تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

البرنامج الاقتصادي التركي ميت قبل ولادته

مصدر الصورة
وكالات

الحكومة التركية ستضطر إلى زيادة الضرائب ورفع الأسعار وهو ما سيؤثر على نسبة التضخم وميزان الحساب الجاري.

بدد تقديم وزير الخزانة والمالية التركي براءت البيرق للبرنامج الاقتصادي الجديد 2020-2022 ما تداولته التقارير عن أن منصبه بات مهددا منذ خسارة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية التي جرت في 31 آذار.

وتراجع احتمال إجراء تعديل وزاري كبير رغم زيادة السخط الشعبي على الحكومة بسبب الأسلوب الذي تُدير به الاقتصاد. ويمكننا أن نستنتج أيضاً أن الرئيس رجب طيب أردوغان يتّجه لتشديد قبضته على السياسة النقدية والمالية.

يمكننا أيضا أن نستنتج من البرنامج كيف يخطط أردوغان والبيرق للاستمرار في إعطاء الأولوية للنمو، بدل معالجة القضايا الأخرى المُلحّة والمزعجة في الاقتصاد.

لا يزال هناك تباين كبير بين تقديرات النمو الاقتصادي لعام 2019 في برنامج تركيا الاقتصادي السابق والجديد والبالغ 2.3 بالمئة، والقراءة المعدلة عند 0.5 بالمئة في وقت يتجه فيه الطلب المحلي إلى الانهيار.

لكن التوقعات الأهم في البرنامج هي المستوى المستهدف للنمو في عام 2020، والبالغ 5 بالمئة، وتثبيت النمو عند هذا المستوى لمدة 3 سنوات.

لكن وتيرة التعافي الحالية لاتزال بعيدة عن إمكانية تحقيق نمو نسبته 5 بالمئة في العام المقبل، وفقاً لما تُظهره البيانات الرسمية التي صدرت في الآونة الأخيرة.

ويرى البيرق أن النمو المستهدف في العام القادم سيتحقق من خلال خفض أسعار الفائدة، الذي سينعش الاستثمارات الرأسمالية ويعزز طلب المستهلكين. ويزعم أن الاقتصاد سينمو بمساعدة استثمارات صندوق الثروة السيادي وزيادة الإقراض المصرفي.

لكن يبدو أن الخطة السرية التي في جعبة البيرق هي الإنفاق العام.

لكن رغم أن الحكومة لجأت إلى موارد البنك المركزي لتمويل الإنفاق من خلال انتزاع أموال احتياطي الطوارئ، إلا أن العجز المالي من المتوقع أن يصل هذا العام إلى 22 مليار دولار، مقارنة مع توقعات رسمية ببلوغه 14 مليار دولار.

وبالتالي، فإن نسبة عجز الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي ستصل إلى 2.9 بالمئة، وفقاً للبرنامج الاقتصادي الجديد، مقارنة مع 1.8 بالمئة استهدفتها الميزانية عند وضعها العام الماضي.

ويزعم البيرق بأن اتساع عجز الموازنة سببه انخفاض الدخل، لكننا نعرف أن جذوره تكمن في نمو الإنفاق بمعدل يفوق ضعف معدل التضخم، في وقت كان فيه نمو الإيرادات أقل من نصف مستوى التضخم.

من الواضح أن حكومة أردوغان بالغت في الرهان على زيادة الإنفاق لإنعاش الاقتصاد، رغم أن البيانات تؤكد أن الانضباط المالي ظل العامل الرئيسي في المحافظة على الاقتصاد التركي منذ انتهاء أجل اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي عام 2008.

ويوقع البرنامج الاقتصادي الجديد لعام 2020 بقاء العجز المالي إلى الناتج المحلي الإجمالي ثابتاً عند 2.9 بالمئة.

إذا كان لنمو الناتج المحلي الإجمالي المستهدف عند 5 بالمئة أن يتحقق العام المقبل من خلال نمو الاستثمار العقاري، بحسب البيرق، فإنه ينبغي على الحكومة أن تكون حريصة على خفض نسبة عجز الموازنة لكي تحافظ على المتانة المالية.

وعلى عكس ما يقول البيرق، فإن أردوغان يسعى إلى المحافظة على نمو قوي من خلال الاستمرار في استنزاف الموارد العامة خلال السنة المقبلة، لاسترضاء الرأي العام.

سبب إصرار الحكومة على إبقاء الإنفاق مرتفعا، إما الاستعداد لاحتمال إجراء انتخابات مبكرة، ويتكهن البعض بحدوثها نهاية العام المقبل، أو الاندفاع لإخراج تركيا من حالة الركود بأي ثمن.

