تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

نفير عام في بريطانيا: جونسون نحو معركة «كسر» البرلمان

مصدر الصورة
وكالات

نادين شلق

تدخل المملكة المتحدة مرحلة حسّاسة، تسبق المهلة النهائية للخروج من الاتحاد الأوروبي في 31 تشرين الأول. ولعلّ من أبرز معالم هذه المرحلة معركة منتظرة بين الذراع التنفيذية والسلطة التشريعية، التي يعمل أعضاء فيها على ثني حكومة بوريس جونسون عن الذهاب في اتجاه الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، إن عبر طرح الثقة به أو عبر ممارسة ضغوط هائلة عليه، قد يتجنّبها بالدعوة إلى انتخابات مبكرة مباشرة بعد «بريكست».

كما سالفته تيريزا ماي، يبدو رئيس الحكومة البريطانية الحالي، بوريس جونسون، مصرّاً على استكمال «بريكست» بأي ثمن، ولو كلّفه ذلك الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. اقتربت المهلة النهائية لتحقيق وعده هذا، وباتت بريطانيا مع اقترابها قاب قوسين أو أدنى من مواجهة أسوأ مصائرها، على اعتبار أن مجرد فكرة الخروج من التكتل من دون اتفاق تثير انقساماً حاداً بين مختلف الأحزاب وضمن الحزب الواحد، وهو ما كانت قد حققته ماي، بالفعل، عبر توصلها إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي رُفض من قِبَل مجلس العموم مرات عديدة، وأدى إلى تمدّد الانقسام في حزبها ما بين مؤيد للخروج ومعارض له، إلى ما بين مؤيد للخروج ومعارض له مع اتفاق أو من دونه.

ولكن بخلاف المقاربة الدبلوماسية التي اعتمدتها ماي تجاه الاتحاد الأوروبي، وتفادياً للوصول إلى عبارة استسلامها، حين قالت: «لم أتمكّن من تسليم بريكست»، يلعب جونسون منذ انتخابه إلى اليوم على أوتارٍ عديدة. يرفع النبرة، ويصعّد الخطاب، ويضرب بالخيار الدبلوماسي والتفاوضي مع التكتل عرض الحائط. يناور ولا يحاور، مُدركاً ربما أن من لا يريد الخروج من دون اتفاق في الداخل سيقيه في نهاية المطاف شرّ خياره، أو معتمداً على نظرية مفادها أن أسوأ ما قد يحصل هو الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة، قد يكون من الصعب إجراؤها قبل المهلة النهائية للخروج من الاتحاد في 31 تشرين الأول المقبل، ما يعني تحقيق وعده، ولكن ليس من دون أضرار.

يسعى حزب «العمّال» إلى التصويت على سحب الثقة من جونسون بعد عودة البرلمان

لذا، وسط شبه اليقين المتعاظم بأن المملكة المتحدة متجهة إلى خروج طوعي من دون اتفاق، وفي ظلّ التوقعات بأن الفصل الجديد من الأزمة السياسية البريطانية سيشهد اللجوء إلى انتخابات، بات من الواضح أن الساحة تستعد لمواجهة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. لا يزال من غير المعروف كيف سيحدث ذلك، ولكن التحركات التي خيضت خلال الأيام الماضية كانت كفيلة بتكوين نظرة عمّا يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من تحدّيات لحكومة جونسون بوجه البرلمان، الذي يسعى إلى ثنيها عن «بريكست» من دون اتفاق. ثلاثة منطلقات ستُبنى عليها هذه المرحلة: غالبية برلمانية شائكة أو ضئيلة يتمتع بها جونسون، ومعارضة تزن اقتراحاً بحجب الثقة، واحتمالات بإجراء انتخابات عامة خلال عام 2019.

من جهة، تبدو السيناريوات التي ستؤدي إلى تقدّم خيار طرح الثقة على الانتخابات كثيرة، خصوصاً أن الغالبية الضئيلة التي يتمتع بها جونسون لن تتمكّن من إفشال هذا الطرح، فضلاً عن ميلٍ لدى عدد من نواب «المحافظين» إليه. وفي هذا الإطار، يعمل نواب من مختلف الأحزاب على خطة لإحباط «بريكست» من دون اتفاق، من خلال السعي إلى إجبار البرلمان على الحضور خلال عطلته. يأتي ذلك فيما أعلن حزب «العمّال» أنه يتواصل مع غيره من المجموعات المعارِضة، في شأن إجراء تصويت سريع على سحب الثقة من جونسون، عند عودة البرلمان من عطلته في أيلول المقبل. في هذه الحال، إذا خسر جونسون في التصويت، فستكون هناك مهلة من 14 يوماً من أجل تأليف حكومة بديلة، من غير المحتمل أن يرأسها زعيم «العمّال» جيريمي كوربن، نظراً إلى أنه لا يملك الدعم الكافي بين الأحزاب لدخول «داونينغ ستريت». وعليه، يبقى هناك خيار تأليف حكومة «وحدة وطنية» مؤقتاً، من أجل تأخير «بريكست» إلى حين إجراء انتخابات جديدة أو استفتاء جديد، الأمر الذي يعني الحاجة إلى وقت لن يكون متوافراً.

