تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د.وائل عواد يكتب عن زيارة ترامب إلى الهند...طبق ترامب الهنديّ قيمته 4 ملياردولار

مصدر الصورة
خاص

إذا كنتَ من زوّار العاصمةِ الهنديّةِ (دلهي)، سيجذبكَ مطعمُ بخارى في فندقِ أي. تي. سي(ITC) موريا (شيراتون سابقاً)،  أحد المطاعم الأكثر شهرةً في آسيا، إذ جمعَ معظمَ الأطعمةِ الشعبيّةِ في الشّوارعِ الهنديّة وقدّمها في فندقٍ فاخرٍ. فازَ المطعمُ بالعديدِ من الجوائزِ العالميّةِ، بيدَ أنّ ما يلفتُ نظركَ هو وجودُ أطباقٍ بأسماءِ زعماءَ أمريكيين حلّوا ضيوفاً وتمَّ استقبالهم بالفندق رسميّاً من قبلِ الحكومةِ الهنديّةِ؛ كطبق بيل كلنتون ، أوباما، هيلاري كلنتون ومادلين أولبرايت على سبيلِ المثالِ.

لم يتمَّ التحضيرُ بعدُ لطبقِ الرئيسِ الأمريكيّ الحاليّ  - دونالد ترامب - ولكن يبدو أنَّ طبقَ ترامب سيكون الأغلى بنكهاتٍ عديدةٍ، وربما يتمُّ تسعيرهُ، سياسيّاً على الأقلّ ، إلى مابعد الانتخاباتِ الأمريكيّة المقبلة!

سوف يكون الرئيس الأمريكي ضيفاً على الهند حيث سيقيمُ الضيفُ الامريكيُّ  في مدينةِ أحمد آباد، عاصمةِ ولاية غوجرات الغربيّةِ  في الرابع والعشرين من الشهر الجاري فبراير / شباط 2020، لعدّةِ ساعاتٍ فقط بتكلفةٍ ماديّةٍ للهندِ تبلغُ قرابةَ 15 مليون دولارٍ في التّرتيباتِ والاستعداداتِ  لهذه الزيارة للمدينةِ. وتمَّ استحضارُ  قرابةَ 700 ألف شخصٍ من سكّان المدينةِ، لاستقبالهِ على طولِ الطّريقِ الذي يقدّرُ بحوالي 22 كيلومترٍ من المطارِ إلى استاد ساردار فالابهاي باتيل (استاد موتيرا )، الاستاد الأكبر في العالم قيد الإنشاء، بحضور قرابةَ 125000 شخصٍ، وستُقَدّمُ  عروضاً فلكلوريّةً من 28 ولايةٍ هنديّةٍ ويُهتفُ بحياة الرئيس ترامب ترحيباً بهِ تحتَ شعارِ "ناماستي ترامب"  أي مرحباً يا ترامب. وقد تمَّ تنظيفُ شوارعِ المدينةِ من الكلابِ والأبقارِ الشّاردةِ، و نصبُ أشجارِ النّخيلِ والزينةِ، ورفعُ  جدارٍ عالٍ يبلغ طولهُ 400 مترٍ ليحجبَ عن الضّيفِ الأمريكيِّ مشاهدَ الأحياءِ الفقيرةِ للمدينةِ؛ وقد طُلبَ من الأهالي الابتعادُ عن منازلهم البائسةِ خلالَ الزيارةِ المقبلةِ للرئيس ترامب، وسطَ سخطٍ شعبيٍّ لسكّانِ الحيِّ الفقيرِ ممّن طالبوا بإنفاقِ هذه الأموالِ على تحسينِ البنيةِ التحتيّةِ للحيِّ بدلاً من إنفاقِها على الجدار، على الرّغم من نفي المسؤولين في الولاية أيّ علاقةٍ للزيارة بهذا الحائط، بيدَ أنّهُ لا شكَّ في أنّ تشييدَ أيِّ حائطٍ  يُدخلُ السّرورَ لقلبِ الرّئيسِ الأمريكيّ ترامب، وهو الذي أعربَ عن تعاطفهِ مع الهند لحمايةِ حدودِها من الإرهاب القادمِ عبر الحدودِ، في إشارةٍ إلى الجارةِ اللدود باكستان!

التّوقيت والفوضى العالمية

تعدُّ هذه الزّيارةَ الأولى للرئيسِ الأمريكيّ ترامب بعدَ فشلِ الحزبِ الديمقراطيِّ في عزلهِ، وإطلاقِ العنانِ لعلاقاتهِ الشخصيّةِ في شخصنةِ السّياسةِ الخارجيّةِ الأمريكيّةِ، والتّقارب مع دولٍ  مثل الهند، وتوسيعِ رقعةِ الخلافاتِ مع دولٍ أخرى كالصين بشكلٍ خاصٍّ.

