تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. وائل عواد يكتب من الهند:العلاقات الهندية الفرنسية - شراكة استراتيجية إلى ما وراء جنوب آسيا

حافظت الهند وفرنسا على علاقات متينة طيلة العقود السبع الماضية  بعد الاستقلال وبقيت المواقف متطابقة حول العديد من الملفات الإقليمية والعالمية  .كانت فرنسا الدولة الأوروبية الوحيدة من بين دول أعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية التي دعمت تحّول الهند نوويا" عام 1998 بوخران -2 في الوقت التي فرضت معظم الدول العظمى عقوبات اقتصادية وحرمت الهند من الحصول على التكنولوجيا .وزادت من التعاون النووي في المجال السلمي بينهما ووقعت على عدة اتفاقيات للتعاون في عام 2010 .

باريس كانت وما زالت الأقرب للموقف الهندي تجاه التعاون النووي ووقعت معها على اتفاقيات للتعاون النووي منذ ستينات القرن الماضي .

والهند بدورها تجد في قصر الأليزيه الشريك الموثوق به .وبدأت نيودلهي بتوسيع دائرة علاقاتها الاستراتيجية مع الدول العظمى وتم التوقيع على الشراكة الاستراتيجية الهندية الفرنسية عام 1998 لتتطابق المواقف بين البلدين وتعزيز التعاون العسكري والأمني والمناخي بينهما .

خلال تغطيتنا لـ حرب كارغيل في إقليم  جامو وكشمير عام 1999 ، كانت مدفعية البوفور سويدية الصنع التي استخدمت لأول مرة ، تدك معاقل المسلحين بدقة فائقة  بمساندة  طائرات الميراج الفرنسية الحربية  التي قصفت بدقة  معاقل المسلحين والجنود الباكستانيين على القمم الكشميرية مما سّرع في إعادة الاستيلاء عليها من قبل الهند وانتهت حرب كارغيل التي كادت أن تؤدي إلى حرب رابعة بين الهند وباكستان في إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين .

حظيت نيودلهي بأهمية استراتيجية في مذهب الدفاع الفرنسي عام 2013 وتعد سياسة الأمن في آسيا باسيفيك مهمة مستقبلية على الرغم من الرباعية بين الهند والولايات المتحدة واليابان واستراليا خاصة إذا ما تم  توأمة  الجزر بينهما إذ تتمتع فرنسا بنفوذ في غرب المحيط الهندي امتدادا" من جزر لاريونيون  ومايوت إلى أبو ظبي وجيبوتي وبين جزر اندامان ونيكوبار الهندية  على المحيط الهندي الشرقي وضم دول مقربة للهند لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة  وبناء القدرات وزيادة التنسيق ومحاربة الإرهاب البحري والقرصنة وغيرها.

التعاون العسكري والأمني

ضمن اتفاقيات نقل التكنولوجيا ،هناك العديد من المشاريع العسكرية المشتركة منها غواصات سكوربين الحربية وتجميع ست غواصات حربية وتزويدها بصواريخ مضادة للسفن وتقدر قيمة المشروع ب 3 مليار دولار ، كذلك  تحديث طائرات ميغ 2000 بقيمة 3 مليار دولار ومشروع انتاج صواريخ أرض جو(سبرام) بالإضافة إلى التعاون في مجال الفضاء بين المركز الوطني الفرنسي للفضاء (سنيس) و منظمة البحوث الفضائية الهندية(اسرو).

ومن المتوقع أن تبيع باريس غواصة نووية للهند قد تغير من المعادلة العسكرية في المنطقة والقدرات الدفاعية للهند

كما أن التدريبات العسكرية البحرية والجوية ستعطي زخما" جديدا" وبعدا" استراتيجيا" للدور المنوط بالهند في إيجاد توازن في منطقة آسيا باسيفيك .

أوجه الخلاف والتقارب

هناك خلافات بين البلدين حول عدد من الملفات مثل حركة كانك للاإستقلال في كاليدونيا الجديدة وضرورة الإستفادة من النفوذ الهندي وسط الجالية الهندية هناك .وكذلك رفض الهند التصويت في مجلس الأمن ضد ليبيا في الحرب ضد الزعيم الراحل معمر القذافي .

وتسعى نيودلهي للاستفادة من النفوذ الفرنسي في أفريقيا في منطقة الفرانكوفونية التي من شأنها أن توسع من دائرة النفوذ الهندي المتنامي في القارة الافريقية .

ومن المعروف أن الهند لعبت أيضا" دورا" هاما" في اتفاقية باريس 2015 حول التغيير المناخي وأطلق البلدان التحالف الدولي للطاقة الشمسية.

هذا التقارب المتين بين البلدين لا يشوبه أي شائبة ولا توجد معارضة داخلية له في شبه القارة الهندية .كما تربط رئيس الوزراء ناريندرا مودي علاقات شخصية طيبة مع الرئيس الفرنسي ماكرون بعد صفقة طائرات رافال الحربية ال 39 التي سيتم تزويد الهند بها  والتي تقدر بحوالي 10 مليار دولار،على الرغم من المعارضة الداخلية الهندية والإتهامات بدفع الرشاوى .

ولذلك بعد الفوز الساحق لحزب بهارتيا جاناتا في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة  فإن زيارة رئيس الوزراء الهندي الحالية لفرنسا سوف تعزز التعاون بينهما في العديد من المجالات العسكرية والأمنية والقضائية والمناخية والتعاون في مجال محاربة الإرهاب والأمن الرقمي والذكاء الاصطناعي وتطوير التكنولوجيا الرقمية والإرتقاء بالقوة الهندية الصاعدة إلى ماوراء جنوب آسيا.

 بعيدا" عن التقارب بين حكومتي البلدين ،يبقى من المهم أن  تعزز الدولتين أواصر التعاون بين شعبيهما وبين الشركات للاستثمار وتوفير المناخ المناسب وإعادة النظر باتفاقيات الاستثمار المتبادل  كي يتسنى  مشاركة الشركات الفرنسية في مشاريع البنية التحتية لبناء مدن ذكية  توفرها الهند للمستثمرين الأجانب.

أضف إلى ذلك ،  تغيرت قواعد اللعبة بعد التقارب الهندي الأمريكي ومحاولة الضغط على الصين لتحجيم دورها و الحد من نفوذها الإقليمي والعالمي، ومحاولة الهند ايجاد مجالها الاستراتيجي في منطقة المحيط الهادئ ، من شأنه أن يعطي بعدا" جديدا" للتقارب بين البلدين في المعادلة الجديدة مع انحسار النفوذ الأمريكي في العديد من مناطق نفوذها  في العالم سابقا".

فرنسا التي  تريد أن تعيد مجدها الضائع ،تبحث عن شركاء لها  في المنطقة مثل الهند واليابان  لإعادة نفوذها العالمي،وبدورها الهند الجديدة  القوة الناهضة الطموحة ،  تواقة لإيجاد مكانتها العالمية .لذا يبدو أن الوقت الحالي مناسب أكثر لكل من الهند وفرنسا للعب دور ريادي في المنطقة وإعادة رسم معالم النظام العالمي الجديد والتحالفات الدولية على الرغم من المصاعب والتحديات .

 

                                                     الكاتب الصحفي السوري المقيم في الهند

                                                                     د.وائل عواد 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.