تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الصمود السوري والخيارات الاستراتيجية..؟!

مصدر الصورة
وكالات

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، "إن البعض يريد من الولايات المتحدة أن تحمي حدود سورية... رغم بعدها 7000 ميل". الرئيس ترامب أعطى بالأمس دروساً كثيرة للأغبياء الذين لا يفهمون والذين لا يريدون أن يفهموا؛ أولهم بعض العرب ممن احتضنتهم سورية وعانت وحوربت واتهمت وعوقبت بسببهم؛ هؤلاء لا يفهمون ولا يريدون أن يفهموا، مثل حركة «حماس» الإخوانية التي أصدرت بالأمس بياناً تؤيّد فيه رسمياً العدوان التركي على الجمهورية العربية السورية. حقيقة، لا تهم مواقف مثل هؤلاء، ولكنها تدل على الغباء والعمى السياسي وعدم القدرة على قراءة التطورات الإقليمية والعالمية وعدم معرفة اتجاهات السياسات الدولية.

أصدقاء سورية الحقيقيون لا يزالون معها، بل أكثر صلابة في الوقوف إلى جانبها، مع اقتراب قطف ثمار الصمود والصبر؛ مع وصول طلائع الجيش العربي السوري إلى الحدود الدولية في الشمال مع تركيا، وسط ترحيب الأهالي ممن عانوا وما زالوا يعانون من عصابات القتل والإجرام؛ أجل الجيش العربي السوري يستعيد مناطق واسعة في الشمال والشرق، وسط ترحيب الأهالي أمام عدسات كاميرات المبغضين والأعداء؛ الآباء والأمهات والأطفال يرفعون علم الجمهورية العربية السورية وصور الرئيس بشار الأسد مُهللين لقدوم جيشهم الغالي؛ الذي على وقع انتصاراته بدأت من على الأرض السورية المقدّسة سلسلة التحولات والتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية؛ ليمتد الانتصار من موسكو إلى دمشق والضاحية الجنوبية في بيروت مروراً بطهران وبغداد؛ ولترتسم معالم الهزيمة وتتضح وتنال من كل الذين حاربوا سورية وأرادوا النيل منها؛ الكيان الإسرائيلي وبعض العرب الأغبياء والنظام التركي ورئيسه المفلس المخبول وآخرون شركاء في المؤامرة. 

مع تقدّم قوات الجيش العربي السوري وزيادة سرعة انتشاره، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدأ زيارة إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة؛ لا نعرف سرّ التزامن، ولكن الانتصار الميداني سيصرف بالسياسة، وأركان النظام السعودي ـ رغم تأخرهم في ذلك ــ  لا بدّ وأنهم يقرأون التطورات الجديدة والتبدلات في موازين القوى الدولية وتراجع حليفتهم الوحيدة الولايات المتحدة الأمريكية. الإماراتيون كانوا أكثر جرأة وقدرة على قراءة التطورات والاعتراف بالوقائع الجديدة ولذلك حاولوا/ اتخذوا خطوات تجاه سورية تعترف وتدرك أن المخططات التي أرادت إسقاط هذا البلد فشلت وسقطت وخابت. أجل، تأخر النظام السعودي بفهم الواقع والتطورات ولاسيما بعد مشاركته في العدوان على سورية تخطيطاً وتمويلاً وتسليحاً. تأخر النظام السعودي حتى أصبح واضحاً فشله وأنه يقف في "طابور" الخاسرين من الحرب على سورية الصامدة.