تأتي هذه الزّيارةُ بعد الزّيارةِ  الأخيرة لرئيس الوزراء الهندي إلى الولاياتِ المتّحدةِ واستعراضِ أكثرَ من خمسينَ ألفَ أمريكيٍّ من أصلٍ هنديٍّ ، في مدينة هيوستن احتفاءً بالعلاقاتِ الأمريكيّةِ الهنديّةِ في ظلِّ الزّعيمين مودي وترامب وهما الأكثر حماسةً لتعزيزِ هذه الشّراكةِ الاستراتيجيّةِ العالميّةِ بين البلدين، على الرّغمِ من الخلافاتِ التجاريّةِ بينَهما .وكانَ رئيسُ الوزراءِ الهنديّ - ناريندرا مودي - قد طالبَ الأمريكيّينَ الهنودَ بالتّصويتِ لصالحِ الرّئيسِ ترامب باعتبارهِ الرّئيس الأكثرَ قرباً للهند.

تعلّقُ الهندُ أهميّةً بالغةً على هذه الزّيارةِ، وخاصّةً مع قربِ التوصُّلِ إلى اتّفاقٍ مع حركةِ طالبان في أفغانستان يُمهّد الطّريقَ نحوَ انسحابٍ جزئيٍّ للقوّاتِ الأمريكيّةِ من هناك، ومدى انعكاس العلاقاتُ الأمريكيّةُ - الباكستانيّةُ على علاقاتِ الولاياتِ المتّحدةِ مع الهندِ، في الوقتِ الذي تحاولُ فيه نيودلهي  فرضَ عزلةٍ دوليّةٍ على إسلام آباد  بإلصاقِ التّهمِ بها بدعمِ الإرهابِ عبرَ الحدودِ. كما أنّ الخلافاتِ التجاريّةَ بينَ البلدينِ قد تفاقمت بعدَ قيامِ الرّئيس ترامب بإلغاءِ الأفضليّةِ التّجاريّةِ التي مُنِحَت للهند عام 2017 وحرمانِها من عوائدَ ماديّةٍ تقدّرُ بحوالي 15 مليار دولارٍ لبضائعَ هنديّةٍ مصدّرةٍ للولاياتِ المتّحدةِ؛ ولذلكَ تمَّ إرجاءُ زيارةِ روبرت راتايزر إلى الهند لحلِّ الخلافاتِ التّجاريّةِ بينَ البلدين إلى وقتٍ لاحقٍ كي يتمَّ التوصّلُ إلى نوعٍ من التّفاهمِ بين زعيميّ البلدينِ خلالَ هذه الزّيارةِ، وهذا ما دفعَ بالرّئيسِ الأمريكيّ ترامب للحديثِ عن صفقاتٍ ضخمةٍ مع الهند، ربّما لما بعد الانتخاباتِ الأمريكيّةِ المقبلة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من  العام الجاري .

مارستِ الإدارةُ الأمريكيّةُ ضغوطاً على الهند لوقفِ استيرادِ النّفطِ الإيرانيّ، ونجحت في ذلك، لكنّها مازالت تضغطُ بالتّهديدِ باستخدام قانون كاستا( CAASTA)لإجبارِ الهند على إلغاءِ صفقةِ منظومة الصّواريخ الروسية الاس-400، والتي قامت الهندُ بدفعِ المستحقاتِ الأولى لهذه الصّفقةِ العسكريّةِ الضّخمةِ.

طبق الرّئيس ترامب الدّسم وعينٌ على الصين

اختارتِ الولاياتُ المتّحدةُ الهندَ لتكونَ الدّولةَ الأكثرَ قرباً في سياستِها لتحجيمِ دورِ الصّين المتنامي لحجمها وموقِعها الجيوسياسي، إذ يبلغُ طولُ سواحلِها 7500 كم، وتضمُّ أكثرَ من 1380 جزيرةٍ، ويضاهي تعدادُ سكّانِها الصّينَ، ناهيكَ عن سوقِها الاستهلاكيِّ الضّخمِ؛ لذلك تحاولُ الولاياتُ المتّحدةُ جرَّ الهندِ إلى المعسكرِ الأمريكيّ بشتّى الوسائلِ و الاغراءاتِ. وينظرُ الكثيرُون إلى الحكومةِ الهنديّةِ الحاليّةِ على أنّها الأقربُ إلى سياسةِ الولاياتِ المتّحدةِ .

