تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

روحاني ــ ترامب: هل تقع المصافحة التاريخية؟

مصدر الصورة
عن الانترنيت

زكريا أبو سليسل

لا يمكن إيران أن تُصدر قراراً بالموافقة على سابقة قمّة تجمع رئيسها حسن روحاني، بنظيره الأميركي دونالد ترامب، من دون أن يمرّ هذا القرار بالكثير من السبل المتشابكة في العاصمة طهران، حيث لا تزال نخبة النظام الحاكم ترى في واشنطن عدوة للبلاد، الأمر الذي يجعل أي قرار من هذا القبيل مرهوناً بموافقة مجموعة متداخلة من المؤسسات يقف على رأسها المرشد علي خامنئي.

لقاء أول بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ونظيره الأميركي الأسبق جون كيري، على هامش اجتماعات نيويورك السنوية عام 2013، كان كفيلاً بأن يدفع الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، إلى أن يرفع سماعة هاتف البيت الأبيض، كي يجري اتصالاً بالرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي كان في حينه يستعدّ لمغادرة الولايات المتحدة بعدما ألقى للمرة الأولى كلمة بلاده في الاجتماع السنوي للأمم المتحدة. بيد أن هذه المبادرة الأميركية لم تؤدِّ فيما بعد إلى حصول قمة أميركية - إيرانية، على رغم نجاح الطرفين عام 2015 في التوصل إلى الاتفاق النووي ضمن إطار مجموعة الـ «5+1» الدولية. هذا التطور لم يستطع أن يخرق جدار عدم الثقة بين واشنطن وطهران بالشكل الذي يسمح للرجلين بالجلوس وجهاً لوجه، ولا حتى بالمصافحة العابرة داخل أروقة الأمم المتحدة التي جمعتهما في دورتين متتاليتين بعد توقيع ذاك الاتفاق.

اقتراب موعد اجتماعات نيويورك يفتح الباب سنوياً أمام التساؤل عن إمكانية استغلال هذا المؤتمر الدولي لإحداث خرق جديد على صعيد العلاقات الإيرانية - الأميركية، إلا أن اجتماعات هذا العام تُنتظر بمزيد من الترقب، ولا سيما بعد تخلي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، وهو المعروف تاريخياً بتشدّده حيال إيران التي لم يُخفِ مسؤولوها سعادتهم بهذه الإزاحة. لكنهم في الوقت نفسه جدّدوا التأكيد أن نظرة بلادهم تجاه الولايات المتحدة مرتبطة بتغيّر سياسات واشنطن المتبعة مع طهران، أكثر مما هي متعلقة بتغيّر المسؤولين في البيت الأبيض. وسائل الإعلام الإيرانية، من جهتها، استبقت الموقف الرسمي للبلاد، فأظهرت ارتياحاً عاماً في طهران إزاء هذا المستجدّ الأميركي، لما له من دور في «إبعاد شبح الحرب الإيرانية - الأميركية». كذلك تطرقت بعض الصحف إلى الدوافع التي قادت الرئيس الأميركي نحو هذه الخطوة، حيث توقعت صحيفة «خراسان» الأصولية أن «تكون المبادرة الفرنسية سبباً للخلاف بين ترامب وبولتون». توقعات الصحيفة الإيرانية لم تكن بعيدة عن معلومات وكالة «بلومبرغ» الأميركية التي كشفت عن وجود توجه لدى الرئيس الأميركي يقضي بتخفيف العقوبات عن إيران، في بادرة حسن نية، تمهيداً للقاء يجمعه بروحاني، الأمر الذي رفضه بولتون خلال اجتماع ضمّه إلى ترامب ووزير الخزانة ستيف منوشن، الذي أيد خيار الرئيس بغية إعادة الدفء إلى مسار التفاوض، على حدّ قول مصادر الوكالة الأميركية.

يزداد ترقّب اجتماعات نيويورك، ولا سيما بعد تخلّي ترامب عن بولتون

التفاؤل بإمكانية عقد قمة إيرانية - أميركية على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك ليس جديداً. فمضمون التصريحات التي سُجّلت خلال قمة «الدول الصناعية السبع» في مدينة بياريتس الفرنسية خلق في وقت سابق نوعاً من التفاؤل، خصوصاً أن روحاني أسهم في التمهيد له قبل ساعات من انتهاء القمة الدولية، عندما أبدى استعداده لـ«الجلوس مع أي شخص إذا شعر بأن ذلك سيفيد إيران». لكن روحاني نفسه سرعان ما بدّد هذا التفاؤل بعودته في اليوم التالي للتأكيد أن فتح باب المفاوضات متوقف على إلغاء واشنطن للعقوبات المفروضة على بلاده ورجوعها إلى الاتفاق النووي. موقف روحاني، الذي انقلب بين عشية وضحاها، لا يزال يحظى باهتمام على مستوى التغطية والتحليل داخل إيران وخارجها، حيث سلّطت صحيفة «جوان» الأصولية الضوء على ذلك في تقرير لها حمل عنوان «تغيير مفاجئ»، عزت خلاله «تراجع روحاني» إلى «الضغوط التي واجهها من التيار الأصولي»، معتبرة التراجع «انتصاراً جديداً للتيار الأصولي في البلاد». لكن الرئيس الأسبق لـ«هيئة الإذاعة والتلفزيون» الإيرانية، محمد هاشمي رفسنجاني، لم ينسب فضل «تغيّر موقف روحاني» إلى جهة داخلية بعينها، بل وضعه في سياق «معارضة المسؤولين الإيرانيين للقاء يجمع روحاني بترامب قبل رفع العقوبات». وفي الوقت نفسه، شدّد رفسنجاني على «ضرورة عقد اللقاء إذا كان سيحقق لإيران مصالحها القومية»، مشيراً في مقابلة مع صحيفة «آرمان ملي» الإصلاحية إلى أن شقيقه (الرئيس الأسبق لـ«مجمع تشخيص مصلحة النظام» علي هاشمي رفسنجاني) كان يعتقد أن «مؤسس الجمهورية الإيرانية، روح الله الخميني، لم يمنع التفاوض والعلاقات مع أميركا دائماً، بل إنه كان لا يرى عيباً في التفاوض المشروط مع واشنطن».