بالطبع ليس النظام السعودي وحده خاسراً؛ إردوغان تركيا يخسر في الميدان والسياسة والاقتصاد أيضاً؛ غلاظة العقل العثماني الإخواني التي يحملها رجب طيب إردوغان منعته من التفكير السوي و"شوّشت" عليه الرؤية، واختلطت الأوهام بالواقع، ومدّ رجليه أبعد من بساطه، وتوهم أحلاماً وتبّى أفكاراً يتخطّى تنفيذها قدرات بلاده وإمكاناتها وما يسمح به الواقع الدولي والتوازنات الدولية، فبدأ يخسر ويدمّر ما بناه ويعيد الأمور إلى نقطة البداية، وكأنه لم يقدّم لبلده شيئاً؛ لكنّ العدوان التركي الأخير على الأراضي السورية، سيكّلف الرئيس التركي وبلاده الكثير؛ إنها فرصة كل من لا يطيقون إردوغان ونظامه للانقضاض عليه والتخلص منه، وقد بدأت العقوبات وسلسلة الحصار تنهال على تركيا، لجعلها تدفع ثمن سياسات إردوغان تجاه سورية وأوروبا، وثمن وانفتاح أنقرة وعلاقاتها مع روسيا، وثمن ملفات عديدة.. وكأن "صدّاماً" آخر لم يعتبر.

لكنّ القلق الأكبر والارتباك الأشد في القدس المحتلة، وفي تل أبيب؛ الصهاينة الذين راهنوا على سقوط سورية وحدد زعمائهم المُهل والأسابيع لذلك، يقفون وقد بلعوا "الموس" من حدّيه؛ لم تسقط سورية ولن؛ جيشها المحارب منذ سنوات اكتسب كل أنواع الخبرات وجرّب كل أنواع الأسلحة، ومثله المقاومة التي غدت أشد وأكثر مراساً وخبرة وتسليحاً؛ الحدود التي انتظر أعداء سورية أن تكون وبالاً عليها، تحولت إلى اتصال مفتوح لحلفاء وأصدقاء سورية، والعدو الإسرائيلي يقرأ ويفهم جيداً معنى إسقاط القوات الإيرانية للطائرة الأمريكية المسيّرة، ولعملية الحوثيين الدقيقة والمُتقنة التي دمّرت منشآت شركة "أرامكو" السعودية، وقد بدأ "يتحسس" رأسه؛ الخيبات متعددة وعلى جميع الأصعدة، وأكاذيب رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصبحت تحاصره وتلتفّ حول عنقه كحبل المشنقة؛ الواقع يقول إنه في أي حرب قادمة، سيتم تدمير الكيان الإسرائيلي وإنهاء وضعه غير الصحيح في المنطقة العربية . 

وفي هذا التوقيت، تأتي زيارة الرئيس بوتين إلى الخليج؛ السعودية والإمارات. ليس مبالغة الحديث عن انكفاء وتراجع حلف "الحرب" الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي وآخرين؛ رئيس الولايات المتحدة لا يريد الحرب لأسباب عديدة، أهمها أنه لا يقدر عليها أصلاً؛ زيارة الرئيس الروسي، ستساعد في حفظ ماء وجه النظام السعودي بعد الانتكاسات والهزائم المتتالية التي لحقت به، في اليمن وفي الداخل السعودي وفي الإقليم بعامة. زيارة الرئيس بوتين، ستتكيء حتماً على الإنجاز الميداني السوري؛ ولذلك فهي ستحدث توازناً في الموقف السعودي من سورية ومن إيران؛ ستساعد النظام السعودي في النزول عن شجرة العداء التي صعّدها ضد سورية وضد إيران وضد المقاومة؛ الزيارة ستحدّ من الاندفاع الخليجي باتجاه الكيان الإسرائيلي المخادع؛ سيسأل هؤلاء لماذا التطبيع مع العدو بعد اليوم، ما هي الفائدة إذا كان الكيان غير قادر على حماية نفسه أصلاً..؟!!

بالمحصلة، حاربت سورية وصمدت وصبرت، وهي الآن شريكة أساسية في بناء العلاقات الدولية الجديدة، والنظام الدولي الجديد المتعدد الأقطاب، الذي يحجّم الهيمنة الغربية ويجبرها على التراجع، مقابل صعود قوى عالمية جديدة تؤمن بثقافة الحوار والمساواة والعدالة؛ نظام عالمي آخر يقوم على التعاون والتكامل، والمواجهة الجماعية للتحديات والمشاكل التي تواجه العالم، من الفقر والأمراض إلى مشاكل المناخ، وصولاً إلى الحروب وأسلحة الدمار الشامل..؟!!

                                                      بديع عفيف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.