تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

معبد رام مكان مسجد بابري في الهند – عندما تنتصر المعتقدات والإيمان على سيادة القانون

مصدر الصورة
وكالات

في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول عام 1992 قبل 48 ساعة من تدمير مسجد بابري في مدينة أيوديها في ولاية أوتار برادش كانت مجموعة من المتشددين الهندوس يتدربون  على جّر صخرة ضخمة بالحبال كّي يتم رميها على قبة مسجد بابري .كانت  هذه الجماعات التي جاءت من معظم أرجاء الهند  تتدرب للهجوم على المسجد واقتحامه, وتدميره بأسرع وقت ممكن , قبل تدخل قوات الأمن والشرطة وإقامة معبد متنقل مكان المسجد على أمل أن يتم الاستيلاء على المنطقة وبناء معبد الإله الهندوسي رام مكانه باعتبار أن الإله رام ولد  في غرفة تحت  قبة  المسجد  قبل 7121 سنة  في 10-1-5112 حسب مهاريشي فالميكي وهو عالم فلكي كبير سرد قصة رام  في رواية رامايانا بعد أن تم تنصيب اللورد رام ملكاً على أيوديها! وكان الحشد الضخم مصمم على بناء المعبد المزمع إنشاؤه في مكان  مسقط رأسه .

نسج هذه الخطة قادة حزب بهارتيا جاناتا و المنظمات الهندوسية الأم وتغاضى عنها حزب المؤتمر والحكومة المحلية في الولاية وتجاهلت المحكمة حينها انتهاك دستور الهند واحترامه لجميع الأديان وحظر تدمير أماكن العبادة لأي طائفة دينية .

وبالفعل تجمع قادة حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي والزعماء الدينيين المتشددين ، قادة الحراك الشعبي بالإضافة إلى الآلاف من أنصارهم ،يحملون العصي والهراوات وأحجار البناء والفؤوس والأدوات اللازمة للهدم والبناء . كان رئيس الوزراء آنذاك ناراسيما راو ووزرائه ، في حكومة  حزب المؤتمر الوطني، يراقبون عمليات الهدم على شاشات التلفزيون وقوات الأمن والشرطة تراقب الوضع حتى تم تدمير مبنى  المسجد بالكامل وبني معبد رمزي مكانه .

كان المنظر مذهلا" وتعرض العديد من زملائنا الصحفيين للضرب والطرد من قبل المتجمهرين الذين أشعل الحماس والجهوزية للمضي قدماً والتصدي لكل من يمنعهم من إكمال مهمتهم الموكلة لهم . ساعات عاشها الشعب الهندي وهو يراقب ما يحدث أمام عينه حتى دمّر المسجد بالكامل وهاج الحشد وهم يطلقون الشعارات  الدينية والهتافات  التي تمجد بالاله رام الهندوسي وعودة مجد الهند على أيديهم في حين كان العديد يرون القضية سياسية وانتهاكاً للدستور الهندي وحرية الأديان في البلاد.

امتزجت مشاعر الشارع الهندي وسط الأغلبية التي أيدت ضمنياً أو بشكل علني الاستحواذ على أرض المسجد باعتبار أنها اصلاً هي لمعبد هندوسي بغض النظر عن السرد التاريخي للحدث وعدم وجود دلائل مادية الادعاءات , بأنها مسقط رأس الإله رام على الرغم من تعدد الروايات والاختلاف حول مكان ولادته في مدينة أيوديها استغل الحدث  لإشعال الحماس عند الأغلبية الهندوسية في شبه القارة.

كان تدمير مسجد بابري المخاض لحملة شعواء قادها قادة حزب بهارتيا جاناتا بزعامة لال كريشنا ادفاني ، أتال بيهاري فاجبايي ،مانوهار جوشي ، أوما بهارتي وغيرهم من الزعماء الهندوس في جميع أرجاء شبه القارة  في حملة تهدف إلى هندكة الهند وبناء أمة هندوسية قوية عسكرياً وشعائرها ومعتقداتها القديمة . أستذكر خطاب الزعيم لال كريشنا ادفاني في  30 أكتوبر/ تشرين الأول عندما قال بأن الهندوس سوف يبنون المعبد ولن تستطيع أي حكومة من منعهم  القيام بذلك.

