تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فكرة بلاد الشام

مصدر الصورة
عن الانترنيت

يحيى زكي

قرأت ذات مرة عن قرية معلولا السورية التي لايزال معظم أهلها يتحدثون اللغة الآرامية، لغة السيد المسيح، عليه السلام، وقرأت ما كتبه المفكر اللبناني المسيحي نصري سلهب، عن النبي الكريم، أما دور المفكرين المسيحيين الشوام في الارتقاء باللغة العربية وآدابها، فيحتاج إلى جهد خاص، وإذا ابتعدنا قليلاً عن المنتج الثقافي، أو النخبوي، ودققنا النظر في تركيبة بلاد الشام السكانية، لوجدنا مئات القرى، والبلدات، والمدن التي شكلت موزاييك حضارياً فريداً من نوعه، ربما لا يوجد له مثيل في العالم، أمكنة تمتزج فيها الأديان، والطوائف، واللغات، وتتداخل عبرها علاقات النسب والمصاهرة، وحتى الأسماء، بصورة معقدة، تعجز عن تحليل أبعادها على الأرض، وفهم قواها السياسية الفاعلة مشارط علماء الاجتماع.

بلاد الشام ليست مجرد إقليم عربي يتكون من بلدان عدة معروفة، ولكنها إضافة حضارية قدمها العرب إلى العالم، هكذا تحدث عنها التاريخ، وتناولها المفكرون، حيث أدخلها بعضهم ضمن مختبر الهوية، متى تتسع لتتقبل الآخر بوجوهه المتعددة، ومتى تضيق وتتشنج حتى لا تبصر أسفل قدميها، وتعامل معها البعض الآخر كمؤشر للحالة العربية عامة.

بلاد الشام ليست كياناً سياسياً، شهدنا تقطيع أوصاله بطريقة منظمة على مدار أكثر من قرن، فمن منظور تاريخي أكثر اتساعاً يبدو الأمر أكبر من ذلك، يتداخل فيه الاقتصادي بالأيديولوجي، التاريخي براهن تقلبات السياسة الدولية، هو في العمق صراع على فكرة، فالكثيرون من الخارج، ومن الداخل، لم يستطيعوا تقبل، أو فهم كيف يمكن لمجموعة سكانية ضخمة في مساحة جغرافية محدودة، أن تقدم هذا النموذج في التعايش الاجتماعي، والسياسي، كيف يمكن لحياة هؤلاء أن تستمر من دون حسابات ومصالح مع قوى خارجية. هنا كان العمل المنظم على التدمير المنظم للفكرة بكل الأساليب، والطرائق، أولاً باقتطاع أجزاء كاملة من بلاد الشام لمصلحة الدولة العثمانية، ثم الاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين، ولكن برغم ذلك استمرت الفكرة، ولم يبق إلا تفجيرها من الداخل، لتحويلها إلى مجموعة من الأفكار الصغيرة عبر التطرف، أو ما يعرف في المدونة التاريخية العربية بزرع ثقافة الفتنة.

كانت فكرة بلاد الشام هي المستهدفة منذ العثماني المعزول عن العالم، والذي أدرك أهميتها بوصفها المعبرة عن الروح العربية التي تتناقض مع التتريك، وحتى العولمة التي لا تعترف بحدود، أو خصوصيات ممانعة تعيق رسم خرائط سياسية، واقتصادية جديدة.

بلاد الشام فكرة، نحن ننسى، أو لا نلتفت ربما إلى أن ازدهارها وتماسكها ووحدتها السياسية، وسلامها الاجتماعي، حدث في مرحلة صعود تاريخي للعرب، أما تشظيها، وتفكيكها فصاحبه دوماً هبوط العرب، وتشرذمهم ودخولهم في تيه حضاري وسياسي طويل.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.