تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تراجع ترامب... وسيتراجع أيضاً..!!

ترامب
مصدر الصورة
وكالات

إنّ قوة أي رئيس دولة أو حاكم تتأتى من قوة البلاد التي يحكمها؛ وقد يزيد وجود شخص معيّن في سُدة الحكم من قوة الدولة وقد يضعفها، والأمثلة كثيرة وعديدة. ولكننا في هذا المقال سنركّز على دور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودلالات وصوله إلى الحكم ونتائج رئاسته للدولة التي بدأت بالخروج من مرحلة ما سمّي بالأحادية القطبية.

إنّ العالم يتغيّر، وما اعتدنا على أنه يمثل قواعد ثابتة أو مسلمات في الحكم لم يعد كذلك، حتى في الدول الغربية أو التي كانت تمثل الديمقراطيات العالمية، والولايات المتحدة ليست استثناء. الشعوب تحب التغيير وترجوه دائماً، حتى لو لم تكن الوجهة معروفة أو النهاية السعيدة مؤكدة. وليس من فراغ أن أختار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما شعار "التغيير" لحملته الانتخابية. التغيير قد لا يكون إيجابياً بشكل مباشر، ولكنه حراك يعطي الأمل بغد أفضل أو مختلف، أو بخلق وعد بالتجديد. وهذا ما عكسته الانتخابات البرلمانية الأوروبية الشهر الماضي. تقدّمُ اليمين والشعبويين وأحزاب "الخضر" يؤكد حاجة الشعوب للتغيير. البريكست البريطاني هو خطوة نحو المجهول/ التغيير الذي فتح الباب عليه رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون دون أن يدرك إلى أين وكيف ستؤول الأمور، كما تبيّن لاحقاً.

اختيار الرئيس ترامب ووصوله إلى البيت الأبيض، هو كسر للتقاليد الانتخابية الأمريكية، وقد يتكرر ذلك العام المقبل إذا استمر الاقتصاد الأمريكي بالتحسن ولم يخسر ترامب حروبه التجارية التي يخوضها؛ وإذا لم يتورط الجيش الأمريكي بحرب جديدة لأنه سيخسرها وبالتالي سيخسر ترامب فرصة العودة للبيت الأبيض. الرئيس ترامب ليس "غبياً" وليس "أهوجاً" كما يحاول البعض تصويره؛ فالشخص الناجح في الاقتصاد والقادر على جمع ثروة تُقدّر بملايين الدولارات، وفي الوصول إلى رئاسة أقوى دولة في العالم ليس غبياً وليس أحمقاً؛ هو نموذج مختلف وغريب عما نعرفه؛ إنه صورة المرحلة الانتقالية التي يعيشها العالم ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية قبل الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب بقيادة روسيا والصين، يعكس الواقع الدولي الجديد.

الرئيس الأمريكي يقاتل على عدة جبهات ولكن ليس بالسلاح والقوة العسكرية؛ العسكر موجودون في خلفية المشهد للتذكير بالقوة الأمريكية، ولكنّ استخدام هذه القوة أمر آخر؛ حرب هذه الأيام تجري في وسائل الإعلام وقاعات الدبلوماسية وشبكة الإنترنيت، ومن يخطو الخطوة الأولى والأسرع والأكثر تقدماً نحو عالم الغد التكنولوجي يتسيّد المستقبل. كل صباح أو مساء يغرّد ترامب على "تويتر" فيعلن حرباً وينهي أخرى ويهاجم دولة ويهادن ثانية... إنها حرب الكلمات والتكنولوجيا؛ بضع أسطر أو كلمات من الرئيس الأمريكي كانت كافية لتراجع الاقتصاد التركي وهبوط الليرة التركية أو غيرها.

بعض الدول خضعت للترهيب الترامبي، مثل دول الخليج العربي، وسلّمت أمرها وقيادها لحاكم البيت الأبيض؛ بعض الدول قاومت وصمدت مثل سورية وفنزويلا، وكان في خلفية المشهد السوري والفنزويلي كلاً من الصين وروسيا لدعم الانتقال إلى النظام العالمي الجديد. كوريا الديمقراطية (الشمالية) تحدّت وصمدت وفاوضت من موقع قوة ذاتية وتوازن عالمي جديد، فاضطر الرئيس الأمريكي للتراجع، لأن المضي في التحدي مكلفٌ أكثر، والأمر ليس مسألة مكابرة. إيران بدورها تتحدى التهديد الأمريكي الترامبي وتجبر "الاستكبار العالمي" على الانكفاء. الصين ترفع سقف التحدي في الحرب التي تخوضها ضدها الولايات المتحدة بقيادة ترامب؛ الحرب الأمريكية التجارية ضد الصين هي واجهة للحرب التكنولوجية الحقيقية؛ هي واجهة لحرب القمة؛ "قمة العالم" التي صار الصراع عليها مكشوفاً بين الولايات المتحدة المتراجعة والصين المتقدمة بالتنسيق والتعاون والتكامل مع روسيا.

تراجعَ ترامب في العديد من الجبهات وسيتراجع أكثر قبل انتخابات تشرين الثاني من العام القادم؛ سيضطر ترامب للقتال تراجعياً لتغطية الانسحابات المُذلّة المتتالية؛ حالة الفشل في فنزويلا ستشكل نموذجاً؛ فشلٌ في تحقيق الأهداف؛ تحميلُ طرفٍ ما المسؤولية (جون بولتون وانشقاقات المعارضة الفنزويلية) والتبرؤ مما حصل. لكنّ الحرب مع الصين أمر آخر، لا تكفي تغريدات ترامب لتغطيتها ولا للتراجع عنها؛ ربما لم تكن الصين ترغب بمثل هذه الحرب، ولكنّ التوتر الأمريكي والخوف من الغد الآتي، فرض على ترامب الدخول في معركة لا يعرف نهايتها؛ ربما يتمكن من إدارة الأزمة وتنظيم التراجع الأمريكي الحتمي؛ أي إبطاء تقدّم الصين للمركز الأول؛ إبطاء تشكل عالم متعدد الأقطاب، ولكن ليس منع حدوث ذلك..!!!

بديع عفيف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.