تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الانتخابات الأوروبية وتراجع النفوذ الفرنسي

مصدر الصورة
وكالات

د. غسان العزي

مما لا شك فيه أن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي في أواخر الشهر الجاري سيكون لها الأثر الكبير في مآل النفوذ الفرنسي في الاتحاد الأوروبي الذي ما ينفك يتراجع منذ سنوات.

في الأصل، كانت فرنسا وراء فكرة الوحدة الأوروبية، وذلك منذ زمن طويل، منذ فكتور هوجو في القرن التاسع عشر، مروراً برئيس الوزراء ارستيد بريان بين الحربين العالميتين، وصولاً الى نظيره روبير شومان، بعد الحرب العالمية الثانية الذي عمل على تحقيق هذه الفكرة الحلم بعدما أقنع المستشار الألماني كونراد اديناور.

وهكذا ولدت «المجموعة الاقتصادية الأوروبية» في العام ١٩٥٧ لتسير على عجلتين: سياسية فرنسية، واقتصادية ألمانية. وغداة انتهاء القطبية الثنائية كان لفرنسا، تحت رئاسة الاشتراكي فرانسوا ميتران، فضل كبير في تحول «المجموعة الاقتصادية» الى «اتحاد أوروبي» في مقابل تسهيل عملية توحيد الألمانيتين الشرقية والغربية في عهد المستشار هلموت كول.

وقد لمعت أسماء فرنسية كثيرة في سماء أوروبا، مثل الرؤساء شارل ديجول، وفاليري جيسكار ديستان، وفرانسوا ميتران، وجاك شيراك، ووزراء مثل سيمون فيل، وجاك ديلور، وريمون بار، وغيرهم. وكان لفرنسا نفوذ كبير في المسيرة الأوروبية، لكن يبدو أن ذلك أضحى من الماضي، إذ إن النفوذ الفرنسي ما انفك يتراجع مع انضمام المزيد من الدول الى الاتحاد الأوروبي بالتوازي مع تراجع مكانة فرنسا السياسية والاقتصادية، وتزايد مشاكلها الداخلية.

في العام ٢٠١٥ نشرت مؤسسة روبير شومان دراسة تقول إن فرنسا العضو المؤسس للاتحاد الأوروبي، وصاحب النفوذ التاريخي والحضور الكبير فيه، والبلد الذي يقف خلف القرارات المصيرية فيه إلخ، من الطبيعي أن يحتل ممثلوها المراكز الأهم في مؤسسات الاتحاد كالمفوضية، والبرلمان، والمجلس. لكن الأرقام تكشف عن واقع مختلف تماماً، فالتمثيل الفرنسي يتراجع مع الوقت لمصلحة دول أخرى مثل بريطانيا، وألمانيا، وايطاليا، وبولونيا. وقد شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة في العام ٢٠١٤ تراجعاً متزايداً له، لأسباب كثيرة، من أبرزها تقدم الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة المناهضة للاتحاد الأوروبي في الانتخابات (٢٣ نائباً من أصل ٧٤، أي حوالي ثلث عدد النواب الفرنسيين في البرلمان الأوروبي)، بعد أن كانت لوقت طويل في عداد الأحزاب الضعيفة التي لا تمثيل لها في البرلمان. وهذه الجبهة (صار اسمها منذ العام الماضي«التجمع الوطني»)، تعلن مواقف مناهضة للاتحاد الأوروبي، وهدفها إضعاف مؤسساته.

ويعتقد معظم المراقبين أن هذه الظاهرة سوف تتفاقم بعد الانتخابات البرلمانية الأوروبية المزمعة أواخر الشهر الجاري. فاستطلاعات الرأي تكشف عن احتفاظ «التجمع الوطني» (الجبهة الوطنية سابقاً) بالمركز الأول الذي حظي به في الانتخابات الأوروبية السابقة، ما يعني أن أكثر من ثلث الناخبين سوف يصوتون لحزب يناهض الاتحاد الأوروبي، ويدعو لخروج فرنسا منه. أكثر من ذلك، فإن حزب «فرنسا وقوفاً» بزعامة نيكولا دوبون-اينيان قد يتخطى عتبة الخمسة في المئة فيصبح له ممثلون في البرلمان الأوروبي من المؤكد أنهم سينضمون الى الائتلاف اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان.

وتتوقع استطلاعات الرأي نفسها أن يحتفظ حزب الرئيس ماكرون «الجمهورية الى الأمام» بالمركز الثاني، كما في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، وبالتالي فان نوابه المؤيدين للاتحاد سوف يحاولون ممارسة تأثير لمصلحة ترسيخ وتقوية مؤسساته. لكن هذا الانقسام الفرنسي الصارخ في البرلمان الأوروبي ليس من شأنه سوى إضعاف موقع فرنسا فيه، وبالتالي في مؤسسات الاتحاد كافة.

وما يزيد من هذا الاحتمال أن حزب ماكرون، رغم فوزه في الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفرنسية، لا يزال طري العود، ومن دون تجربة سياسية عريقة، بالمقارنة مع الائتلافين الاشتراكي واليميني اللذين تناوبا على تشكيل الأغلبية في البرلمان الأوروبي طيلة نيف وثلاثين عاماً، وفي صفوفهما برزت شخصيات سياسية ذات تجارب مهمة. هذه الشخصيات لن تكون في البرلمان المقبل الذي سيحل فيه، على الأرجح، نواب جدد جاؤوا من أحزاب وصلت حديثاً الى السلطة، كما في إيطاليا، أو اقتربت منها، كما في النمسا وبولونيا وهنجاريا، من دون تجارب حقيقية في عالم السياسة والعلاقات الدولية. وتتوقع استطلاعات الرأي ألا يحظى الحزب الديجولي بأكثر من ١١ مقعداً (في مقابل٢٠ في البرلمان الحالي)، والاشتراكي بأكثر من خمسة مقاعد (في مقابل ١٣ حالياً بعد أن كان ٣١ في برلمان ٢٠٠٩-٢٠١٤). وعلى وجه العموم، يُتَوقع صعود الأحزاب السيادوية الشوفينية، ولكن من دون أن تخسر الأحزاب التقليدية الأغلبية في البرلمان الأوروبي، والتي سيكون حضور فرنسا ضعيفاً فيها ما ينعكس سلباً على نفوذها في الاتحاد.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.