تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حتى الملكة لن تُوقف مِحدلة جونسون: بريطانيا عالقة في «البلاهة البرلمانيّة»

مصدر الصورة
وكالات

بناءً على ما تقدّم، يتّجه الفريق الحاكم إلى تمرير استحقاق 19 تشرين الأوّل الحالي ــ الذي يفرض وفق قانون «(هيلاري) بين»، الطلب إلى بروكسل تمديد مهلة «بريكست» ثلاثة أشهر إضافية ــ عبر إمكانية فرض حالة طوارئ استثنائية في البلاد تتيح للحكومة تعليق العمل بذلك القانون، إلى ما بعد انتهاء مهلة «بريكست» الحالية (31 تشرين الأول)، بحجّة المخاطر الإجرائية والأمنية المتوقّعة لحظة انتهاء المهلة. وتلك مسألة سيسعى الجانب الملكي إلى تجنّب التدخّل فيها، إذ يمكن نظرياً أن تتحوّل إلى نوع من انقلاب على الحكومة تقوده الملكة بنفسها، إن هي أرادت فرض حكم القانون، الأمر الذي سيتسبّب غالباً بشلل عمل الأجهزة التنفيذية، كما سيقود إلى تململ في الجيش والقوى الأمنية.

بالطبع، فإن جونسون وفريقه ما كان لهما أن يملكا أوراق القوّة هذه لولا حالة «البلاهة» التي يمر فيها البرلمان البريطاني، وذلك باستعارة المصطلح الذي ابتدعه كارل ماركس لوصف وضع فقدان الوزن وانعدام التأثير الذي تُصاب به الديموقراطيات البرلمانية التقليدية نتيجة الانقسامات الحزبية الضيّقة. فتَوَزُّع المقاعد في مجلس العموم لم يسمح، بعد ثلاث سنوات من الجدل العقيم، لا في إيقاف «بريكست»، ولا في إسقاط حكومة «المحافظين» اليمينية من السلطة رغم الأغلبية الهشّة التي تحكم عبرها. حالة «البلاهة البرلمانية» بريطانياً، ليست بالضرورة حاصل استقطاب بين طرفي اللعبة الكبار، أي حزب «المحافظين» الحاكم ــ يمين الوسط ــ وحزب «العمّال» المعارض ــ يسار الوسط ــ بقدر ما هي نتيجة انقسام بنيوي داخل المعارضة ذاتها سواء نتيجة للحرب الأهلية المستمرّة داخل حزب «العمّال» (تيار اليمين أتباع توني بلير، وتيار اليسار أتباع جيريمي كوربن)، أم للموقف التقليدي المُخزي لحزب «الليبراليين الأحرار» البرجوازي (المؤيّد بشدة لوقف «بريكست»، شرط ألا يتولّى اليساري جيريمي كوربن السلطة)، وهيمنة حسابات المصالح الضيّقة على تفكير الأحزاب الصغيرة. انقسام ترتّب عليه فشل كل المناورات السياسية ضد حكومة جونسون ــ وقبلها حكومة تيريزا ماي ــ سواء أكانت فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة، أم فرض انتخابات عامة مبكرة، أم تنظيم استفتاء جديد على «بريكست».

في مقابل خليط الصلف والعجز في أروقة النظام السياسي البريطاني الحاكم، تظلّ الطبقة البريطانية العاملة وحيدة في مواجهة الكارثة المقبلة: خروج غير منظّم للدولة من عضوية الاتحاد الأوروبي سيتسبّب ــ أقلّه على المديَين القصير والمتوسط ــ بكساد اقتصادي وانهيار في القدرة الشرائية وتراجع ملموس في الميزانية العامة، الأمر الذي سيُترجم عبر مزيد من إجراءات التقشّف الحكومي التي أنهكت الأغلبيّة منذ عام 2008، وتسبّبت في خفض مستوى حياة المواطن البريطاني. والأخطر، أن هيمنة تحالف يمين الوسط واليمين المتطرّف بقيادة جونسون على الحكم، ستتكرّس لعقد مقبل على الأقل تُعاد خلاله صياغة طبيعة الدولة البريطانية بالكامل، عبر الانخراط الكلّي في المشروع الأميركي، وبناء حكم مركزي قوي يوقف عنوةً تفكّك أقاليم المملكة النازعة إلى الخروج من تحت عباءة لندن (اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية وجبل طارق). كل ذلك في غياب كلّي لليسار عن الفعل أو التأثير ــ قاطع 25 ألفاً من المواطنين استفتاء عام 2016 استجابة لدعوة الماركسيين وقتها مقابل 34 مليوناً أدلوا بأصواتهم ــ إنها الأزمنة المظلمة.

مصدر الخبر
الأخبار

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.