على الرغم من تسلّح أوساط إيرانية بهذه القناعة المنقولة عن الخميني عبر رفسنجاني، إلا أن طهران لا تزال ترفض بنحو معلن أي لقاء يجمع روحاني بترامب، وهذا نابع من قناعة لدى مراكز صنع القرار بأن «المفاوضات الإيرانية - الأميركية في ظلّ الظروف الحالية لا تصبّ في مصلحة البلاد»، وفق ما يقول رئيس تحرير النسخة العربية في وكالة «مهر» الإيرانية محمد مظهري، لافتاً إلى أن «بيت المرشد والحرس الثوري والنواب المنتمين إلى التيار المحافظ، إلى جانب جزء كبير من الحكومة، يؤمنون بعدم حاجة إيران لهذا اللقاء». ولا ينفي مظهري، في حديث إلى «الأخبار»، وجود تيار يدعمه عدد من الإصلاحيين وبعض أطراف الحكومة يؤيد عقد اجتماع روحاني - ترامب، موضحاً أن «أصحاب ذلك التوجه يعتقدون أن الحوار من شأنه تخفيف التوتر الحالي، فضلاً عن دوره في تقليل احتمالات حدوث الحرب». لكن الاعتقاد المتقدم «لا يمتلك الصوت الأقوى داخل الحكومة» بحسب مظهري، كذلك فإن الحكومة برأيه لا تستطيع التفرّد باتخاذ قرار كهذا، لأن حدوث قمة أميركية - إيرانية طبقاً لما يشرح يتطلّب «موافقة المرشد أولاً، ثم التنسيق مع السلطة التشريعية ونواب البرلمان، وكذلك فإن مراكز ثقل أخرى كالحرس الثوري يجب إقناعها بعوائد هذه الخطوة كي تدعمها». ويذكّر بـ«الانتقادات اللاذعة التي طاولت روحاني بعد قبوله الحديث عبر الهاتف مع أوباما»، ليخلص إلى أن «أي لقاء قمة مع أميركا دون تنسيق مع الدوائر المذكورة سلفاً ستكون له عواقب وخيمة على روحاني وحكومته». هذه التوقّعات تقاطعت مع تحرك البرلمان الإيراني منذ اللحظات الأولى لتصريح روحاني الذي قُرئ على أنه «استعداد لقبول الجلوس مع ترامب»، حيث حذّر 83 عضواً برلمانياً الرئيسَ من التفاوض مع ترامب، معتبرين أن التفاوض معه «سمٌّ قاتل». لكن الجهد النيابي لا يستطيع، وفق مظهري، سنّ قانون يمنع حدوث اللقاء، «كل الذي يمكن أن يفعله البرلمان، إنذار رئيس الجمهورية، فضلاً عن استجوابه إذا عقد القمة من دون التنسيق مع السلطات الأخرى».

بمعزل عن تفاصيل الدوائر والجهات التي تحدّد وجهة قبول اللقاء أو رفضه، فإن «طهران ترفض عقد قمة إيرانية - أميركية، انطلاقاً من موقفها المبدئي بعدم التفاوض مع واشنطن تحت الضغط»، كما يعتقد المحلل السياسي الإيراني حسن أحمديان. بالإضافة إلى ذلك، فإن المؤشرات، بحسب الكاتب الإيراني صابر غل عنبري، لا تدلّ على أن من عملوا على خط الوساطة الإيرانية - الأميركية استطاعوا أن «يقدموا لإيران ضمانات بشأن استعداد أميركا لتقديم تنازلات مثل تخفيف العقوبات، وغيرها». على هذه الخلفية، يعتبر أحمديان، في حديث إلى «الأخبار»، أن «انعقاد لقاء بين روحاني وترامب سيشكل تنازلاً محورياً من قبل إيران»، الأمر الذي جعله يرجح عدم حدوث اللقاء. كذلك، فإن غل عنبري أكد لـ«الأخبار» أن «الظروف غير مناسبة أبداً لإجراء أي حوار مباشر بين الإيرانيين والأميركيين»، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن «جلوس إيران إلى طاولة المباحثات مع أميركا مرتبط بخلق ظروف تقنعها بالتفاوض». وللتدليل على هذا الطرح، استحضر تجربة المفاوضات الأميركية - الإيرانية التي أفضت قبل سنوات إلى توقيع الاتفاق النووي، مبيّناً أن «موافقة طهران على الدخول في المفاوضات مع واشنطن جاءت بعدما حصلت عبر الوسيط العماني على ضمانات حول بعض القضايا، مثل ضمان حقها في تخصيب اليورانيوم».

مصدر الخبر
الأخبار

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.