ما نعرفه من بيانات من الماضي يُعلّمنا أن تحقيق نمو بنسبة 5 بالمئة، لن يكون مجديا إذا لم يصاحبه تدفق كثيف للأموال القادمة من الخارج، وهو ما لم يحدث في الماضي القريب.

ويتمحور مخطط أردوغان حول الاستمرار في الإنفاق حتى يصل النمو الاقتصادي إلى 5 بالمئة، وهو ما قد يمثل تجربة خطيرة. وإذا لم يتحقق معدل النمو المرغوب بحلول نهاية العام المقبل، أو العام الذي يليه، فإن نسبة العجز المالي إلى الناتج المحلي الإجمالي قد ترتفع لمستويات خطرة.

إذا افترضنا تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 5 بالمئة على مدى السنوات الثلاث القادمة، فسيكون من المستحيل المحافظة على الحساب الجاري التركي في حالة توازن ظاهرية بسبب اعتماد الاقتصاد على السلع الوسيطة المستوردة من الخارج.

وحتى إذا نجحت حكومة حزب العدالة والتنمية في إحداث نقلة هيكلية في وسائل الإنتاج التركية من خلال إصلاحات تحتاجها البلاد بشدة، فإن مثل هذا التحول لا يمكن أن يتحقق في مثل هذه المدة الزمنية القصيرة.

إذا افترضنا إمكانية تحقيق ذلك النمو خلال السنوات الثلاث المقبلة من خلال تعزيز الإنفاق العام، فإن هدف الحكومة المتمثل في المحافظة على نسبة العجز في الحساب الجاري عند حدود صفر إلى 1.2 من المئة من الناتج المحلي الإجمالي ستكون معركة خاسرة.أما توقعات الحكومة للتضخم، فمن المستبعد جدا أن تتمكن من تحقيق هدف خفض التضخم في أسعار المستهلكين إلى أقل من 5 بالمئة بحلول 2022، أو حتى إبقائه عند 8.5 في المئة بحلول 2020.

وستضطر الحكومة إلى مواصلة زيادة الإنفاق ورفع الأسعار، وربما زيادة الضرائب، لكي توفر الموارد المالية التي تحتاجها.

برنامج البيرق الاقتصادي الجديد يفتقر إلى التجانس والمصداقية وسيعمق الاختلالات المالية ويزيد معدلات التضخم

إعلان البيرق للبرنامج الاقتصادي بطريقة استعراضية ومليئة بالتفاخر، لم يحصل على أي ترحيب من خبراء الاقتصاد. وهناك إجماع على أن تحقيق نمو اقتصادي نسبته 5 بالمئة العام المقبل لن يصل إلا من خلال زيادة الإنفاق العام بشدة.

وعندما يكون هناك نمو عند مثل هذه المستويات، فإن النزول بمستوى التضخم إلى 8.5 بالمئة، وكبح العجز في الحساب الجاري عند مستوى 1.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي أمر غير واقعي.

ويفتقر برنامج البيرق الاقتصادي الجديد إلى التجانس والمصداقية، حيث من المنتظر أن يرتفع الإنفاق العام أكثر في عام 2020، في وقت تحاول فيه الحكومة تحفيز الاقتصاد من خلال عدة إجراءات. وستؤثر مثل هذه الخطوات بالتأكيد على الأهداف المالية والتضخم وميزان الحساب الجاري.

وربما يكون الشق الأسوأ في كلمة البيرق في عرضه للبرنامج الاقتصادي الجديد هذا الأسبوع هو تلميح أردوغان إلى أن قطاع البناء هو العلاج لمشكلة الارتفاع الشديد في معدل البطالة.

ودفعت الحكومة النمو في قطاع البناء إلى أبعاد مذهلة في السنوات الأخيرة، مما زاد من الاختلالات الاقتصادية في البلاد ومديونية القطاع الخاص. ويعاني القطاع المصرفي حالياً بشكل أساسي من تراكم القروض المتعثرة.

وفيما يتعلق بقطاع التمويل، فإن الحكومة ستظل تُصدر تعليماتها للبنوك التي تديرها الدولة لدعم النمو الاقتصادي من خلال إجراءات مثل الإقراض الرخيص، لأن القطاع بشكل عام سيظل يعاني من ارتفاع مستويات القروض المتعثرة، وهو الأمر الذي سيشكل عائقاً أمام الإقراض الجديد.

خلاصة القول، إن النظرة الاقتصادية الكلية تشير إلى أداء اقتصادي هزيل وضعف النمو، وتستبعد النمو الكبير الذي تتوقعه الحكومة خلال السنوات الثلاث القادمة.

جلدم أتاباي شانلي

كاتبة في موقع أحوال تركية

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.