تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تحديات جديدة أمام العلاقات الدولية

مصدر الصورة
عن الانترنيت

د. ناصر زيدان

منذ عام 1918 لم يشهد العالم مثل هذا الهلع الذي سببه حالياً فيروس كورونا. ومآسي مرض الإنفلونزا الذي ظهر قبل مئة عام كانت كبيرة ومدمرة وذهب ضحيته أكثر 50 مليون مواطن في دول عدة، خصوصاً في أوروبا، لكن ذلك الوباء لم يتسرّب إلى كافة أصقاع الأرض في فترة زمنية قصيرة كما هو عليه حال «كورونا» اليوم.

يطرح الهلع الذي أنتجه الفيروس القاتل؛ مجموعة من التساؤلات، وفرض معادلات جديدة على العلاقات الدولية، وعلى العولمة، بصرف النظر عن ما تخبئه الأيام من مفاجآت من ناحية تفاقم عدد الضحايا من جهة، أو فيما إذا كانت آلة الصناعة الدوائية ستنجح في الحد من مآسيه بواسطة إنتاج دواء مناسب للقضاء عليه من جهة ثانية.

من أبرز التحديات التي طرحها «كورونا» أمام العلاقات الدولية: تأكيد فشل السياقات المعتمدة في إدارة شؤون العالم، والتي تستند إلى تحالفات دولية قارية أو جهوية أو قومية أو مالية أو صناعية، تضاف إليها منظومة مؤسسات دولية تقودها هيئة الأمم المتحدة وهي تتألف من منظمات مختصة بالملفات المتنوعة، ومنها منظمة الصحة العالمية التي لا تملك الإمكانات الكافية لمواجهة مخاطر الوباء.

ومن التحديات المهمة أيضاً؛ الاختلال الهائل الذي أحدثه الفيروس على التحالف بين الولايات المتحدة وأغلبية دول الاتحاد الأوروبي، عندما أقفلت الولايات المتحدة كل خطوط النقل الجوي إلى أوروبا. وإذا كان ذلك الإجراء وقائي، وليست له أهداف عدائية، لكنه في نفس الوقت أضر بمصالح أوروبا، لأنه للمرة الأول لم تتدخل واشنطن لإنقاذ القارة الأوروبية في حرب كونية ضد «كورونا»، بينما قد فعلت ذلك في الحربين العالميتين الأولى والثانية ضد الآلة العسكرية الألمانية.

والإشكالية التي طرحها الوباء الجديد لناحية السباق بين الشرق والغرب كبيرة جداً؛ بحيث استعر الخلاف بين الصين والولايات المتحدة، بعد أن كان للخلاف طابع تجاري صرف. ووصل الأمر إلى حد تبادل الاتهامات بين الدولتين حول استخدام الفيروس بطرق صناعية جرثومية لإيذاء الطرف الآخر. وفي هذا السياق؛ استفادت الصين من اللحظة السياسية المأساوية، بواسطة تقديم معونات طبية لدول عدة ومنها الحليفة لواشنطن في أوروبا، خصوصاً إيطاليا المنكوبة بالفيروس، بينما لم تتمكن الولايات المتحدة من تقديم مثل هذه المساعدات لحلفائها.

ومن الفرضيات التي أثبتت فشلها من جراء هذه المأساة الإنسانية غير المسبوقة؛ مقاربة الديمقراطية الشعبوية المتجددة، أو «الميديوقراطية» التي غلبت على أولوياتها ميديا التواصل الحديثة، وتجاهلت الحاجات الآدمية الطبيعية الأساسية في الصحة والسعادة وفي توفير سبل الاستمرار، ووصل الأمر إلى حد اعتبار الإنسان بحد ذاته وسيلة لتقوية الأنظمة والشركات، بدل أن يكون العكس. ومن هذه الحيثية بالذات يمكن تسجيل هدف صيني في مرمى الفوضى الديمقراطية الدولية، من دون أن يكون القصد من هذا الانحياز تشجيع انتهاك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ولكن آلية التنظيم الصيني، بما فيها السرعة في اتخاذ القرار، والحزم في تنفيذه؛ أدت إلى تجنيب الصين كارثة بشرية واقتصادية رهيبة، واستطاعت أن تنتصر في مواجهات عدة مع الفيروس القاتل، ولها أمل أن تتغلب عليه نهائياً.

وإلحاقاً للتحديات السابقة الذكر؛ فقد برزت من جراء الوباء معطيات أخرى لا بد من التوقف أمامها، وإيجاد الحلول لها، منها على سبيل المثال: إعطاء الأولوية في البحث العلمي لإنتاج صناعة متطورة للوقاية الطبية، بعيداً عن سباق الربحية الذي يستعر في قطاع صناعة الأدوية، وفي تطوير قطاع الطب بشكل عام. واحترام كل الكيانات البشرية بصرف النظر عن قوة الدولة؛ بحيث ثبت أن مجموعة قليلة من الأشخاص يمكن أن يسببوا أذى للناس أجمعين، وأينما كانوا. كما على العالم احترام الخصائص الآدمية للإنسان، والتخفيف ما أمكن من المبالغة في تطوير الصناعات العسكرية، وتجنب الاستثمارات المالية الجشعة التي تسهم أحياناً في تدمير الدورة الطبيعية المتكاملة للكون برمته.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.