تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

بعد العدوان الأمريكي والرّد الإيراني: لم يذهب أحد للنوم هانئاً..

مصدر الصورة
وكالات - أرشيف

بديع عفيـف

قصفت الولايات المتحدة مواقع للحشد الشعبي العراقي قرب الحدود العراقية-السورية وتلته باغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الفريق قاسم سليماني، ومعه أبو مهدي المهندس نائب قائد «الحشد الشعبي» العراقي؛ ردّت إيران باستهداف قاعدتين أمريكيتين في العراق؛ أظهر الطرفان استعراضاً لافتاً للقوة، لكن العرض الإيراني ربما كان الأهم لأنه لم يكن معروفاً من قبل بهذا الحجم. هل تغيرت قواعد الردع بين القوة الإقليمية والقوة العظمى؟ أجل؛ لا يمكن للقوة العظمى تحقيق الانتصار عسكرياً كاملاً إلا باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً.. ولا يمكن للقوة الإقليمية هزيمة القوة العظمى عسكرياً بشكل كامل.. ماذا إذن..؟!

العدوان الأمريكي على العراق ومن ثم اغتيال القائدين الكبيرين، ومن ثم الرد الإيراني المحسوب، فتح الباب لتطورات جديدة وقراءة مختلفة للأوضاع في المنطقة؛

أولاً، إن العدوان والاغتيال اللذين قامت بهما الولايات المتحدة أكدا المؤكد، وهو أنّ هذه الدولة العظمى لا تتورع عن القيام بأي فعل أو عمل لتحقيق مصالحها ومصالح كيان العدو الإسرائيلي، ولا يهمها في هذا الشأن مصالح غيرها أو مواقف ومصالح حلفائها وأدواتها في العالم والمنطقة؛ الإدارة الأمريكية أثبتت أنها جاهزة لإسقاط كل الخطوط الحمراء لتحقيق مصالحها، سواء في قتل الأشخاص المناوئين أو حتى تدمير الدول أو استخدام أي أنواع من الأسلحة الفتاكة؛ لكن البوصلة الأمريكية قد تكون تعطلت منذ الآن؛ لقد اكتشفت الولايات المتحدة أنّ للقوة مهما عظُمت حدوداً، وأنّ هيبتها لم تعد كما كانت، وأنها لم تعد قادرة على فرض كلمتها وأجندتها واستخدام القوة دون ردّ، كما كانت في السابق؛ هل تحزن روسيا المُعاقبة أمريكياً، أو الصين المُحاربة تجارياً من الولايات المتحدة، بسبب هذه التحولات وبسبب انكفاء العصر ألأمريكي، والميل نحو عالمٍ متعدد الأقطاب؟ من المؤكد أن الجواب واضح جداً.

ثانياً، أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنّ تهديداتها لم تكن من فراغ؛ فقد تجرأت القوة الإقليمية على الرد على القوة العظمى وآذتها وآلمتها في العمق؛ مدى الصواريخ الإيرانية ودقتها يؤكد أنّ إيران قادرة على استهداف العدو في مساحة جغرافية واسعة تطال كل الدول المجاورة والبحار التي تستقبل قواعد عسكرية أمريكية؛ دقّة الصواريخ الإيرانية التي أدت لقتل ثمانين أمريكياً وإصابة عشرات آخرين في القاعدتين الأمريكيتين في العراق، كما أكدت إيران، أو لعدم قتل أو إصابة أحد، كما ادعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تؤكد مدى تقدّم التكنولوجيا الإيرانية وتطورها، وبالتالي حتمية أن يحسب العدو حسابها بمنتهى الحذر والجدية؛ الرد الصاروخي الإيراني عكس أيضاً، دقة الحسابات الإيرانية؛ الانتقام لاغتيال قاسم سليماني قبل دفنه وفي الزمن الذي تم اغتياله به، والأهم عدم تجاوز الحدود التي قد يؤدي تجاوزها إلى إشعال حرب واسعة ليس توقيتها مناسباً الآن..!!

ثالثاً، رفعت إيران، القوة الإقليمية، سقف مطالبها من الولايات المتحدة، القوة العظمى، وطالبتها بالرحيل عن المنطقة؛ على الولايات المتحدة مغادرة هذه المنطقة؛ رفعُ السقفِ إلى هذا الحد لم يجرؤ عليه أحدٌ من قبل، وهو يشي بمدى الشعور بالثقة بالنفس التي باتت تملكها القيادة الإيرانية ومدى الهدوء والحكمة والتعقل في اتخاذ القرارات والردود؛ ومن الطبيعي أن يكون شعار "على الولايات المتحدة مغادرة هذه المنطقة"، البوصلة التي ستتوجه وفقها السياسات الإيرانية في المرحلة القادمة؛ وبالتأكيد، عندما نتكلم عن إيران وسياساتها المقبلة، فإن الحديث يعني ضمناً حلفاءها في محور المقاومة الذين أكدوا التماهي التام مع الموقف والهدف الإيرانيان؛ هذا يعني عملياً أنّ الرد الإيراني هو أول الردود التي سيتلقاها الأمريكان وأدواتهم في المنطقة.

رابعاً، العمل على تحقيق هدف ترحيل الولايات المتحدة من هذه المنطقة، يعني أيضاً انعكاسات مُرعبة على سياسات ومواقف خصوم إيران وأدوات الولايات المتحدة في المنطقة؛ لقد ظهر الارتباك والخوف واضحين على تصريحات ومواقف المعنيين في الخليج العربي؛ فأيُّ تصعيدٍ في المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، وأيُّ توسع للحرب في المنطقة، سيعيد اقتصادات المحميات الخليجية إلى الصفر، وتجربة قصف منشآت شركة "أرامكو السعودية" في أيلول الماضي ما تزال حيّة وماثلة.

خامساً، الكيان الإسرائيلي, لم يكن الخوف والقلق الإسرائيليين واضحين كما كانا في الأيام والأسابيع الماضية؛ لقد بلع قادة الكيان العسكريين ألسنتهم، و"تأرنب" رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، وجميعهم أصبحوا مدركين أنه في أي حرب قادمة، فإن العمق الإسرائيلي والمنشآت الإسرائيلية العسكرية والنووية ومرفأ حيفا ومنشآتها وكلّ البنية التحتية سيكون تحت القصف وسيتعرض للتدمير، وهذا يشكّل رعباً حقيقياً في كيان العدو المحتل. لكنّ الأهم هو عدم معرفة العدو الإسرائيلي للاتجاه الذي تسير نحوه الأمور وتتطور باتجاهه الأوضاع؛ بمعنى آخر، ضبابية مستقبل الكيان ووجوده في هذه المنطقة بعد المتغيرات الإقليمية والدولية وتغيير موازين القوة الإقليمية والعالمية، فيما بات محور المقاومة يفرض نفسه "جيوبوليتيكياً" على الأجندة الدولية، ولا بد أن تأخذ القوى العالمية الصاعدة تلك التطورات بالحسبان..

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.