أن يقول وزير خارجية خليجي "بالمبلغ الذي حاولنا , عبثاً , أن نشتري به ذلك الضابط السوري , كان بامكاننا أن نشتري به الجنرال جوزف دانفورد" , أي رئيس هيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة .
الذين أحذيتهم أكثر عنفواناً , وأكثر كبرياء , من تلك القامات التي تظن أنها مرصعة بالذهب , وهي المرصعة ... بالتنك !
كلام ليس فقط من عندنا , ونحن ننحني لأولئك الأبطال الذين يرتفع بهم التراب , ويرتفعون بالتراب , بل من الوثائق, والمقالات , والأبحاث , العالمية . هذا جيش صنع المعجزات . ما حدث على الأرض يفوق الخيال . أليسوا الجبال تمشي على الأرض ؟!
البنتاغون اياه تحدث عن 400 جبهة في الميدان . أي جيش في التاريخ قاتل على مثل هذا العدد من الجبهات , وبأساليب كانت تفرضها ظروف اللحظة ؟ قهرمانات هذا الزمان كانوا يراهنون على تفكك المؤسسة العسكرية في سوريا بين ليلة وضحاها .
الضغوط الميدانية , والضغوط السيكولوجية , فوق التصور . استعيدوا مشاهد تلك الأيام , واشهدوا لجيش اسطوري لم يكن ليعرف الراحة , ولو لهنيهة . هنيهة واحدة على مدار الساعة , على مدار الأيام , على مدار الأشهر , بل وعلى مدار السنوات , بين النيران , فوق النيران .
مستشارون , وضباط , أميركيون , وأوروبيون , واسرائيليون , وأتراك , من أصحاب التجارب الكبيرة , كانوا على الأرض , أو في غرف العمليات , للتخطيط كما للتنفيذ . أكثر الأسلحة , والأعتدة , تطوراً , وضعت بين أيدي ما يناهز المائة ألف مقاتل من أصقاع الدنيا , وقد التحق بهم من التحق .
نائب مدير الاستخبارات في البنتاغون ديفيد شيلد أحصى أكثر من 1200 فصيل . زميل بريطاني قال لي "لو كان للجيش الأميركي أن يقاتل بمثل تلك الفاعلية , وبمثل تلك الظروف المستحيلة , لكنت تجد هوليوود تنتج آلاف الأفلام على امتداد سنوات حافلة بالأهوال" .
ولندع الاسرائيليين الذين توقعوا سقوط دمشق في غضون أيام , يقرون , الآن , بأنهم أمام جيش من أكثر جيوش العالم حرفية , وديناميكية , وقابلية لخوض الحروب الأشد تعقيداً.
الخبير الاستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان , وقد هاله التماسك الفولاذي للمؤسسة العسكرية , لم يتردد في القول "لكأننا أمام مشاهد من الميتولوجيات القديمة" .
كل الاغراءات , وكل المليارات , وكل الأبواق التي نفخوا فيها لتأجيج الغرائز , على أنواعها , لم تتمكن من أن تحدث أي تصدع , مهما كان ضئيلاً , في الجيش السوري . تلك الحالات الفردية , والمرضية , التي ظهرت في الأشهر الأولى , ما لبثت أن أخذت شكل الدمى , الدمى العالقة بين براثن البرابرة .
ضابط منشق , وقد بدا محطماً , التقيته في عاصمة عربية, قال لي "لا أدري كيف أغتسل من تلك الخطيئة . من الشهر الرابع , شعرت بأنني أصبحت رهينة العار. لن يخطر في بالك كيف كان مسؤولو الاستخبارات الأتراك يتعاملون معنا . حين اتذكر يتفتت هيكلي العظمي . ذلك التراب العظيم الذي ترعرعت فيه يصرخ في وجهي" .
أولئك الذين وقعوا في الاغواء , أو في بارانويا السلطة , الى أي قطاع انتموا , سرعان ما لاحظوا أنهم الحيوانات الصغيرة في غابة للفيلة . هكذا قال أحد كبارهم في باريس بعدما اعتقد أنه على قاب قوسين من القمة . اتصل بي معلقاً على احدى مقالاتي "حقاً , لقد كنا على شاكلة ... أكياس الشعير" .
مؤازرة الحلفاء , والأصدقاء , بدأت بعدما أخفق عرابو السيناريو في تقويض الدولة في سوريا . الخطة (ب) كوكتيل من القوات الاسرائيلية والعربية , تتقاطع , في نقطة ما , مع القوات التركية لتأخذ الحرب منحى آخر . الدول تقاتل مباشرة , بدعم صاروخي أميركي , لا عبر المرتزقة ولا عبر الانكشارية .
الخطة (ب) ماتت في المهد . في عيد الجيش , أن تزهو الجبال بالرجال . الجبال التي تمشي على الأرض ...
نبيه البرجي