 وبالتّالي، على مدى العقدين الماضيين عزّزتِ الهندُ والولاياتُ المتّحدةُ من علاقاتِهما العسكريّةِ والأمنيّةِ، وازدادت التّدريباتُ العسكريّةُ البحريّةُ والأرضيّةُ والجويّةُ؛ كما وضعتا آليّةً مشتركةً لمكافحةِ الإرهاب، وأبرمتا العديدَ من الصّفقاتِ العسكريّةِ، لتحتلَّ الولاياتُ المتّحدةُ المرتبةَ الأولى بين الدّول المصدّرة للسّلاح إلى الهند، حيث بلغت قيمةُ الصّفقات 20 مليار دولارٍ أمريكيٍّ، ومنحتها واشنطن التفويضَ التجاريّ الاستراتيجيّ، والذي يمكن بموجبهِ تصدير البضائع الحسّاسة، باعتبارِ أنّ تحديثَ ترسانة الهند العسكريّة يخدم سياسة واشنطن في تحجيم دور التنين الصينيّ، ولذا فإنّ التّقاربَ الأمنيّ والعسكريّ والتواصلَ مستمرٌّ، وتمّ التوقيعُ على اتّفاقية  التّبادل اللّوجستي لعام 2016 واتفاقية الاتصالات الأمنيّة عام 2108 (كومكاسا).

وتبرزُ محاولاتٌ من الجانبين لإعادة النّظر في الرؤية المشتركة حول منطقة المحيط الهندي، وتعزيز التّعاون ودور الهند في حريّة الملاحةِ، والتّقارب مع حلفاء الولايات المتحدة اليابان وأستراليا.

وارتفع معدّل التبادل التجاري بين البلدين من 14مليار عام 2019 إلى 140 مليار دولار، ويتوقّع أن يزداد هذا العام .ويميل الميزانُ التجاريّ لصالح الهند بمقدار 25 مليار دولار أمريكي.

يتمُّ التحضيرُ حاليّاً لشراء المزيد من الأسلحة الأمريكيّة وإبرام صفقاتٍ عسكريّةٍ ضخمةٍ تمّت المصادقة عليها من قبل اللّجنة الوزاريّة  الأمنيّة برئاسةِ رئيس الوزراء ناريندرا مودي ، والتي تقدّر بحوالي 3.6 مليار دولارٍ أمريكيٍّ، وتشملُ طائراتٍ مروحيّةً مقاتلةً متعدّدة الأهداف  سيهوك((NH-24-60R   بقيمة 2.6مليار دولارٍ (قد يتمّ التوقيع عليها خلال هذه الزيارة)، و6 طائرات من طراز الاباتشي بقيمة 930 مليون دولارٍ . وتتطلّع الهندُ لشراء طائراتٍ حربيّةٍ بحريٍّة ب-81 بقيمة 1.8 مليار دولار ومنظومة الدّفاع الجويّ المتكاملة لحماية دلهي و 30 طائرة درون (بدون طيار) بقيمة 2.5 مليار دولار ومنظومة صواريخ حربية ) 13MK-45) بقيمة 1.02 مليار دولارٍ، وتضغط واشنطن على نيودلهي لشراء طائراتٍ حربيّةٍ مقاتلةٍ من طراز  ف -18 ، ف- 15 واف- 16، لكن الميزانية العسكرية للهند تقدر بحوالي 43.34 مليار دولار تمّ استهلاك 90% منها لدفع المبالغ المستحقة لصفقاتٍ أبرمت من قبل.

ماذا تريد الهند          

ببساطةٍ تريدُ الهند إسعادَ الرّئيس الامريكي بحفاوة الاستقبال والترحيب والتهليل لتقريب وجهات النّظر في حلّ الخلافات العالقةِ بينهما في المستقبل وبناء جسرٍ من الثّقة بين الزّعيمين باعتبار أنّهما زعيمان وطنيّان على حدٍّ سواء، كلٌّ يغنّي على مملكته، الرئيس ترامب " أمريكا أوّلاً" و رئيس الوزراء الهندي مودي "الهند للهندوس أولاً" على سبيلِ المثال. وما يتطلّع إليه زعيما البلدين هي علاقاتٌ استراتيجيّةٌ طويلةُ الأمد، وتبقى بعض القضايا قابلةً للحلّ في اللّقاءات والمباحثات القادمة ومنها:

**   تعزيز موقع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في الحكم وسياسة حزبه القوميّ الهندوسيّ وتحقيق مكاسب سياسيّةٍ داخليّةٍ، لذلك وقعَ الخيارُ على ولاية غوجرات، قلعة مودي الحصينة، لتكونَ المحطّة الرئيسية للترحيب بالرّئيس الامريكي، إذ أن معظم الأغنياء الهنود في الولايات المتحدة من الولاية ذاتها، وهذا ما يُسعدُ ترامب للحصول على التّبرعات في حملته الانتخابية الرئاسية المقبلة.