مجرد فكرة الخروج من التكتل من دون اتفاق تثير انقساماً حاداً بين مختلف الأحزاب (أ ف ب )

ولكن من جهة أخرى، لدى جونسون القدرة على مواجهة هذا الخيار، عبر الذهاب إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة. هذه الخطوة لن تكون سهلة أيضاً، ولا سيما أن القانون الذي أقرّ عام 2010 يحصر الأمر في حالتين تجيزان الدعوة إلى انتخابات عامة، وهما إمّا موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، أو إذا ما خسرت الحكومة الثقة. وإذا لم يحصل أي من ذلك، فإن الانتخابات لن تُجرى قبل عام 2022. بالنسبة إلى الخيار الأول، لجأت إليه تيريزا ماي في عام 2017، عندما دعت إلى انتخابات قبل ثلاث سنوات على الوقت المحدّد لها. أما في حال خسرت الحكومة ثقة مجلس العموم، ولم يجرِ تأليف حكومة أخرى، فسيكون لجونسون ما يريد أيضاً، إذ ستُجرى الانتخابات في الوقت الذي يراه مناسباً، والذي سينصح به الملكة. معارضو «بريكست» من دون اتفاق يتخوفون من أن يُقدِم جونسون على تحديد وقت الانتخابات مباشرة بعد 31 تشرين الأول، ما يسمح لبريطانيا بالخروج من الاتحاد من دون اتفاق خلال الحملة الانتخابية، أي عندما لا يكون هناك برلمان لإيقاف ذلك. وهو الأمر الذي دعا كوربن إلى تفاديه، معتبراً أن «خروجاً من الاتحاد الأوروبي خلال حملة انتخابية سيشكّل إساءة غير مسبوقة وغير دستورية وغير ديموقراطية».

يبدو رئيس الوزراء متسلّحاً بحجج منطقية في تبنّي خيار الدعوة إلى إجراء انتخابات

لكن في المقابل، يبدو جونسون متسلّحاً بحجج منطقية في تبنّي خيار الدعوة إلى إجراء هذه الانتخابات، إذ إن لديه غالبية حاكمة في البرلمان بفارق مقعد واحد فقط، ما يعني أنه لا يملك ما يكفي من الأصوات من أجل تمرير تشريعات، أو حتى أجندة «المحافظين». هذا فضلاً عن أن الدعوة إلى إجراء انتخابات ستوقف مساعي طرح الثقة، ذلك أن النواب لن يكونوا نواباً عندها، بل سيكون عليهم العمل مجدداً للحصول على مقاعدهم. أيضاً، ما يمكن أن يقنع عدداً من «المحافظين»، الذين ينظرون إلى رئاسة الحكومة على أنها ميزة انتخابية، بالوقوف مع هذا الخيار، هو أنهم يأملون أن يتمكن جونسون من جذب الناخبين المحبَطين من عدم استكمال «بريكست»، وهو ما يرونه فوزاً محتملاً، خصوصاً أن إجراء انتخابات في الوقت الذي لا تزال فيه بريطانيا داخل الاتحاد ــــ وهو الخيار الذي تفضّله المعارضة ــــ يُعدّ أمراً غير جذّاب بالنسبة إلى «المحافظين» الذين شهدوا انخفاض عدد أصواتهم واستحواذ حزب «بريكست» الذي يرأسه نايجل فاراج عليها.

المعركة مع السلطة التشريعية لن تكون بسيطة، وقد أسهم رئيس مجلس العموم، جون بيركاو، في توضيح معالمها، عندما أعلن أنه سيقاتل «بكل نَفَس في جسدي» من أجل منع جونسون من وقف العمل في البرلمان، وبالتالي فرض تمرير «بريكست» من دون اتفاق بعيداً عن موافقة مجلس النواب. وقد تشكل تدخلات بيركاو، والاتصالات التي يقوم بها وزير المال السابق فيليب هاموند مع المعارضة، مفاصل أساسية في الأسابيع المقبلة، في الوقت الذي يسعى فيه معارضو الخروج من دون اتفاق إلى إيجاد طريق برلماني من أجل صدّ الخطط القاضية بإخراج المملكة المتحدة في 31 تشرين الأول، مع اتفاق أو من دونه.

في كل الأحوال، سيحافظ جونسون على حدّة خطابه، معتمداً على توازن معيّن، عبر استفزاز الأعضاء المعادين له في البرلمان، في ما قد تكون نتيجته بقاء خيار واحد متاح أمامهم، لتفادي بقية السيناريوات، وهو إجباره على السعي إلى تمديد مهلة «بريكست»، ما يعني حصوله على «البعبع» الذي سيلقي عليه اللوم، من أجل الحفاظ على قاعدته الانتخابية المطالِبة بالخروج من الاتحاد الأوروبي بأي ثمن.

مصدر الخبر
الأخبار

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.