قامت الحكومة الهندية بضم أراض محيطة بمكان المسجد المتنازع عليه,  وفي عام 1993 أحيلت  القضية  إلى المحكمة ووجهت التهم  إلى الكثيرين القيام بأعمال إجرامية من خلال هدم أماكن للعبادة. وسجلت قضايا  بحق عدد من قادة الحراك الشعبي الهندوسي. ولكن ألغت تهم المؤامرة ضد الزعيم الديني لأسباب تقنية . في نيسان / أبريل  عام 2002 بدأت المحكمة العليا البت بالقضية , وقسّمت الأرض المتنازع عليها بين ثلاثة أطراف  وبدأت الوساطات والضغوط لإقناع الجانب الإسلامي بالتنازل عن الأرض لصالح الأغلبية الهندوسية لتمكينهم من بناء المعبد المزمع انشاؤه باعتبار أن القضية أصبحت مطلباً شعبياً . وأصدرت المحكمة العليا الهندية في 9-11-2019 قرارها التاريخي بمنح الأرض إلى جمعية تحت إشراف الحكومة المركزية , وإعطاء قطعة أرض بديلة للمسلمين لبناء المسجد . ووضعت البلاد في حالة تأهب قصوى تحسباً لأي طاريء في الوقت الذي عمت  فيه البهجة أغلبية  السكان في شبه القارة لهذا القرار التاريخي الذي  سوف يمهد الطريق لبناء المعبد وإرضاء الأقلية المسلمة رغم اختلاف في وجهات النظر حول قرار المحكمة هذا المثير للجدل , والذي لم يستند على  إثباتات تاريخية ، حسب المؤرخين والقانونيين.وفشلت إدارة الآثار في تقديم الدلائل القاطعة عن وجود آثار لمعبد تحت الأنقاض  وإنما جاء قرار المحكمة مستنداً على العقيدة والإيمان بصحة الرواية الهندوسية وحقهم الشرعي في امتلاك الأرض.

وطالبت الأوساط الدينية والسياسية احترام قرار المحكمة والابتعاد عن العنف الطائفي وضروة التعايش  السلمي بين جميع الطوائف في الهند واحترام دور العبادة للجميع واعتبار أن المس بأي مكان للعبادة جريمة يعاقب عليها القانون الهندي.

أبعاد النزاع

لابد من التاكيد هنا أن الانتشار الحقيقي للدين الإسلامي في الهند  جاء إلى جنوب البلاد عبر التجار العرب المسلمين والرحالة والبعثات التبشيرية لنشر دين المحبة والمساواة والإحسان  دون إجبار أحد بالقوة وإنما بالحسنى والكلمة الطيبة والهداية.ولاحظ المهراجا حاكم ولاية كيرالا وجود هؤلاء التجار والرحالة لشهور في الولاية وهم يتاجرون بـبضائعهم ويتقايضون بالبضائع الهندية ويتعاملون بصدق وإخلاص ويعيشون وسط الأهالي بالتآخي والمحبة والوئام، مما أثار فضول المهراجا ودعى مجموعة منهم ليستمع لهم ويتعرف عليهم وعلى مطالبهم. طلب التجار المسلمون  من المهراجا أرضاً لبناء مسجد يؤدون صلواتهم خلال ترحالهم وبالفعل قام بمنحهم الأرض وبني  المسجد الذي يعّد من أوائل المساجد التي بنيت  في الهند ومازال قائماً حتى يومنا هذا.

بدأ الدين الإسلامي بالانتشار في مناطق السواحل الجنوبية من شبه القارة  ومن ثم انتشر إلى السواحل الشرقية والغربية والجزر الهندية بعد أن نشطت الدعوات الاسلامية في العهد الأموي. اعتنق العديد من الهنود الدين الحنيف  من بينهم العديد من أبناء الطبقات المنبوذة في الهند  للقيم  النيرة ومساواته بين جميع بني البشر .

دخل الإسلام المناطق الشمالية الشرقية للهند عن طريق الغزوات التي قادها المهّلب بن ابي صفرة وبعده  القائد محمد بن قاسم الثقفي  .و تناوب على حكمها عائلات من الغزنويين والغوريين والخلجيين و اللوديون قبل دخول المغول المتوحشين ونزع الحكم منهم.

     اتهم الغزاة المسلمون  بتدمير الآلاف من المعابد الهندوسية واجبار  السكان الهندوس على اعتناق الدين الإسلامي  بقوة  السلاح والتهديد . وبالفعل قتل العديد منهم وأجبر الكثير على تغيير معتقداتهم بالقوة .

