تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

خطورة اتساع الهوة بين التشريع والتنفيذ

مصدر الصورة
البعث

لعقود خلت، نشهد الكثير من التوجيهات القيِّمة التي تصدر عن هذا الطرف المسؤول أو ذاك، على تعدّد وتنوّع المهام، بالتوازي مع تعدّد التوصيات أو القرارات القيِّمة أيضاً، التي تصدر عن العديد من المؤتمرات والملتقيات والاجتماعات الدورية والعرضية، أكانت منظمة سياسية أم شعبية أم إدارة عامة ما، والتي أغلبها ينعقد تحت شعارات وطنية براقة، إضافة إلى ما يصدر عن العديد من اللجان الدائمة أو المؤقتة الموكل إليها بعض المهام، وخاصة أنه غالباً ما يعقب ذلك صدور بعض التعليمات وبعض التشريعات القانونية التي تترجم بعض ما تم من توجيهات وتوصيات وقرارات.
ولكن واقع الحال يظهر قصوراً في إيلاء العديد من التوجيهات والتوصيات الأهمية والمتابعات المطلوبة، ما دفع باتجاه تكرار الكثير منها خلال اللقاءات أو المؤتمرات أو الاجتماعات اللاحقة، وبالتوازي مع ذلك يظهر ضعف اعتماد تطبيق العديد من التعليمات والتشريعات التي تصدر عقب هذه المؤتمرات، بما في ذلك بعض ما كان منها قائماً أو حديث الصدور، ما أضعف من تسارع خطوات التطوير والتحديث المنشودين منذ سنوات، خلافاً للمأمول إثر إطلاق نهج التطوير والتحديث، ولم يقتصر هذا القصور على سنوات العدوان، بل كثير منه كان قائماً قبل الحرب العدائية ضد بلدنا، وتكرّس خلال سنوات الحرب، إذ لا يخفى على أحد ضعف اعتماد تطبيق عشرات التوجهات والتوصيات والتشريعات التي سبق أن صدرت خلال السنوات الماضية، بخصوص الإصلاح الاقتصادي والإداري وإصلاح القطاع العام، رغم تعدّد اللجان التي أوكل إليها ذلك، وضعف النهوض بالتنمية الإدارية المنشودة، التي أوكلت بها وزارة مختصة في أكثر من تشكيلة لرئاسة مجلس الوزراء، ما استدعى أن يرعى السيد الرئيس شخصياً العديد من الملتقيات بين فترة وأخرى، بغية تفعيل القصور الملحوظ، ومع ذلك ما زال التباين كبيراً بين المنجزات المتحققة والتطلعات المتلاحقة، وأغلب تبريرات المعنيين في قصورهم غير مقبولة، لأنها لا تتناسب مع المعطيات المتاحة بين أيديهم، التي لو استثمرت خير استثمار لكان القصور أضعف بكثير مما هو عليه.
توجيهات وطروح عديدة صدرت بشأن ضرورة تعديل وتحديث عشرات التشريعات القديمة، التي لم تعد تنسجم مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية الحالية، وإصدار العديد من التشريعات الجديدة، ولكن التعديل والإحداث اقتصر على الآحاد منها، وبعضها احتاج إلى تعديل جديد، فقبل أشهر صرّح أحد الصناعيين أن مؤتمر الصناعيين السنوي لم ينعقد مجدداً، نظراً لعدم اعتماد تطبيق مقررات المؤتمر السابق، وقبل أيام صرح أحد القانونيين الكبار من أعضاء مجلس الشعب بأن لجنة إصلاح التشريعات الضريبية متوقفة عن العمل رغم الحديث الدائم للحكومة عن ضرورة معالجة الخلل في التشريعات الضريبية وتوحيدها، وجميعنا نسمع التعليقات على المناهج الدراسية التي هي رهن التعديل المتلاحق منذ سنوات، ومعاناة المواطنين من البطاقة الذكية التي شغلت رئاسة مجلس الوزراء، ومؤخراً نشهد الكثير من الاحتجاجات على قانون البيوع العقارية الجديد، ما يوجب التوقف ملياً عند ضعف التشريع وسوء التنفيذ وخطورة اتساع الهوة بينهما.
رغم كل ذلك أرى من غير الإنصاف المزيد من التشاؤم الذي يكاد يغلب على بعض الناس، وليتكاتف جميع الشرفاء من أجل العمل على تحقيق الأمل في انطلاقة تشريعية تنفيذية منقذة، عبر جميع الإدارات، بما يواكب انتصارات جيشنا الباسل على الإرهاب التدميري، وبشائر ذلك جلية واضحة، بدليل حضور السيد الرئيس الملتقى الإداري قبل أسابيع استكمالاً ومتابعة منه لتنفيذ خطوات التنمية الإدارية المنشودة، وبدليل الفرحة الكبيرة التي عمّت وجوه جميع المواطنين السوريين وخاصة الحلبيين إثر تحرير الريف الغربي والجنوبي لمدينة حلب وتخلصها من خطر القذائف التي كانت تطولها يومياً، هذه الفرحة التي أنستهم معاناتهم الاقتصادية السابقة والحالية، وأيضاً بدليل تمكن الجهات المعنية من تسريع المرور على طريق حلب دمشق خلال أيام قليلة من تحقيق أمنه رغم الضرر الكبير الذي لحق به خلال السنوات المنصرمة، بالترافق مع تمكين مطار حلب الدولي من استقبال هبوط الطيران مجدداً فيه، بعد أيام قليلة من تأمين منطقته من القذائف الإرهابية، إلى جانب تمكين عشرات آلاف الأهالي من العودة السريعة إلى مناطقهم عقب تحريرها مباشرة، وتأمينهم بالكثير من الخدمات التي يحتاجون إليها.
مدعاة للسرور أن الجميع -حكومة وشعباً– يتملكهم الشعور الكبير بأنهم معنيون معاً بخصوص الحد من ضعف التشريع المشكوّ منه حيناً، والحد من سوء التنفيذ المقلق حيناً آخر، والعمل معاً للحد من اتساع الهوة بينهما، بدليل تحمّل المواطنين لحالة الضغط الاقتصادي التي تتفاقم، مطالبين الحكومة بالتخفيف من وطأتها قدر المستطاع، وبدليل جرأة الإعلاميين الوطنيين على الإشارة الجريئة المتتابعة إلى مواطن الخلل دون أية محاباة لهذا المسؤول أو ذاك، فلنكن جميعاً محكومين بالأمل الكبير بأن أخيار الوطن الذين استطاعوا هزيمة الإرهاب سيستطيعون هزيمة القصور والخلل والفساد، إن لم يكن غداً فبعد غدٍ، وإن غداً لناظره قريب، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية

مصدر الخبر
البعث

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.