تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عندما يلتقي الفيل الهندي مع التنين الصيني

مصدر الصورة
خاص

قمة ثانية  غير رسمية جمعت الزعيم الصيني شي جين بينغ مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في مدينة تشيناي عاصمة ولاية تاميل نادو المطلة على البحر والتي تعد من أقدم المناطق المأهولة في العالم.

تباحث الزعيمان في هذه القمة حول  قضايا ثنائية وعالمية ذات اهتمام مشترك في أجواء  حميمة وودية  تميزت بعروض ثقافية و جولة في معالم المدينة التاريخية القديمة قدم التاريخ وتبادل الزعيمان أطراف الحديث وهما يتناولان ماء جوز الهند الشهير واستمتعا معاً  بالعروض الفولكلورية والموسيقى الكلاسيكية قبل التوجه للتباحث والبت في قضايا مصيرية بحذر وتربص.

 تعد الهند والصين الدولتان الأكثر نمواً اقتصادياً ومحط أنظار دول العالم للاستثمار والاستفادة من أسواقهما الضخمة .ولا يمكن أن يكون القرن الحادي والعشرين  آسيوياً مالم يكن هناك توافق بين عملاقي آسيا لتعزيز الأمن والاستقرار والتشجيع على الاستثمار الخارجي وكذلك تعزيز التعاون التجاري بينهما.

الأولويات والمصالح المشتركة

على الرغم من أنه لن يتم التوقيع على اتفاقيات أو مذكرات تفاهم في هذه القمة الاستثنائية إلا أن هذا اللقاء يصب في إطار تقريب وجهات النظر بين زعيمي البلدين ودفع الحوار بين المسؤولين لمواجهة المصاعب والتحديات وتضييق نقاط الخلاف بينهما والعمل معاً على إيجاد مكانة كلا البلدين  في نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب .لم يتم  التباحث في جميع الملفات آنفة الذكر لكن اللقاء بالتأكيد وجه بوصلة العلاقات إلى المسار الصحيح وسيفسح المجال أمام مسؤولي البلدين للجلوس والتباحث بجدية .فإن مواقف الهند والصين تتطابق حول العديد من الملفات العالمية  على الرغم من الخلافات في الآلية وهما يشكلان عنصرين أساسين في العديد من المنظمات والتجمعات ذات الشأن مثل مجموعة دول البريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون وغيرها .ولذلك فإن تضييق الخلافات والعمل معاً هو الطريق الاستراتيجي الوحيد لكلا البلدين وإن كانت المكاسب الآنية غير ذلك ولكن بالنسبة لصناع القرار فالقضية تتعلق بمصيرهم معاً" .

تعد ظاهرة الإرهاب من أهم الملفات التي تهدد الدول الآسيوية بما فيها الهند والصين في الوقت الذي يخيم شبح التنظيمات الإرهابية على الأجواء ولذلك فإن هذا الملف يتصدر جدول المباحثات .كما أن اعتماد البلدين على النفط من دول الخليج يجعل مسألة أمن الطاقة حيوية وتتطلب جهوداً مشتركة لمنع نشوب حرب في منطقة الخليج وديمومة خطوط الإمداد للحفاظ على النمو الاقتصادي المنشود.ويرى قادة البلدين ضرورة التعاون في مجالي الأمن والحكومة السيبيرية .

يسعى الجانبان لتعزيز التعاون التجاري بينهما من خلال فتح أبواب الاستثمار والأسواق أمام البضائع من الجانبين وتعديل الميزان التجاري الذي يميل لمصلحة الصين .وتسعى بكين إلى رفع القيود الجمركية عن بعض السلع للسماح للبضائع الهندية بدخول أسواقها والتشجيع على الاستثمار. ونيودلهي بدورها، ترغب بوضع جدول زمني لتعديل الخلل في الميزان التجاري.

كما أن الخلافات وسط أعضاء منظمة التجارة العالمية دفع الجانبين للعمل على تعزيز التعاون ومواجهة التحديات معاً" .

ولتعزيز إجراءات بناء الثقة يتشاور الجانبان حول سبل تعزيز التعاون العسكري والأمني وفتح خطوط اتصال ساخنة بين قادة البلدين وحماية حدودهما المشتركة .

تبقى مسألتين هامتين تريدهما الهند من الصين وهي دعم الهند لانضمامها إلى مجلس الامن في حال تم إصلاحات في الأمم المتحدة وانضمام الهند إلى مجموعة الموردين النوويين (NSG)وهذا ما لم تقوله بكين بعد .

الملفات الساخنة والخلافات الجوهرية

, مما لا شك فيه أن الصين تنافس الولايات المتحدة على قيادة العالم وتحاول التقارب مع معظم دول العالم لتنفيذ مشروعها طريق واحد حزام واحد.وتعد الهند من الدول الهامة والرئيسية ولايمكن للصين أن تتجاهلها . الدول الغربية والولايات المتحدة وخصومها الآسيويين يتقربون من الهند لتحجيم دورها المتنامي .ولذلك فإن تودد التنين للفيل يحمل في طياته العديد من المغريات والحوافز لإبقاء الهند بعيدة عن المحاور المعادية للصين. تربط البلدان حدود طويلة تتجاوز الـ 3600 كم كبقية دول العالم التي استقلت عن الاستعمار البريطاني مازالت هناك ملفات عالقة لم يتم البت بها وكلما أرجئت الحلول النهائية، كلما أصبح من الصعب التوصل لحل يرضي الطرفين بل يشعل روح الانتقام والبحث عن خيارات أخرى لحل النزاعات .فقد وقعت حرب بين الجانبين عام 1962 على خط ماكماهون في منطقة اكساي تشين من الهيمالايا في اقليم كشمير وولاية انوراتشال براديش التي انسحبت منها الصين للهند بسبب الضغوط الدولية ولكنها مازالت تعد عاملاً مقلقاً و نزاعاً خطيراً بين البلدين .

