية يوم الجمعة الماضى (10/5/2019) المزيد من قرارات التصعيد والوصول بالجاهزية العسكرية الأمريكية إلى ذروتها بإرسال السفينة الحربية «يو إس اس ارلينجتون» وطائرات «بي-52» القاذفة الإستراتيجية إلى الخليج أيضاً.

فى ظل مثل هذه الأجواء لم يكن قد بقى شيء يمنع قرار الحرب من جانب الولايات المتحدة، لكن الذى تأكد، بعد كل هذا التصعيد الأمريكي، أن كل ما فعلته الولايات المتحدة كان بغرض «ردع إيران» أو «إرهابها» و«تخويفها» وإجبارها على الانصياع للمطالب الأمريكية التى أجملها وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو فى 12 مطلباً تشمل قبول إيران الدخول فى مفاوضات جديدة حول اتفاق نووى جديد بديل للاتفاق الموقع عام 2015 مع القوى الدولية الكبرى يؤمن عدم تمكين إيران نهائياً من أن تصبح قوة نووية، إضافة إلى وقف برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وإنهاء سياسة التدخل الإيرانية فى الشئون الداخلية للدول المجاورة ، ومطالب أخرى تعنى كلها إنهاء ما تعتبره واشنطن خطراً أو تهديداً إيرانياً للمصالح الأمريكية وللحلفاء الأمريكيين فى المنطقة سواء كانوا إسرائيليين أم عرباً.

وأخذ جون بولتون مستشار الأمن القومى الأمريكى المعروف بأنه من أبرز صقور الإدارة الأمريكية والأكثر موالاة لإسرائيل وعداءً لإيران، زمام المبادرة فى سياسة ما بعد الوصول إلى حافة الهاوية من جانب الولايات المتحدة عندما هدد باستخدام ماسماه «القوة الصارمة» ضد إيران، لكنه كان حريصاً، بذات القدر، أن يؤكد أن «الولايات المتحدة لا تسعى لحرب مع إيران ولكنها مستعدة للرد على أى هجوم سواء شنته جماعة وكيلة أو الحرس الثورى أو الجيش النظامى الإيراني».

الأمريكيون يريدون التفاوض مع إيران هذا هو قرار ما بعد الوصول بالأزمة إلى حافة الهاوية، فقد كشفت شبكة «سى إن إن» أن البيت الأبيض مرر الرقم الخاص إلى سويسرا باعتبارها تمثل المصالح الإيرانية مع أمريكا فى حال رغبتهم الاتصال به.

إيران لم تتصل، وربما لن تتصل لأن موقفها حددته بـ «الصمود» و«عدم التنازل» وهذا ما أجبر الأمريكيين على التراجع فى اتخاذ قرار الحرب. فالتراجع الأمريكى عن اتخاذ قرار الحرب بعد الوصول بالأزمة إلى «الذروة» لم يأت من فراغ، ولكنه جاء انعكاساً لسلسلة من الإجراءات الإيرانية المتتالية بدأت بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز ووقف دوره كممر لتصدير النفط إذا منعت إيران من تصدير نفطها، واتبعها قرار عدم التوقف عن تصدير النفط، وهو ما حدث دون أى تحرك أمريكى يتضمن تهديداً لناقلات النفط الإيرانية، وبعدها جاءت التحركات التى التقطتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية واعتبرتها تحركات عسكرية إيرانية تهدد المصالح الأمريكية، أى أن إيران رفعت جهوزيتها العسكرية للقيام بعمليات هجومية ضد أهداف ومصالح أمريكية.

تحركات اقتصادية وعسكرية إيرانية اكتملت بقرار إيرانى أصدره رئيس الجمهورية حسن روحانى (8 مايو 2019) بوقف الالتزام بالقيود المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية بموجب الاتفاق النووى عام 2015. كما حصر حسن روحانى الرد النووى الإيرانى بوقف جزئى للالتزامات الإيرانية الواردة فى الاتفاق النووى الموقع مع القوى الكبري، وربط هذا التوقف الجزئى عن هذه الالتزامات بـ 60 يوماً يمكن لإيران بعدها أن تصعد من إجراءاتها إذا لم تف الدول الأخرى الموقعة على هذا الاتفاق بالتزاماتها نحو إيران وبالذات تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية.

ليست هذه هي نهاية المطاف. فإذا كان الأمريكيون قد حددوا موقفهم بالتراجع عن قرار الحرب بعد الوصول بالأزمة إلى حافة الهاوية وطالبوا إيران بالعودة إلى مائدة التفاوض والاتصال المباشر بالبيت الأبيض، فإن الإيرانيين رددوا بأن واشنطن تعلم هى الأخرى أرقام التليفونات الإيرانية، إذا هى قبلت بالشروط الإيرانية للتفاوض المحصورة فى مطلبين أولهما التراجع الأمريكى عن فرض العقوبات الاقتصادية على إيران وثانيهما العودة الأمريكية للاتفاق النووى الموقع مع إيران الذى انسحبت منه.

مصدر الخبر
الأهرام

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.