تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الفنان اللبناني عصام رجي: التطريب والتلحين في زمن المسرح الغنائي

عصام رجي
مصدر الصورة
وكالات

مروة متولي٭

■ من أجمل الأصوات اللبنانية التي يمكن الاستماع إليها هو صوت الفنان الراحل عصام رجي، المغني والموسيقي، وأحد نجوم المسرح الغنائي في أزهى سنوات ازدهاره في لبنان، ولم يكن يشارك فيه بالغناء وحسب، وإنما كان يلحن الكثير من أغنيات المسرحيات والمهرجانات، وهو الاسم الذي يطلق على المسرحيات الغنائية التي كانت تعرض في مهرجانات بعلبك وبيت الدين، وكانت تتسم بالضخامة الإنتاجية والإبهار والحشود الكبيرة من أمهر راقصي الدبكة شديدي الاحتراف، وتقديم فقرات من الرقص الشرقي وبعض اللوحات الراقصة التعبيرية، التي تعتمد على الكثير من خطوات الباليه الأساسية، مع تعديلها لتلائم شرقية الموسيقى والسياق الدرامي للمسرحية، وقد قدم أغلب أعماله مع فرقة روميو لحود والفنانة صباح، التي قدمت كماً هائلاً من المسرحيات في الستينيات والسبعينيات، بعد أن فرت من الجحيم الناصري في القاهرة، وكم تألقت صباح في وطنها لبنان وملأت الدنيا بالغناء والفرح، وكونت ذخيرة فنية ضخمة لم تكن لتصنع مثلها لو ظلت في مصر، عصام رجي هو ذلك الشاب الأسمر الوسيم صاحب الصوت الساحر الذي نراه في كثير من مسرحيات صباح، يمثل ويغني ألحانه وألحان لآخرين أيضاً، ومن ألحانه غنت صباح الكثير من الأغنيات الجميلة من أشهرها «يا ناس الدنيا دولاب» و«سعيدة ليلتنا سعيدة» ونجد أن أغلب أغنياته هي من المسرحيات الغنائية، ورغم ارتباطها الدرامي بالعمل الذي أنتجت من أجله، إلا أنها ظلت قادرة على الاستمرار خارجه، كأغنيات يمكن الاستماع إليها منفردة، ومن أجمل مسرحياته «القلعة» و«فرمان» و«العواصف» المستوحاة من كتاب جبران خليل جبران الذي يحمل العنوان نفسه، وفي هذه المسرحيات وغيرها غنى أشهر أغنياته مثل «قديش قضينا سوا» و «دبكتنا ع الميجانا» و «فوق الخيل» و «شفتها بعيدة وأنا بعيد» و«اتغيرتي كتير علينا» و«هبي مع الهوا».

ويمكن القول إن صوت عصام رجي هو من أجود الأصوات وأسلمها، فهو سليم صحيح في كل شيء، في المد والتقطيع وعمق النفس، وجمال النبرات في السرعة والبطء وفي التلون من نوع إلى آخر

