تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ضمّ غور الأردن: توقيت انتخابي لا يحجب البعد الاستراتيجي

مصدر الصورة
عن الانترنيت

علي حيدر

على مسافة أيام من انتخابات «الكنيست الـ22»، تتكثّف نشاطات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، السياسية، على أكثر من جبهة داخلية وخارجية. ومع أن لكلّ من هذه الجبهات سياقها وخصوصيتها القائمة بذاتها، إلا أن أداء نتنياهو من حيث التوظيف الانتخابي يجعل من الصعوبة الفصل بين الأبعاد الأيديولوجية والاستراتيجية والسياسية الداخلية لمواقفه وخطواته، وآخرها إعلانه نيّته ضمّ غور الأردن وشمال بحر الميت إلى السيادة الإسرائيلية، بعد فوزه في الانتخابات المقبلة.

وبمعزل عن الأبعاد الانتخابية في هذا الإعلان، وبعيداً عن الإشكاليات والشروط القانونية الدولية والإسرائيلية، يجدر التوقف عند موقع غور الأردن في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، ودوافع كيان الاحتلال إلى فرض السيادة عليه. يشكّل غور الأردن القطاع الشرقي للضفة الغربية، ويمتدّ على طول 120 كلم، من منطقة عين جدي قرب البحر الميت جنوباً، لغاية الخط الأخضر جنوبي بيسان شمالاً، ويبلغ عرضه 15 كلم. منذ احتلال الضفة الغربية في حرب العام 1967، اعتبرت جميع الحكومات الإسرائيلية منطقة غور الأردن بمثابة «الحدود الشرقية» لإسرائيل، وعبّرت عن طموحها إلى ضمّها إلى السيادة الإسرائيلية في محطة سياسية ما. ومن أجل تعزيز سيطرتها على المنطقة، أقامت إسرائيل في الأغوار، منذ مطلع سنوات السبعينيات، 26 مستوطنة. وعلى مدار السنين، تم الإعلان عن الغالبية العظمى من أراضي غور الأردن على أنها أراضٍ تابعة للدولة. وفي إطار اتفاقية «أوسلو»، تم تعريف هذه المنطقة، باستثناء جيب يضمّ مدينة أريحا والمساحات التي تحيط بها، على أنها «مناطق C»، التي تسيطر عليها إسرائيل سيطرة تامة من الناحيتين الأمنية والإدارية.

وتحت شعار الأهمية الأمنية لغور الأردن، أخذت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتبنّى المقولة التي أطلقها وزير الخارجية السابق، يغئال ألون، ومفادها بأنه «لكي يتحقق الدمج بين حلم سلامة البلاد من ناحية جيو-استراتيجية مع إبقاء الدولة يهودية من ناحية ديمغرافية، يتطلّب هذا فرض نهر الأردن حدوداً شرقية للدولة اليهودية». أما رئيس الحكومة الأسبق، إسحق رابين، فقد كرر مراراً أن «مساعي إسرائيل يجب أن تصبّ في منع قيام كيان فلسطيني مشاطئ للبحر الميت، ومنعه من التماس الجغرافي مع أي رقعة أرض عربية». وضمن السياق نفسه، يندرج أيضاً ما أدلى به رئيس حزب «أزرق أبيض»، بني غانتس، الشهر الماضي، من أنه «في أي اتفاق مستقبلي، سنحتفظ بالأغوار كجزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل». وهو ما يعني أن الموقف الذي أطلقه نتنياهو لا يقتصر عليه وحده، بقدر ما جاء في توقيت انتخابي، من دون انتظار التسوية النهائية التي لم تعد أمراً قابلاً للتحقق.

في ضوء ما تقدم، يمكن إجمال الاعتبارات الاستراتيجية التي تكمن في خلفية المواقف الإسرائيلية السابقة واللاحقة من غور الأردن، بكون الغور جزءاً من الأراضي التي هي محطّ أطماع إسرائيل التوسعية. ومما يتيح لها التخطيط لضمّه هو الوجود الفلسطيني المحدود داخله، بمعنى أن لا قلق من تبعات ديموغرافية على تركيبة الكيان الإسرائيلي. بعدٌ حضر بوضوح في إعلان نتنياهو، الذي شدّد على أنه لن يتمّ ضمّ البلدات والقرى الفلسطينية في المنطقة، ولكن سيتم السماح للفلسطينيين باستخدام الطرق الإسرائيلية التي تتيح لهم التوجه شرقاً أو غرباً. كذلك، يُنظر في تل أبيب إلى غور الأردن باعتباره حاجزاً أمنياً في مواجهة أي تهديد قادم من الجبهة الشرقية، خصوصاً أن ما شهدته وتشهده المنطقة من متغيّرات لا يتيح لإسرائيل ربط مستقبلها الأمني باستقرار نظام من غير المضمون بقاؤه. وتطرّق نتنياهو إلى هذا البعد أيضاً، عندما اعتبر ضمّ الأغوار بمثابة «الجدار الحامي الشرقي، درع يضمن أننا لن نتحول لدولة عرضها بضعة كيلومترات، وهذا يتطلّب أن ينتشر الجيش الإسرائيلي على طول الأغوار، وليس فقط في قطاع ضيّق بجانب البحر (الميت)، آمل أن يكون الجيش الإسرائيلي دائماً هناك، وأن يكون غور الأردن تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد».

ويشكل ضمّ غور الأردن، أيضاً، تكريساً للفصل الجغرافي بين فلسطينيي الضفة الغربية وفلسطينيي الأردن، الذين يمثلون عمقاً ديموغرافياً لأي كيان فلسطيني قادم. وهكذا، تكون إسرائيل نجحت في تطويق عمق الضفة الغربية عبر حاجزين: الأول شرقي يضمّ غور الأردن، والثاني غربي هو الجدار الفاصل الحالي. وفي هذا السياق، رأى نتنياهو أن «من الضروري تحديد حدود ثابتة لدولة إسرائيل تضمن عدم تحوّل الضفة الغربية إلى منطقة مثل قطاع غزة». إلى جانب ذلك، تطمح إسرائيل إلى إنشاء مشاريع صناعية وزراعية في الغور، إضافة إلى المشاريع السياحية في المنطقة، فضلاً عن أن السيطرة على الغور تعني السيطرة على الأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية، خاصة الأحواض الشرقية منها، نظراً إلى أهميتها في التنمية.

على المستوى الانتخابي، كان نتنياهو صريحاً جداً في ربط إعلانه بالانتخابات، وهو ما برز في تكراره رهن تحقّق مطلب ضمّ غور الأردن بإعادة انتخابه لتشكيل الحكومة المقبلة. ويعكس هذا الموقف حرص نتنياهو على جذب أصوات اليمين واليمين المتطرف لتوسيع القاعدة البرلمانية لحزب «الليكود»، على أمل أن يؤدي ذلك، حتى لو لم ينل تحالفه أغلبية 61 عضواً في «الكنيست»، إلى تكليفه بتشكيل الحكومة (مع أنه من الناحية القانونية غير ملزم، لكن يصبح تجاوزه صعباً). واللافت أن نتنياهو يدرك أن هذا الإعلان يسهم في سحب شرائح من القاعدة الانتخابية لِمَن هم على يمينه، وهو ما يشكل ترجمة لتغيّر تكتيكه الانتخابي الذي كان يركّز في الانتخابات السابقة على أولوية نجاح التحالف لا الحزب.

مصدر الخبر
الأخبار

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.