**     إبعاد الرئيس ترامب عن الوساطة في الملف الكشميريّ مع باكستان وتبنّي الموقف الهنديّ بعد ضمّ الإقليم للأراضي الاتحادية عقب إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي التي كانت تمنح الإقليم استقلالاً ذاتياً، لكنّ الاجراءات التعسفية والاعتقالات للقادة الكشميرين مازالت تثير حفيظة صنّاع القرار في الولايات المتحدة وعدد من العواصم الغربية باعتبارها تشكل انتهاكاً لحقوق الانسان وهذا ما دفعَ ببعض المسؤولين الأمريكيّين لمطالبةِ الهند بإنهاء حالة الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين السياسين.

**   خلق توازنٍ عسكريٍّ مع الصين

**   إعادة الولايات المتحدة الهند لنظام الأفضليات المعمم (GSP)

**   إلغاء التّعريفات الجمركيّة التي فرضتها الولايات المتّحدة على البضائع الهندية في الآونة الأخيرة.

**    استمرار الهنود في الحصول على التأشيرات للدخول إلى الولايات المتحدة والعمل هناك والتي تقلّصت في عهد الرئيس ترامب وسيكون لها تأثيرٌ سلبيٌّ على القطّاع الصناعيّ الهنديّ باعتبار أنّ الهنود هم أكبر المستفيدين من التأشيرة التي تمنح للمهنيين المؤهلين تأهيلاً عالياً" للعمل في الولايات المتحدة.

يكمنُ الخطر في هذه العلاقات، لو رضخت الهند للضغوط الأمريكيّةِ وفتحت قطّاعات  التّأمين والاجهزة الطبّية والزّراعة والغذاء أمام الغزو الاقتصاديّ للشركات الامريكية، وهذا سوف يهدّد  الشركات الوطنية وسوف يضع نظام الأمن الغذائي الهندي على المحكّ، وهو ما تقاومه الهند حتى الآن.

لقد قلّل الجانبان من التوقّعات المرتقبة لهذه الزيارة على صعيد العلاقات الثنائيّة والخلافات التجاريّة، واكتفيا بالحديث عن أهميّة العلاقات العامة في تعزيز التّقارب بين البلدين.

على أية حالٍ، ما سيحصدهُ ترامب من هذه الزيارةِ  هو دعمُ الجالية الأمريكيّة الهنديّة له والتي كانت عادةً تصوّت للمرشّح الدّيمقراطيّ  ممّا سيعزّز من فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكيّة المقبلة؛ وربما يحصل على تخفيض في الرسوم الجمركيّة على دراجات هارلي ديفيدسون .

يتمّ تحضير الطّبق الهنديّ النباتيّ لفطيرٍ أمريكيٍّ من أَكَلَة اللّحوم الدّسمة ، لا نباتيٍّ ، قد يكون ترامب  الأوفر حظّاً في تناوله في حال ترشّح للانتخابات الرئاسيّة المقبلة  وهذا  ليس مستبعداً.

والأهم من كلّ هذا الطّبق، التّبلة الهندية المتمثّلة بالاستعراض الشعبيّ بحدّ ذاته في مدينة أحمد آباد، وهو  الحدث البارزُ والأكبرُ لهذه الزيارة ،كما يقول المثل: "أسمعُ جعجعةً ولا أرى طحنا"، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ كلا الزّعيمين من هواةِ الاستعراضات الشعبيّة و يعارضانِ الأسلوبّ التقليديّ في السّياسة الخارجيّة، كما تعرّض كلاهما لانتقاداتٍ لعدم اتّباع الأساليب الديمقراطيّة التقليديةّ في الحكم ، وزادا من سياسةِ الاستقطاب الداخلي.

ومن"هاودي مودي" في هيوستن في الولايات المتحدة إلى" ناماستي ترامب" في أحمد آباد في الهند، هذه العراضة ستكون الأكبر للرئيس ترامب ، إن لم تكن الاولى لأيّ زعيمٍ  أجنبيٍّ يزورُ الهند.

 

                               الكاتب والصحفي المقيم في الهند

                                        د.وائل عوّاد

                                المتخصص بالشؤون الآسيوية ٍ

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.