تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

خيار الحرب واعتبارات «اللا عقلانية»

مصدر الصورة
وكالات

د. محمد السعيد إدريس:

على الرغم من كل الاعتبارات «العقلانية» التى تنفى وتستبعد خيار الحرب بين واشنطن وطهران، رغم كل التصعيد العملياتى والدعائى، فإن هناك تخوفات لها اعتبارها تخشى من اعتبارات «غير عقلانية» قد تدفع الرئيس الأمريكى وصقور فريقه الرئاسى الكبار: مايك بنس نائب الرئيس وجون بولتون مستشار الأمن القومى ومايك بومبيو وزير الخارجية إلى الاندفاع نحو خيار الحرب تحت أى ذرائع مختلقة وأى مسميات مزيفة على النحو الذى اندفع به الرئيس الأمريكى الأسبق جورج دبليو بوش (بوش الابن) لغزو العراق عام 2003 تحت ذريعة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل يجب القضاء عليها وزيف السعى لإسقاط نظام الاستبداد وتأسيس حكم ديمقراطى.

ستة عشر عاماً مضت على الغزو الأمريكى للعراق الذى كان إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق أول المهنئين به.

ذهب الرجل خصيصاً إلى واشنطن ليقدم واجب الشكر إلى الرئيس الأمريكى لأنه «حقق لإسرائيل حلماً طالما ظل يراودها وهو أن يخرج العراق نهائياً من معادلة الصراع معها»، وقتها لم ينتبه الكثيرون إلى هذه الزيارة وإلى خلفيات الشكر الإسرائيلى، ولم يتصور أحد أن رئيس الولايات المتحدة يمكن أن يورط بلاده لخوض حرب دامية ومدمرة بكل هذه التكاليف البشرية والمالية من أجل إسرائيل وأمن إسرائيل، وظل اليقين مغيباً فى حسم حقيقة وخلفيات هذه الحرب التى تأكد العالم كله أن كل المبررات الأمريكية لخوضها كانت اعتبارات مزيفة وأولها امتلاك العراق أسلحة دمار شامل حتى صدر كتاب الإعلامى الفرنسى الشهير »جون كلود موريس« بعنوان مثير وغامض »لو كررت ذلك على مسمعى فلن أصدقه«. هذا الكتاب الذى استهدف بالأساس توثيق الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 وتحرى أسبابها ودوافعها وكشف أسرارها لم يفجر فقط أكبر فضيحة لجريمة الغزو الأمريكى للعراق لكنه تحول أيضاً إلى »جرس إنذار« لخطورة أن تتكرر «الجريمة- المهزلة» مرة أخرى مع إيران فى وقت بات فيه صوت الحرب هو الأعلى، لأن ما تضمنه هذا الكتاب من معلومات تتجاوز قدرة أى عقل على الفهم والاستيعاب.

الكتاب الذى صدر أخيرا بالفرنسية وصدرت ترجمته الإنجليزية والإسبانية فى اليوم نفسه وصفته صحيفة «لو جورنال دى ديمانش» الفرنسية بأنه «مثير للذهول» لأن مؤلفه دحض أكذوبة أن الغزو الأمريكى للعراق كان بغرض البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقى أو تحقيق الديمقراطية ولكنه كشف الحقيقة الصادمة التى تقول إن هذا الغزو «كانت له صبغته الدينية المسيحية- الصهيونية الأكثر عنفاً وتطرفاً.. لا أكثر ولا أقل»!!

كشف الكتاب هذه الحقيقة الصادمة برصده نصوص المكالمات الهاتفية التى جرت بين الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش والرئيس الفرنسى (حينذاك) جاك شيراك لإقناع الأخير بالمشاركة مع الولايات المتحدة وبريطانيا فى الحرب على العراق. وأن هذه النصوص أكدت له أن جورج بوش ذهب للحرب على العراق «بحثاً عن يأجوج ومأجوج» ونقل عن شيراك قوله: »تلقيت من بوش مكالمة هاتفية غريبة فى مطلع عام 2003.. فوجئت بالرئيس الأمريكى وهو يطلب منى الموافقة على ضم الجيش الفرنسى للقوات المتحالفة ضد العراق مبرراً ذلك بتدمير آخر أوكار (يأجوج ومأجوج)». وأضاف شيراك أن الرئيس الأمريكى أكد له أن «يأجوج ومأجوج مختبئان فى الشرق الأوسط قرب مدينة بابل العراقية القديمة وأن بوش أكد له بالحرف الواحد أن الحرب على العراق حملة إيمانية مباركة يجب القيام بها، وواجب إلهى مقدس أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل».

