تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ترامب بين سيناريوهين

مصدر الصورة
عن الانترنيت

د. ناجى صادق شراب

كما رأينا في سيناريو الرئيس كلينتون الذي نجا من العزل لعدم توفر الثلثين بسبب سيطرة الديمقراطيين وقتها على الشيوخ وهو السيناريو الذي يمكن أن يتكرر اليوم مع الرئيس ترامب بحكم أن للجمهوريين 53 نائباً

من أبرز سمات السياسة الأمريكية، الثنائية الحزبية التي تحكم النظام الأمريكي. هذه الثنائية قد تفسر العديد من التطورات والأحداث السياسية التي تشهدها الساحة السياسية ، لكن في الوقت ذاته لا يمكن الاقتصار في تفسير التطورات السياسية من المنظور الحزبي فقط، بل هناك السياق الدستوري الصارم الذي يحكم عمل المؤسسات السياسية والعلاقة بينها، وكذا من منظور التركيبة المجتمعية، وأذكّر هنا بقول الرئيس الراحل كيندي بأن أمريكا أمة من المهاجرين، وبقوله «عندما كنت عضواً في الكونجرس كنت واحداً من بين 535 ينظرون للرئيس، وعندما أصبحت رئيساً كنت واحداً ينظر لهذا العدد».

هذا القول يوضح طبيعة العلاقة بين الرئاسة التي تمثل السلطة التنفيذية، فالرئيس وحسب الدستور يملك من الصلاحيات الدستورية ما يجعله المحور. أما الكونجرس فيمثل إرادة الشعب الأمريكي، وليس مستغرباً أن تكون له فقط سلطة توجيه الاتهام للرئيس في حال إساءة استخدام السلطة، فتبدأ خطوات العزل بمجلس النواب، وهذا ما يعطى الديمقراطيين قوة لتحكّمهم بأغلبية المجلس، فلهم 235 نائباً من 435، وأما مجلس الشيوخ بتكوينته من مئة عضو، فأغلبيته من الجمهوريين، وهو يملك سلطة محاكمة الرئيس وإقالته بتوفر أغلبية الثلثين، وهذا ما يعقّد إجراءات عزله، كما رأينا في سيناريو الرئيس كلينتون الذي نجا من العزل لعدم توفر الثلثين بسبب سيطرة الديمقراطيين وقتها على الشيوخ وهو السيناريو الذي يمكن أن يتكرر اليوم مع الرئيس ترامب بحكم أن للجمهوريين 53 نائباً، ما يجعل الحصول على أغلبية الثلثين مستبعداً إلا في حالة واحدة وهي ثبوت التهم وقناعة نواب من الجمهوريين بذلك، عندها يمكن أن يتكرر نموذج نيكسون بمحاولة إقناع أعضاء وقادة الحزب في الشيوخ باستقالته، وهذا مستبعد في شخصية ترامب.

هذا الإطار الدستوري هو الذي يحكم مصير ومستقبل الرئيس. فلقد حرص المؤسسون الأوائل أن يؤسسوا لنظام رئاسي قوي يكون الرئيس الأمريكي هو المجسد لقوة أمريكا ووحدتها، ولكن خوفهم من تحول الرئيس إلى ديكتاتور كما حال الرئيس ترامب، أوجدوا نظام الكوابح والجوامح؛ حيث يمكن لكل سلطة أن تحدّ من تغوّل السلطة الأخرى، وتمنح الكونجرس والنواب كما أشرنا سلطة الحفاظ على الدستور ومراقبة الرئيس في استخدام سلطاته الرئاسية، لكنهم في الوقت ذاته وضعوا قيوداً معقدة، حرصاً على استقرار النظام السياسي الأمريكي. ولذلك وعلى مدار 240 عاماً من تاريخ الولايات المتحدة قام الكونجرس أو النواب بتوجيه اتهامات لما يقرب من ستين رئيساً وموظفاً فيدرالياً وقاضياً، لم يتمكنوا من توجيه تهم بالعزل إلاّ للثلث، من بينه ثلاثة رؤساء أولهم الرئيس أندرو جونسون في أعقاب الحرب الأهلية عام 1861-1865 وإقالته لوزير الدفاع لكنه نجا من العزل بصوت واحد في الشيوخ ، والآخران نيكسون بعد فضيحة ووترجيت، حيث قدم استقالته، أما كلينتون فلم يمنع النواب من توجيه اتهام له بعد فضيحة مونيكا لوينسكي من قبل الجمهوريين لكن أغلبية الديمقراطيين في الشيوخ حالت دون ذلك. اليوم وبعد فوز الديمقراطيين بأغلبية النواب ومنذ اليوم الأول وهم يتربصون بالرئيس ترامب لتوجيه تهم إليه.

ويبقى السؤال عن مصادر قوة الرئيس الأمريكي وتحديه لما يقوم به الديمقراطيون ويقدم نفسه على أنه الرئيس المثالي الذي لا يخطئ، وتلويحه بالحرب الأهلية في حال عزله، وترديده لمدونة القسيس جريفس أن عزل الرئيس ترامب قد يقود للحرب الأهلية، وهذه سابقة سياسية لم يجرؤ عليها أي رئيس من قبله. قوة الرئيس ترامب أيضاً تكمن في شعبيته بين البيض الذين يشكلون قاعدة انتخابية قوية له، وهذه القوة تشكل حسب تعبير بعض المحللين مثل «طبقة التيفال» التي تشكل منطقة عازلة وحامية له. الخطورة تكمن في التوقيت الذي تتم فيه عملية العزل حيث يعاني النظام السياسي الأمريكي أزمة، وكذلك الديمقراطية، لكن كل هذا لن يحول ويعيق حماية الدستور الأمريكي. والسؤال: هل سيفوز الديمقراطيون أم سيخسرون؟ والتذكير بما حدث مع الرئيس أندرو جونسون وما كتبه برند أوينيابل: «عزل جونسون فشل، لكن النظام ربح».

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.