تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إستراتيجية «تصغير البسكوتة»!

مصدر الصورة
الوطن

ليست رزمة النصائح التي صفع بها مدير «السورية للاتصالات» مستخدمي الإنترنت عبر صفحته على «فيسبوك»، البرهان الوحيد على ما ينتظر المستخدمين المنزليين من منغصات، على أيدي الصياغة غير العادلة لقرار «الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد» تشريح استخدام الإنترنت.
الرجل، وبعد تكرار اللازمة الحكومية المعتادة: «القرار مفيد.. القرار مطبق في معظم دول العالم.. القرار عادل.. »، والتي بالمناسبة، أي اللازمة إياها، تثير الرغبة بالوقوف على إذا ما كان مسؤولونا يولدون بهذه المورّثة الأصيلة، أم إنها مجرد «عهدة» يتسلمونها لدى تنصيبهم!
يذهب مدير «السورية للاتصالات» إلى بثّ نصائحه (الفذّة) للمستخدمين المنزليين كمساهمة وجدانية تساعدهم على تفادي ما أمكن من منعكسات هيكلية الاستخدام الجديدة، مقترحاً -فيما يقترح- على هواة الترفيه، الاشتراك بخدمات (IPTV)التي تقدمها شركته لتلقي الأفلام والمسلسلات بدلاً من هدر مخصصاتهم من حصة «الإنترنت»، لتتصاعد جرعة الظرافة في نصائحه إلى عتبة جديدة إبان مناشدة روحه الخبيرة أولئك المستخدمين بضرورة «إيقاف التحديث التلقائي لتطبيقات الموبايل واللابتوب» وحجب «التحميل التلقائي للفيديوهات» عبر شبكات التواصل، وحال اضطرتهم الظروف لإتيان هذا الفعل الشائن، فما عليهم سوى «تخفيض دقة مشاهدة الفيديوهات» لتقليص خسائر حزمتهم، وهذه الأخيرة نصيحة مستقلة بذاتها؟!
لم ينته مدير «السورية للاتصالات» من نصائحه إلا وقد وصلت إلى أكثرها (فذاذة): «التوعية بأن الأنانية بالاستخدام ستوقف «النت» عن الآخرين»؟!
النصيحة الجليلة الأخيرة، التي تستوفي شروط «الجدّة» و«الخطوة الابتكارية» ولا يمنع اعتمادها كـ «براءة اختراع» في سجلات «وايبو» سوى افتقارها لـ «قابلية التصنيع» والصرف، ليست موجهة، كما سابقاتها جميعاً، للـ(20%) من مستخدمي الإنترنت «الجائرين» بل للـ (80%) الذين تفنن مدير «الهيئة الناظمة» خلال لقاءاته السمعبصرية نهاية الأسبوع الماضي، في سوق المبررات للتأكيد بأنهم لن يتأثروا بهيكلية الاستخدام الجديدة!!..
رزمة النصائح، ومعها بعض الثنايا التسعيرية للقرار، يفصحان -بطريقة فرويدية- عن أن مجموعة من عتاة الإدارة التجارية هم من سهروا على توليف هيكلة استخدام الإنترنت الجديدة، لا هيئة ناظمة تعنى بـ«مصلحة المستخدم في تحسين بيئة الخدمة وجودتها»، فعلى الصعيد التسعيري، ووفق بنائية «شرائح الاستخدام»، يتمظهر تناسب عكسي ما بين السرعات المستجرة وكمية الاستهلاك، فعلى سبيل المثال: سيستجر كبار مستخدمي حسابات (ADSL) من ذوي السرعة (24 ميغابايت) نحو 30% مما سيستجره صغارهم من أصحاب السرعة الأدنى (512 كيلوبايت)، ورغم القدرة على تبرير الأمر تحت بند «مصلحة صغار المستخدمين» إلا أنه يظهر بطريقة معاكسة للأولى لدى تناول بطاقات الشحن حيث سيدفع صغار المستخدمين ممن قد يستجرون (5 غيغابايت) إضافية خلال الشهر مبلغ (60 ليرة) للغيغابايت الواحد، قياساً بـ(30 ليرة) فقط سيدفعها كبار المستخدمين ممن قد يستجرون (200 غيغابايت) إضافية خلال الشهر!.
هذا التناقض الصغير يبرز شيئاً من ملكات التحذلق التي يتمتع بها صناعيو البسكويت ممن يقومون بـ(تصغير القطعة) بدلاً من رفع سعرها، وعلى نطاق أوسع، فهو يحاكي الإيمانيات الحكومية المعهودة في ترميم شؤون ماليتها العامة عبر الضغط على الحلقات الأضعف!، ومع إضافته إلى رزمة نصائح مدير «السورية» لا يلبث أن يتضح جلياً أن الأهداف الحقيقية لهيكلية الاستخدام الجديدة تتلهف لتشجيع استجرار الإنترنت السريع من قبل شريحة كبار المستخدمين بعد توفير الحزمة اللازمة لذلك بطريقة: (من دهنو سقيلو).. وهذه الأخيرة تقول ترجمتها الحرفية: توفير الحزمة بالانتزاع الجزئي لحصة الاستخدام الاجتماعي لشريحة المستخدمين المنزليين، منعاً لأي تكاليف إضافية قد يتكبدها «باعة البسكوت» لتحسين الخدمة!!.
على العموم، ثمة استخدام جائر للإنترنت ومن الواجب ضبطه، لكن ذلك شيء، وضغط الاستخدام المنزلي شيء آخر تماماً، ولكان للهيكلة الجديدة أن تحقق العدالة والتناسبية الاجتماعية في آن معاً، عبر جعل عتبة الاستخدام المنزلي عند حدود كافية وضمن هامش آمن تماماً من تعدي السقف.. ولكان لهذا أن يتحقق عبر صيغة مناسبة تتمتع بحساسية كافية لدفع الإنترنت المنزلي إلى لوائح برنامج تمويل المستوردات الأساسية، أو لربما ضمها إلى برنامج «المقنن التمويني» بما يضمن حماية الشريحة الأكثر احتياجاً، من جشع «عصبة السلع الأساسية» وفساد الاستهلاك والتهريب (الجائرين)!
ما سبق، ليس «مزاودة» على الحكومة في شعبية قراراتها، وعساها تحظى بمن يقنعها أن قرار «الناظمة» يتدرج بين وجهين متناقضين: الأول يضبط الشريحة الضيقة جائرة الاستخدام، فيما الآخر يكشر للمستخدمين المنزليين تضييقاً على استخدامهم، وهذا الأخير لن يكون بلا ثمن بعد أن يرخي بظلاله على تفاعل السوريين مع التحديات التي يعيشها وطنهم؟ والأولويات التي ستحل مكانه في ظل «القلّة»؟
لربما قد تجد إجابة ما، بالعودة إلى قراءة قرار نزع الحجب عن شبكات التواصل الاجتماعي، مطلع الحرب على سورية.

علي محمود هاشم

مصدر الخبر
الوطن

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.