جاك شيراك ذكر للمؤلف أنه «صعق عندما سمع هذا الكلام، وأن تلك المكالمة ليست مزحة وأن بوش كان جاداً فى كلامه وفى خرافاته وخزعبلاته السخيفة».

خرافات وخزعبلات سخيفة لكنها الحقيقة التى يمكن أن تتكرر مع دونالد ترامب الأكثر التصاقاً بتيار «الصهيونية- المسيحية» فى الولايات المتحدة، والأكثر تعاطفاً مع الحركة اليهودية. ابنته ايفانكا يهودية، وزوجها جاريد كوشنير مستشار ترامب للشرق الأوسط يهودى داعم للاستيطان، ونائبه مايك بنس، ومستشاره للأمن القومى جون بولتون الأكثر التصاقاً وإيماناً بروايات تيار «الصهيونية- المسيحية» وخاصة معركة «آخر الزمان» والواجب الأمريكى التاريخى لنصرة إسرائيل، ووزير خارجيته مايك بومبيو من أكثر المتشددين ضد إيران، والأكثر دعماً لمطالب الأمن الإسرائيلى وفى القلب منها تدمير القدرات العسكرية الإيرانية.

هل يمكن أن يذهب ترامب للبحث عن «يأجوج ومأجوج فى إيران». السؤال ليس مستغرباً رغم وجود دوافع أخرى أكثر عقلانية ترجح خيار الحرب ضد إيران. فهذا الخيار يحقق للرئيس الأمريكي ثلاث مصالح؛ فهو أولاً سيكون انتصاراً لإسرائيل وتحقيقاً لهدف من أغلى أهدافها ، لأن إسرائيل مسكونة بالخطر الإيراني على وجودها، وأن إيران هى الدولة الوحيدة فى منطقة الشرق الأوسط التى تكن لها العداء والتي ترفض الاعتراف بها وتهدد وجودها وتمتلك أسلحة قادرة على تدميرها.

وسيكون ثانياً ورقة رابحة فى العلاقة مع الحلفاء العرب فى الخليج تؤكد لهم أهمية المراهنة على الحليف الأمريكى، وستكون ثالثاُ فرصة لكسب آلاف المليارات من الدولارات الخليجية ثمناً للقيام بمهمة التصدى لإيران، وهى المليارات التى يحتاجها الاقتصاد الأمريكى، والتى يمكن من خلالها إقناع الناخب الأمريكى بتجديد ولاية ثانية للرئيس ترامب فى الانتخابات التى ستجرى فى نوفمبر من العام المقبل.

رغم ذلك فإن خيار الحرب غير مضمون مع دولة مثل إيران، والدفع بـ 120 ألف جندى أمريكى للمشاركة فى الحرب ضد إيران، حسب ما يريد جون بولتون يمكن أن يكون «فرصة» لإيران، على نحو ما أكد القائد الجديد للحرس الثورى الإيرانى الجنرال حسن سلامى أمام لجنة برلمانية خاصة ، لأن هذه القوات ستكون «صيداً ثميناً» للأسلحة الإيرانية وعندها تسقط كل أحلام وطموحات دونالد ترامب وهذا بدوره عامل موازن معاكس لاعتبارات ترجيح خيار الحرب.

لكن سيبقى الخيار الآخر محتملاً فخيار الحرب، وإن كان خياراً «غير عقلانى» إلا أن الحروب تتفجر فى كثير من الأحيان لأسباب «غير عقلانية» خصوصاً وإن كان من يملك القرار فى واشنطن مسكوناً هو الآخر بدوافع «غير عقلانية» على شاكلة الحرب ضد «يأجوج ومأجوج»، اعتقاداً منه أنه يخدم ويحقق رغبات «الرب» ويحقق الأمنيات الموعودة «للشعب المختار».

مصدر الخبر
الأهرام

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.