خلال حقبة المغول ،حكم الإمبراطور المغولي ظهير الدين محمد بابر الهند، الذي ينتمي للعنصر المغولي التركي،   عام 1525 ولمدة خمس سنوات قام ببناء مسجد بابري في مدينة ايوديها عام. بدأت الخلافات حول مكان مبنى  المسجد بعد انتهاء حكم المغول عام 1857 ودخول الاستعمار البريطاني   وخلع آخر إمبراطور مغولي محمد بهادور ظفر شاه عام  1876 و تم نفيه إلى ميانمار .

تقدم زعيم ديني هندوسي هو ماهانت راغبير في عام 1885, بالتماس إلى محكمة مدينة فايز آباد يطلب بها السماح ببناء معبد مكان المسجد بابري لكن المحكمة رفضت طلبه . وقعت أعمال عنف في عامي 1855-1856. توقف المسلمون عن الصلاة في المسجد  عام 1858  بعد قيام عدد من الهندوس يقودهم بيهانغ سينغ فكير و25 من أنصاره بوضع تماثيل للإله رام داخل المسجد وبدأوا بأداء الطقوس الهندوسية هناك . ومنذ حينه  تكاثرت بذور الفتنة خلال فترة حكم الاستعمار البريطاني وبدأت أعمال العنف الطائفي تتكرر بشكل منظم وتعرض المسجد مرة ثانية  للاعتداء في عامي 1934 و1949 .

في 22-23 من ديسمبر/ كانون الاول عام 1949 ، وضعت تماثيل  هندوسية للإله رام داخل المسجد بشكل سري وبدأ الزعماء الدينيين الطلب من المحكمة السماح للهندوس بأداء طقوسهم الدينية داخل المسجد . وقعت اعتداءات متكررة  وأعمال شغب وتعرض المسجد لتدمير جزئي واستغلت الأحزاب السياسية الهندية المشاعر الدينية عند الطرفين لأغراض سياسية في الوقت الذي طالبت  به دار الأوقاف في الولاية الحكومة بازالة التماثيل من المسجد وإبعاد الهندوس من المنطقة .

سمح للهندوس بأداء الطقوس الدينية في فبراير 1988 أبان فترة حكم راجيف غاندي رئيس الوزراء الراحل إرضاء لمشاعر الأغلبية الهندوسية . وفي عام 1989 ألغت المحكمة صفة المتنازع عليه واخضعت المنطقة تحت حالة " الوضع الراهن".

 وقعت أعمال عنف طائفي في عدة مناطق في الهند وبدأت عملية استقطاب الناخبين على أسس طائفية و فاز حزب بهارتيا جاناتا بأكبر نسبة من المقاعد البرلمانية من مقعدين فقط إلى 120 مقعد في الانتخابات  العامة عام 1991 و بأغلبية المقاعد في ولاية اتار براديش موطن النزاع حول المسجد/المعبد . دمّر المسجد في السادس من ديسمبر كانون الأول عام 1992. وشكلت لجنة ليبرهان للبت بملابسات القضية .ماطلت المحكمة البت بقضية النزاع إلى أن تسلم حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي السلطة  المركزية في البلاد . وبدأ الحزب يسّرع  البت في القضية لبناء المعبد والذي اعتبره من القرارات الرئيسية التي وعد فيها الناخب الهندي في برنامجه الانتخابي ببناء المعبد بالإضافة إلى إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي كانت تمنح ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة حكماً ذاتياً وبالفعل نفّذ الحزب وعوده الآن .

ماذا بعد ؟

هناك مخاوف في الهند من قبل الأقلية المسلمة أنها تتعرض لأعمال عنف وقتل على أيدي متشددين هندوس والحكومة تغض النظر عن ذلك .ويعتبر البعض أن قرار المحكمة هذا سوف  يمهد الطريق نحو المطالبة بالعديد من أماكن العبادة للمسلمين وتدميرها بحجة أنها بنيت على أنقاض معابد هندوسية دمّرها المغول .لكن القانون الهندي يمنع تدمير أماكن العبادة لأي طائفة وتعتبره عملاً إجرامياً .

لا شك أن الحقبة المغولية لم تكن مرحلة مرغوب بها في شبه القارة خاصة في التاريخ الحديث للهند ونمو النزعة القومية الهندوسية ومشاعر العداء للاستعمار وباكستان وتقسيم الهند على أسس طائفية .

