تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

التوتر بين أمريكا وأوروبا

مصدر الصورة
عن الانترنيت

ديفيد وينِري *

العلاقات بين ضفتي الأطلسي متدنّية. من إيران إلى التجارة مع الصين، إلى التغيّر المناخي، جانبا الأطلسيّ غير متفقين، والغرب منقسم على نفسه.

كثيرون في أوروبا يلومون الرئيس ترامب، على هذا الوضع. وواضح أن إدارة ترامب تتحمل بعض المسؤولية، ولكن التوترات عبر الأطلسي، تجري أعمق من الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين. ومن دون القيام بإجراء تصحيحي، ستنجرف الولايات المتحدة وأوروبا، مبتعدتين أكثر خلال العقد الحالي، بصرف النظر عمّن يجلس في المكتب البيضاوي.

إنّ توترات الولايات المتحدة مع أوروبا ليست جديدة. فمن المعروف جيّداً أن حرب العراق فرّقت شركاء الأطلسي، وألقت التداعيات السابقة بظلالها على السياسة. واليوم، بات مفهوم وقيمة التحالف عبْر الأطلسيّ، في حدّ ذاتهما، موضع تساؤل. ودونالد ترامب هو أول رئيس أمريكي حديث يقوّض التكامل الأوروبي، بدلاً من أن يشجعه؛ ويَعتبر الاتحاد الأوروبي تهديداً، لا حليفاً؛ ويحقن حلف الناتو بالاشتراطات والتشكك.

ويعتقد كثير من الأوروبيين أن خلافاتهم مع واشنطن ستختفي بمجرد رحيل ترامب عن منصبه. صحيح بالتأكيد، أنّ رئيساً جديداً يمكن أن يخفف التوترات. ولكن، بعد أن تنتهي فترة شهر العسل الأوّلية، سيشعر الأوروبيون بخيبة الأمل على الأرجح، عندما يكتشفون أن الكثير من خلافاتهم مع الولايات المتحدة، لا يزال قائماً، وأنها تعكس تباعداً أطول أمداً بين المصالح الأمريكية والأوروبية.

هنالك خمس قضايا على وجه الخصوص، تنذر بالشّقاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في العقد الجديد، بصرف النظر عن الشخص الجالس في المكتب البيضاوي.

أولاً، التوترات حول الإنفاق الدفاعي. فالأوروبيون القابعون باطمئنان تحت الغطاء الأمني الأمريكي، يُرجّح أن يستمرّوا في التشكيك في الوقف الأمريكي.

ثانياً، التوترات مع الصين. فعلى الرغم من أن المواقف الجمهورية والديمقراطية تجاه بكين قد تشدّدتْ، فإن الأوروبيين الذين لا تهمّهم إلّا أرباحهم الاقتصادية المتنامية، سيظلون مترددين في الاختيار بين علاقاتهم الأمنية مع الولايات المتحدة، وتنمية العلاقات التجارية والاستثمارية مع الصين، ما يثير غضب واشنطن.

ثالثاً، أنّ اهتمام الولايات المتحدة بأوروبا- وهو من نواتج هيمنة الحرب الباردة في السياسة الخارجية الأمريكية- سوف يستمر في التراجع خلال هذا العقد. وكما يقول آخرون، فإن الحرب الباردة الجديدة هي مع الصين.

رابعاً، مع صعود قوى أخرى، سوف تنحسر قدرة الولايات المتحدة على ممارسة دور الشرطي في العالم، وستكون مقيّدة من قبل جمهور أمريكا المتعَبة. واستجابة لذلك، سوف يتواصل الأوروبيون مع الآخرين- بما في ذلك روسيا والصين- كما بدأ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يفعل.

وأخيراً، سواء كان الأمر يتعلق بإيران، أو بتغيّر المناخ، اعتاد الأوروبيون على الاختلاف مع الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية بطريقة لم تكن قابلة للتصوّر في ظل الإدارات السابقة. ولن يَقنع هذا الجنّيّ بالعودة إلى داخل القمقم. وحتى لو التزم الرئيس القادم بالاتحاد الأوروبي من جديد، فإن الأوروبيّين يعرفون الآن أن الرئيس المستقبلي للولايات المتحدة يمكن دائماً أن يعود إلى نهج ترامب مرة أخرى؛ وسوف يحتاطون وفقاً لذلك.

إن وجود علاقة قوية عبر الأطلسي، في مصلحة كل من الولايات المتحدة وأوروبا.

فماذا يمكن أن يفعلا؟ اقتصادياً، سوف يساعد اتفاق تجاري أوروبي- أمريكي جديد، الولايات المتحدة، على أن تُبعد أوروبا عن الصين، ويمكّن الطرفين بشكل أفضل من وضع معايير عالمية جديدة، و«قواعد طريق» دولية جديدة. وسياسيّاً، يمكن أن تلتزم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتوحيد نهجيهما تجاه إيران وروسيا والصين وسورية، والتحديات الأخرى. ومن الناحية العسكرية، يمكن للولايات المتحدة والأوروبيين إعادة الالتزام بحلف الناتو، وإعادة تشكيله كمنتدى سياسي، لا عسكري فقط.

ولسوء الحظ، يبدو القليل فقط من هذه الخطوات مرجّحاً حالياً. وإلى أن يتغيّر ذلك، ينبغي على الأوروبيين أن يتوقفوا عن خداع أنفسهم بأن التوترات عبر الأطلسي سوف تختفي بطريقة سحريّة بعد ترامب. ومن دون اتخاذ إجراءات، يمكن للفجوة الأطلسية أن تتّسع، بدلاً من أن تضيق، خلال العقد القادم- مهما كانت نتيجة الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني.

* زميل في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن العاصمة، وأستاذ زائر في جامعة نيويورك.. موقع: صحيفة «ذي هِل».

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.