تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

«السلطان» وحيداً

مصدر الصورة
عن الانترنيت

محمود حسونة

منذ استقالته من رئاسة الوزراء في تركيا عام ٢٠١٦، حاول أحمد داوود أوغلو الوفاء بما وعد به، وعدم توجيه أية انتقادات إلى رفيق دربه السياسي رجب طيب أردوغان؛ وبالفعل التزم الصمت حتى ضاق ذرعاً من تجاوزات الحاكم بأمره، التي بلغت مداها إثر فوز مرشح المعارضة أكرم أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول، وإصراره على إعادة الانتخاب لعل وعسى أن يرد له الناخبون اعتباره، ويختاروا ابن علي يلدريم لرئاسة البلدية الأهم في الدولة التركية. لكن نتيجة الإعادة جاءت صفعة قوية على وجه «السلطان»، ونذيراً بقرب انتهاء سيطرته على مقدرات تركيا وتحكمه في إرادة شعبها.

أوغلو عارض إعادة الانتخابات في إسطنبول، وتحدث بما لا يرضي «سلطانه»، وانتقد الحزب الذي أسهم في تأسيسه وكان رئيساً له، وحذّر من تداعيات خطِرة عليه وعلى «الزعيم» وعلى الدولة، وهدد بفتح دفاتر الإرهاب، وهي كلمة السر التي أطارت النوم من عين أردوغان، ليشتعل غضباً من شريك الحلم والهدف الذي ارتكب الخطيئة التي لا يجرؤ أحد على ارتكابها في وجه «السلطان» الذي كمم الأفواه، وأغلق الصحف المعارضة، وملأ السجون بمن يعارضونه أو يحلمون بمعارضته.

أردوغان هدد وتوعد ونفذ؛ حيث أوعز لقادة حزبه بتولي تأديب «الرفيق العاق»، فكان قرار «العدالة والتنمية» بالإجماع بتحويل المتمرد أوغلو إلى لجنة تأديبية، والمطالبة بفصله من الحزب نهائياً، ولكنه كان أكثر ذكاء من الحزب ومنظّره، ليستقيل قبل أن ينالوا شرف التنكيل به وتأديبه وفصله.

من يتابع ما يحدث في تركيا بين رفقاء الأمس وشركاء حلم القبض على الدولة التركية ومصادرة ثوابتها، يشعر وكأنه يشاهد مسرحية هزلية طالت مشاهدها، وكأن الستائر تأبى أن تسدل عليها إلا بعد انهيار الدولة، ويبدو أن هذه المسرحية ستتحول لاحقاً إلى مسلسل طويل وممل ستفتح فيه دفاتر الإرهاب واستغلال الدين ودعم تجاره، وأيضاً ملفات الفساد الاقتصادي والسياسي، والذي عبرت به الإدارة التركية الحدود ليترك آثاره على دول محيطة وأخرى بعيدة جغرافياً، ولكنها تدخل في إطار الإمبراطورية التي يسعى السلطان لاستعادتها حتى لو أحرق أخضر ويابس الإقليم.

«السلطان وحيداً»، هذا هو عنوان المرحلة المقبلة بعد تنكره لكل رفقاء الأمس، وتحويلهم إلى أعداء، وأولهم معلمه فتح الله غولن المطلوب حياً لا ميتاً؛ لأجل تصفية حسابات قديمة متجددة معه، وبعده من كان صديقاً وهو الرئيس السابق عبدالله جول، ثم نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان والذي شرع في إنشاء حزب جديد يضرب به قذيفة في جدران حزب العدالة والتنمية، وأخيراً أحمد داوود أوغلو صاحب النظريات التي اعتمد عليها السلطان في خداع الرأي العام وأهمها «صفر مشاكل»، لتصبح على يد أردوغان «مئة في المئة مشاكل» بعد أن تحولت تركيا إلى صانعة المشاكل ومصدّرة الأزمات إلى من يدورون في فلكها ومن يتعاملون معها، بل وأيضاً لمن يقاطعونها!.

«السلطان» لم يهرب منه رفاقه فقط، ولكن انصرف عنه قطاع عريض من شعبه، وخلال الأشهر الماضية استقال الآلاف من حزبه المتصدع، كما أن انتخابات البلديات التي أجريت في آذار الماضي وخسر فيها بلديات أهم المدن، وأيضاً انتخابات الإعادة في إسطنبول، دليل قاطع على انحدار شعبيته وشعبية حزبه.

سفينة «السلطان» تكاد أن تغرق في بحر طموحاته المتلاطم الأمواج داخلياً وخارجياً، وقد يكون ذلك ما انتبه إليه رفاقه القدامى ليقفزوا من السفينة قبل أن يغرقوا معه، أملاً في مستقبل سياسي لهم يرممون خلاله بعض ما تهاوى على يدي الزمرة الحاكمة، منذ اعتقد أردوغان أن تغيير نظام الحكم إلى رئاسي بدلاً من برلماني سيتيح له إحكام قبضته على أوضاع البلاد ومصائر العباد.

«السلطان» لم يعد وحيداً في الداخل فقط، ولكنه فقد الكثير من الحلفاء والأصدقاء بعد أن أقحم بلاده في شوؤن دول عدة، وخاض معارك لا ناقة لبلاده فيها ولا جمل، بعد أن سيطر عليه وهم استعادة الخلافة، متخيلاً أن بإمكانه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بدعمه جماعاتٍ مسلحة تعيث في أكثر من دولة إفساداً وتخريباً تحت ستار الإسلام وهو منهم جميعاً براء، ومنها على سبيل المثال سوريا، وإذا كانت هذه تجاوره، فلا أحد يستوعب أبعاد وأهداف لعبته في ليبيا التي يعتبرها امتداداً لأمنه القومي الذي يستدعي العبث بأمن مصر عبر البوابة الليبية، ولكن يبدو أن مصر أخذت على نفسها عهداً بتحطيم أحلام «السلطان» في صمت، وبلا أي ضجيج عبر أكثر من بوابة.

«السلطان» ستزداد وحدته في القادم من الأيام، فلا أفق في أن يستفيد من الدرس، كما أن مناوراته مع أمريكا وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي لم تعد تنطلي على أحد.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.