ولعب إقليم التيبت دوراً رئيسياً في بقاء الخلافات قائمة بعد أن حضنت الهند الزعيم الروحاني الدلاي لاما وسمحت  بإنشاء دولة التبت في المنفى .

 من الهواجس التي تقلق الصين هو تسلم حزب بهاريتا جاناتا القومي الهندوسي زمام السلطة في البلاد والتقارب مع الولايات المتحدة ومخاوفها من أن تصبح الهند طرفاً في المحور الأمريكي المعادي لها .هذه المخاوف زادت بعد اللقاء الأخير بين الزعيمين الهندي والامريكي في الولايات المتحدة على الرغم من عدم التوصل لحلول جذرية  حول الخلافات التجارية بين الهند والولايات المتحدة ونقل التكنلوجيا العسكرية والتقنية الأمريكية للهند. ومع ذلك توّسع الولايات الهندية من الوجود الهندي في منطقة آسيا باسيفيك وتشجع على الحوار الهندي مع دول الآسيان والرباعية بين الهند والولايات المتحدة واستراليا واليابان .

زيارة الرئيس الصيني تأتي بعد قرار الهند إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي المتعلقة بالوضع الخاص في  إقليم جامو وكشمير. وكانت الصين قد انتقدت القرار الهندي وكذلك تقسيم الولاية إلى منطقتين جامو وكشمير ولا داخ المتاخمة للحدود الصينية ومعظم سكانها من البوذيين وهناك تتواجد منطقة أكساي تشين التي تسيطر عليها الصين من الإقليم .وبسبب الاستياء الهندي من الموقف الصيني حول الملف في مجلس الأمن فقد استضاف الرئيس الصيني رئيس وزراء باكستان عمران خان وعدد من قادة الجيش الباكستاني وأطلع الجانب الهندي على الموقف الباكستاني ومباحثاته معهم دون التطرق لملف النزاع حول اقليم جامو وكشمير والإقرار الهندي الاخير الذي تعتبره الهند شاناً داخلياً .وتدرك الهند أن التقارب الصيني الباكستاني يحسن من الوضع الاقتصادي لباكستان ويفشل خططها في الضغط اقتصادياً  وسياسياً لعزلة باكستان واتهامها برعاية الإرهاب عبر الحدود كما تقول الهند ، لكنها في الوقت نفسه تدرك حاجة الصين للممر الاقتصادي الصيني الباكستاني كجزء من خطتها لطريق الحرير .ناهيك عن القلق الصيني من تدفق المتشددين إلى الأقاليم الصينية ذات الأقلية المسلمة التي تحاول بعض القوى استغلالها  مالم تحافظ الهند على علاقات ودية مع باكستان وأفغانستان  ولذلك لم تدعم قضية الزعيم الباكستاني مسعود اظهر ووضعه على قائمة الإرهاب.

ويبدو أن هناك نوع من التفاهم لحوار ربما في المستقبل بين الدول الثلاث لحل النزاع حول إقليم جامو كشمير والنزاعات الحدودية هناك.

نيودلهي تريد من بكين بيان مواقفها بشكل واضح حول مسالة النزاعات الحدودية ولذلك عقدت أكثر من 21 جولة بين مسؤولي البلدين لحل النزاعات والبت بالملفات الاخرى العالقة . ومثل هذه القمم غير الرسمية تساهم في دعم الحوار كما هي القمة القادمة في بكين .وهذا مؤشر ايجابي على ان الزعيمين على قناعة تامة بان السبيل الوحيد لحل الخلافات هو الحوار وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والتواصل بين شعبي البلدين واتفقا على التشجيع للسياحة الزيارات بينهما.

يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين قرابة 90 مليار دولار أمريكي والبضائع الصينية الرخيصة تغرق الأسواق الهندية وتهدد الناتج الوطني والشركات الهندية. والهند تريد من الصين فتح أسواقها أمام البضائع الهندية لتعديل العجز في الميزان التجاري .

يومان على شواطئ مدينة ماهاباليبورام بالقرب من أهم الصروح المعمارية السبع في العالم التي صنفتها  منظمة اليونسكو، جلس التنين الصيني إلى جانب الفيل الهندي يشربان ماء نبتة جوز الهند والشمس تغيب وعين على المحيط الهندي وعين على بحر الخلافات لتهدئة وتلطيف الأجواء بين عملاقي آسيا والعالم يتسع لكليهما.

 

                                                                         الدكتور وائل عواد **    

 

 

** كاتب صحفي سوري مقيم في الهند

www.waielawwad.com

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.