وهو لم يغن باللهجة المصرية سوى أغنية واحدة على الأرجح هي أغنية «يا صلاة الزين» لزكريا أحمد، وربما تكون نسخته من هذه الأغنية هي النسخة الوحيدة التي يمكن للبعض الاستماع إليها، فالأغنية بالأساس غريبة في لحنها وكلماتها، وتقسيم مقاطعها الذي قد يكون مربكاً للمستمع وغير مفهوم في البداية، فالجملة لا تنتهي حيث يجب أن تنتهي وفقاً للمعنى، لكنها تضم إليها كلمة من بداية الجملة التالية والمرتبطة بسياق آخر، كما أن البعض قد يجد أداء زكريا أحمد غير مقبول وأقرب إلى الهزل، مع بعض المشكلات في مخارج الحروف والكثير من المبالغة، لكن مع عصام رجي نستطيع أن نتذوق الجمال في هذه الأغنية، التي لم يغير في كلماتها أو لحنها أو تقسيم مقاطعها، لكن ما صنع الاختلاف الجميل هو صوته وطريقة أدائه الخالية من المبالغة، رغم أنه منح الكلمات القوة المطلوبة، وضغط كذلك على بعض الحروف، لكن بشكل غير مزعج، واستطاع أن يسخر الأغنية لإظهار جمال صوته وقوته، وكان جميلاً أن اكتفى بغناء النصف الأول من الأغنية فقط والمقاطع التي تتغزل في عزيزة وجمالها «عزيزة شابة وشباب نواضرها، تسحر الألباب وضفايرها، عند الأكعاب ومباسمها، خمرة وشراب قمرة ليلة عشرة واتنين» ولم يغن المقاطع التي تتغزل في ثروة والد عزيزة وتصفها عداً ونقداً، وكأننا نستمع إلى عملية حسابية تقدر ما سيحصل عليه الزوج الذي سيظفر بالجميلة عزيزة.
ويمكن القول إن صوت عصام رجي هو من أجود الأصوات وأسلمها، فهو سليم صحيح في كل شيء، في المد والتقطيع وعمق النفس، وجمال النبرات في السرعة والبطء وفي التلون من نوع إلى آخر، وهو من الأصوات التي حين نستمع إليها نود لو يتمهل قليلاً في الغناء لنستمتع بكل حرف ينطقه ونذوق حلاوته، حيث يترقرق صوته بصفاء قل مثيله، متميزاً بالوضوح والنقاء وجمال مخارج الحروف والاعتدال والنطق المنضبط، ويعد أسلوبه في الغناء دليلاً على أن الغناء الرجولي لا يحتاج إلى تشنج وزعيق وأصوات غريبة يصدرها المطرب، أو تضخيم مصطنع يشوه مخارج الحروف، حيث نستمع إليه يغني بهدوء وسلاسة بدون ترقيق للحروف أو تضخيم ثقيل على الأذن، ويخلق لدى المستمع الإحساس المطلوب تماماً في الموال والأغنية على السواء، فنستمتع بجمال الصوت الرجولي وقوة الأداء، ونشعر بأننا نستمع بالفعل إلى ذلك الفارس المحارب، أو البدوي العاشق الذي يصارع أقداره في الصحراء، فالغناء البدوي من أهم ما قدمه عصام رجي وتميز فيه كثيراً، وأغنياته من هذا النوع لا تفقد سحرها أبداً بما فيها من كلمات تذهب بالمخيلة نحو الصحراء مثل «نجم سهيل» أو عندما يقول في أغنية «لاقيتك والدنيا ليل»: يا بداوية خلخالك رنينه اللي بكاني، والله لأعاشر النوق وأسرح مع القطعانِ، وكذلك ألحان مثل هذه الأغنيات كلحن أغنية «فوق الخيل» الفريد بإيقاعاته والغناء الحماسي إلى أقصى درجة، وهذا المزيج الساحر من الغناء الحزين والصوت الجريح والحشد الهائل للآلات الإيقاعية في أغنية لاقيتك والدنيا ليل.
وبعيداً عن الغناء البدوي والدبكة والإيقاعات الراقصة، تتجلى قدرته على التعبير الدرامي الممتاز في أغنيات أبطأ إيقاعاً مثل «اتغيرتي كتير علينا» التي يغنيها لحبيبته قمر في مسرحية فرمان، وتلك الأغنية القصيرة الساحرة « هبي مع الهوا» التي يغنيها في مسرحية «المواسم» ويميزها تواصل الغناء وامتداده وانسيابه بهدوء وارتفاع الصوت وانخفاضه بشكل طفيف جداً كتموجات رائقة، وخاصة عندما يقول: «العمر ابتدى على الصدى غنية القدر، سكرنا سوا بنصحى سوا من سكرة السفر»، في أغنية كهذه والكثير غيرها من الأغنيات نستمتع بذلك الجمال المصفى في صوته وموسيقاه العبقة بنسمات الشرق.

٭ كاتبة مصرية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.