تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

غيوم سوداء بين الهند وباكستان

مصدر الصورة
عن الانترنيت

محمود الريماوي

تشهد العلاقات بين الهند وباكستان، توترات متزايدة منذ الرابع من آب الجاري، لدى صدور قرار رئاسي هندي بإلغاء الحكم الذاتي لإقليم جامو وكشمير في المنطقة الحدودية بين البلدين.

تنفيذ القرار سبق صدوره بيوم واحد؛ إذ انتشر آلاف الجنود الهنود في الإقليم وأوقفت خدمة الاتصالات، وجرى التحفظ على قيادات الإقليم بوضعهم قيد الإقامة الجبرية. القرار أثار سخط الجارة باكستان؛ إذ إنه وضع الجنود الهنود قبالة الجنود الباكستانيين بعد أن تمت عملياً، إزالة نقاط الحواجز بين الجانبين.

والإقليم مقسم بين الهند وباكستان والصين، مع أرجحية في المساحة للسيطرة الهندية. وعلى الرغم من تمتعه بالحكم الذاتي، فإن السطوة الهندية كانت واضحة على الإقليم ذي الأغلبية المسلمة، التي تحظى بدعم باكستاني. وكل من الطرفين يلقي باللائمة على الآخر في الوضع غير المستقر.

وتعتبر إسلام آباد أن وصول القضية إلى مجلس الأمن في الأيام الأخيرة انتصار لحملتها الدبلوماسية، وتلقى في ذلك دعماً من بكين. أما واشنطن فتحاول التواصل مع الجانبين لإبعاد شبح مواجهة خطيرة بين الجارين النوويين، فيما تحتفظ موسكو بعلاقات صداقة تقليدية مع الهند موروثة من مرحلة الاتحاد السوفييتي.

غير أن موسكو تتجنب التعارض في سياستها مع الصين حول هذه المسألة، كما تتفادى الانشغال المباشر في أحوال شبه القارة الهندية التي تعج بنحو ملياري نسمة، وبما لا يحصى من أعراق وأديان، مع غلبة هندوسية في الهند وإسلامية في باكستان وبنجلادش. أما الهند فترفض إحالة المسألة إلى الأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن بالذات، وترى أن كشمير قضية هندية داخلية، علماً بأن الوضع الخاص لإقليم جامو وكشمير، يعود إلى أكثر من 70 عاماً، ويرتبط باتفاقية الاستقلال عن التاج البريطاني. وبينما كان الطرفان يتبادلان مناوشات دبلوماسية وإعلامية، كانت منطقة الحدود تشهد قبل أيام، اشتباكات موضعية ومتقطعة بين الجانبين، ربما للتدليل والبرهنة على ألا شيء يثير الاطمئنان بين الجانبين، وأن القادم قد يكون أسوأ. وهذا هو واقع الحال للأسف. فالأمتان الكبيرتان تشحذان أسلحتهما ولا تنفكا ترددان عبارات تتسم بالعداء الشديد، لدرجة أن باكستان اعتبرت يوم استقلال الهند يوماً أسود، علماً بأن تاريخ استقلال البلدين متقارب وقد صادف أغسطس من كل عام، لكن استقلالهما اقترن بأول حرب بينهما في العام 1947من جملة أربع حروب.

وهكذا فإن التراث المتبادل بين الدولتين قلما يزخر بأوجه الهدوء والتعاون (حدث مثل ذلك إبان حكم الهند من قبل حزب المؤتمر.. حزب نهرو وغاندي)؛ إذ إنه خلاف ذلك تراث القطيعة والعداء، وقد تغذى من أجواء الحرب الكونية الباردة، حيث كانت الهند أقرب إلى المعسكر الاشتراكي، فيما دارت باكستان في الفلك الأمريكي آنذاك. غير أن زوال الحرب الباردة لم ينعكس إيجاباً على البلدين؛ إذ ازدهر صراع الهويات الثقافية والعرقية جنباً إلى جنب مع التضخم العسكري، وتشاء الظروف أن يصل إلى سدة الحكم في الهند تيار متشدد من حزب جاناتا (الشعب) الذي يرفع راية القومية الهندوسية في بلاده، وسط أجواء عالمية يتفشى فيها التعصب القومي و«الهوياتي». والأمر الذي لا يسجل لصالح دعاوى الهند في هذا الطور الجديد من التوتر، أن النظام السياسي فيها اتحادي شبه فيدرالي، وتتمتع الولايات بهامش واسع من التدبير الذاتي، بما يجعل من وضع إقليم جامو وكشمير طبيعياً في تمتعها بالحكم الذاتي، علاوة على خصوصية التركيبة السكانية.

فلماذا يتم استثناء الإقليم من دون الولايات الأخرى التسع والعشرين، ومنع أبنائه من الاستفادة من كل فرص التسيير الذاتي؟.

أما باكستان فلا تستطيع أن تنفي صلتها بتنظيمات مسلحة في الإقليم معارضة للحكم الهندي، وتطالب هذه الجماعات بما هو أبعد من مجرد الحكم الذاتي.

وهكذا يعيش البلدان بعد سحب السفيرين من العاصمتين، ووقف مختلف مظاهر التبادل التجاري (بما فيها الأفلام والمسلسلات الهندية)، أجواء طوارئ قصوى، فيما تتفادى باكستان من جهتها التصعيد العسكري، وتختار المواجهة الدبلوماسية والقانونية والإعلامية حول كون الإقليم إمارة مستقلة عبر التاريخ، لكن أحداً لا يحتكم إلى الدعاوى التاريخية حين يتعلق الأمر بدول كبرى مثل الهند.

وبما أن مشكلة كوريا لم تحل بعد على الرغم من البدايات الواعدة، فإن المخاوف تزداد من أن تتحول آسيا إلى مسرح لنزاع مدمر، ينعكس على العلاقات بين المراكز الدولية. وهو ما تراهن عليه باكستان، فيما تراهن الهند على ميزان قوتها العسكرية والاقتصادية، وتستلهم ضم شبه القرم من طرف روسيا قبل خمس سنوات، كي تكرر السابقة في كشمير.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.