تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سادة العالم الجدد

مصدر الصورة
عن الانترنيت

فيصل عابدون

دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى اجتماع قمة خماسية مع الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وفرنسا، «لحماية السلام والحضارة»، تبدو للوهلة الأولى وكأنها دعوة لتنصيب حكام جدد لدول العالم وشعوبه، والاقتراح يبدو مثل حكومة مركزية تتكون من حلف انتقائي يضم دولاً محددة عظيمة القوة والثراء، وتفرض سلطتها على الأطراف في أركان الكرة الأرضية الأربع من دون أن تكون لأحد سلطة عليها أو قوانين خارجية تخضع لها إلا ما تقرره هي بنفسها.

هذا ما يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى من هذه الدعوة التي جاءت خلال مشاركة بوتين السنوية في إحياء ذكرى محرقة اليهود في معسكر «اوشفيتز» النازي، وعقد المنتدى في القدس المحتلة. لم يدع الرئيس الروسي قادة الدول الخمس لمناقشة قضية محددة، أو التعاون لإنهاء واحدة من النزاعات التي تمزق العالم، لكنه تحدث عن «حماية السلام والحضارة». وهو أمر مثير للالتباس، فهذه مهمة الأمم المتحدة الحصرية كون هذه المنظمة تمارس مهامها الكونية بمشاركة من كل الدول المستقلة وذات السيادة في العالم. ولا شك في أن نشوء أي كيان آخر، خاصة إذا كان يضم الدول الأكثر قوة في المجالات العسكرية والاقتصادية والأشد تأثيراً في السياسة يمثل إلغاء لهذه المنظمة العريقة.

وربما بسبب من الطبيعة التاريخية للمناسبة كونها تتحدث عن تاريخ السلطة الألمانية في عهد هتلر، تغافل بوتين عن إضافة ألمانيا إلى الدول الخمس التي أوكلها ل«حماية السلام والحضارة» على الرغم من الأهمية البالغة للدولة الألمانية الحديثة وقوتها ونفوذها في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، لكن إهماله لممثلين من إفريقيا وآسيا في هذا التجمع المقترح يثير الالتباس ويفتح باب الشكوك.

والفكرة نفسها تبدو غير واقعية إلى حد بعيد. فالدول الخمس، الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، ليست منسجمة في سياساتها واستراتيجياتها ومصالحها حول العالم بل إنها تعيش واقعياً في حالة تنافس وتضاد محموم وتناقضات وصراعات محتدمة، وبشكل تبدو معه فكرة تحالفها ل«حماية السلام والحضارة»، مستحيلة.

فمن أين استوحى بوتين هذه الفكرة؟ وهل كان الرئيس الروسي يخطط حقاً لتجمع بهذا المستوى والحجم أم أنه كان فقط يعبر عن مخاوف من احتمالات تفجر صراع يهدد السلام والحضارة تقوده هذه القوى الخمس وربما يطيح بالإنجازات الهائلة التي حققتها روسيا في عهده؟ هل كان بوتين يطلق عبارات دبلوماسية ملطفة تليق بالمناسبة ولا تحمل أي مضامين أو التزامات محددة؟ لا أحد يدري.

مع ذلك فقد كان الرئيس الروسي بارعاً وذكياً في مشاركته باحتفال الذكرى، كان واعياً أن أحفاد الضحايا الذين أنقذتهم قوات الحلفاء قد تحولوا إلى نازيين وعنصريين جدد ومستبدين قساة يرتكبون المذابح ضد أبناء الشعب الفلسطيني ويستمرون في احتلال أراضيه ويقمعون تطلعاته للحرية والاستقلال، وكانوا يحيطون به ويتوقعون أن يتحدث عن آبائهم في معسكرات النازية، لكنه لم يمنحهم هذه المكافأة. تحدث بوتين عن شجاعة آبائه هو وتضحياتهم التي حققت العدالة والسلام.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.