هناك انطباع لدى شريحة لابأس بها من المجتمع الهندي المؤرخين والأكاديميين بأن  تاريخ  الفتوحات الإسلامية والغزوات كانت دموية  خصوصاً  التتار والمغول هذه المجموعة من الشعوب الناطقة باللغة التركية ،الذين غزوا شمال الهند وقاموا بالنهب والقتل وسبي  النساء  وتدمير الممتلكات وبث الرعب والخوف في نفوس البشر وفرض الدين بالقوة .ولم تقتصر هذه الهمجية على بلاد الهند بل طالت بلاد المسلمين أيضاً قبل دخول المغول الاسلام.

لا بد هنا من الذكر هنا أن بقايا  الوحوش من التتار أحفاد تيمورلنك  ,وهولاكو وجنكيز خان حاولوا ومازالوا يحاولون من خلال الهجمة التترية الجديدة ، تدمير عاصمة الأمويين دمشق  من  خلال برنامج محكم و قتل ممنهج وتطهير عرقي وتدمير للتراث . يرتكبون الفظائع باسم الدين ويحاولون القضاء  على دين الإسلام  السمح والتعايش السلمي بين جميع أطياف المجتمع السوري ، و الذي تتميز به سورية ،وأداة هؤلاء تجار الدين الجدد متمثلة بالخليفة إردوغان وجيوشه من الإرهابيين التكفيريين الذين أعادوا إلى أذهاننا ما فعله التتار والمغول في الدول الإسلامية فما بالك في الدول الأخرى بما فيها الهند؟. لابد لنا من وقفة مع الذات لأن هذه الأعمال الاجرامية ضد  الانسانية جمعاء .ويتوجب علينا مراجعة هذه التصرفات الهمجية والأعمال الإجرامية التي ضربت بلادنا  باسم الدين ،قبل أن نبرر  أو ننتقد ردود فعل الجانب الآخر,  أخطاء ارتكبت قبل مئات السنين ويترتب على المسلمين الحاليين دفع جزاء ذلك! ولا يعني على الإطلاق أن ما يفعله الطرف الآخر مبرر وعلى مبدأ العين بالعين والسن بالسن.

أهمية القرار وأبعاده

يرى العديد أن قرار المحكمة العليا جاء مبنياً على المعتقدات بالسرد التاريخي للقضية وليس على إثباتات مادية وذلك لنزع بذور الفتنة الطائفية  وتخفيف حدة التوتر  وطي صفحة صعبة في تاريخ الهند وليس تكريماً للمتهمين بتدمير المسجد. بالواقع كان هناك شبه إجماع بين المسلمين أنه حتى ولو فازوا بالقضية , عليهم تقديم الارض كهدية  للطرف الآخر لبناء المعبد احتراماً لمشاعر الأغلبية  وليس بالطريقة التي تم فيها إصدار الحكم وكأنه رضوخ . لو كان هناك قادة مسلمون ذو بعد نظر وقاموا بتسليم الأرض بعد سقوط حكم المغول لما وقعت هذه الأعمال الطائفية وانقسمت الهند واستغل الاستعمار البريطاني سياسة فرق تسد...

على أية  حال, تنفس سكان مدينة ايوديها المتواضعة الصعداء، بعد قرار المحكمة وطالب القادة المسلمون بعدم استئناف الحكم والقبول بقرار المحكمة العليا درءاً  للفتنة . الطرف الأجنبي الوحيد الذي كان ممتعضاً للقرار هو بعض الشخصيات الإسرائيلية التي ترى بهذا القرار فرصة لتدمير المسجد الاقصى وبناء هيكل سليمان المزعوم باعتبار أن المسجد الأقصى بني على أنقاض الهيكل وقرار المحكمة العليا الهندي سوف يصبح سابقة للقيام بأعمال مماثلة . هذه القناعات بالية وغير صحيحة لدى المتطرفين من اليهود والأغلبية المسلمة تؤمن بأولى القبلتين وأن تدمير المسجد سيكون له عواقب وخيمة ولذلك تقوم إسرائيل بالحفريات تحت المسجد كي ينهار تلقائياً و لا يتحمل المتطرفون اليهود مسؤولية ذلك.

من المتوقع أن يعطي هذا القرار زخماً جديداً لحكومة حزب بهارتيا جاناتا الاحتفاظ بكرسي السلطة وقمع المعارضين لأيديولوجية الحزب حول مستقبل الهند .ومن المبكر الحديث فيما إذا كانت الهند ستفقد مسارها العلماني ونظامها الديمقراطي لتدخل مرحلة سياسية جديدة يرسم معالمها ذوي اللباس الزعفراني .

 

                                           د.وائل عوّاد

                                  كاتب صحفي سوري مقيم في الهند 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية- خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.