تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

أمريكا.. دون صَلاة..

مصدر الصورة
وكالات

ليس من السهل على القاتل الجبار المتسلح بكل أنواع القوة، والذي اعتاد أن يمارس غطرسته وجبروته على الآخرين لإذلالهم وإخضاعهم، أن يقع على الأرض صريعاً وحراب أعدائه موجهة إلى صدره وعيونهم في عينيه، ولم يبق له إلا شفاعتهم أو لحظة انتظار يتفجر فيها غضبهم وألمهم ويخرج من صدورهم دفعة واحدة ليرشقوه بضربة واحدة تمزّق تمرّده وهيمنته وتنتقم من كل اعتدائه ولكل الضحايا الذين تعرضوا لأذاه؛

بالأمس، وبعد رفض وعناد، اضطرت وزارة الدفاع الأمريكية إلى إجلاء آلاف البحارة من على حاملة الطائرات التي تعمل بالطاقة النووية "ثيودور روزفلت"، ورضخت لتحذير قبطانها من أن تفشي فيروس "كورونا" على متنها يهدد حياة الطاقم، مع اكتشاف عشرات من الإصابات بـ"كوفيد-19" في صفوف البحارة. ثم اعترف مسؤولو "البنتاغون" بأن محنة "روزفلت" تمثل تحدياً للجاهزية العسكرية؛

ومنذ أيام تتصدر الولايات المتحدة دول العالم، ليس بالقوة وتصدير السلاح هذه المرّة، ولكن بعدد المصابين بفيروس "كورونا"؛ والحكومة الأمريكية تحثّ الخطى لبناء مئات المستشفيات المؤقتة بالقرب من المدن الكبرى بعد أن تعرضت منظومة الرعاية الصحية لضغوط تفوق طاقتها بسبب جائحة كورونا، تكاد توصلها حدّ الانهيار؛ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال إنه يريد من كل أمريكي الاستعداد لـ"أيام صعبة تنتظرنا".. وكأن القوة العظمى لم تكن تتوقع أن يخترق الفيروس الشرير هيبة حدودها..!!

لا شماتة في المصائب والموت وليس من عادتنا ذلك، وقد يتعرض أي بلد لما تتعرض له الولايات المتحدة وربما بشكل أسوأ، ولكن من حقنا نحن الذين تعرضنا، وما زلنا نتعرض إلى الآن للأذى الأمريكي والعقوبات الأمريكية، ومثلنا الكثير من شعوب العالم؛ من حقنا أن نسأل هل فكرت الإدارة الأمريكية، ووزارة الدفاع الأمريكية والمحافظون الجدد واليمين الأمريكي المتطرف، من قبل، بمثل هذه الساعة، بأن تجد الولايات المتحدة نفسها في موقع الضحية؟ لا يوحي الرعب الذي في أعين الأمريكيين والخوف الذي يستولي على قلوبهم بذلك؛

هل فكّرت القيادة الأمريكية، ولو مرّة، ماذا لو تحولت "ثيودور روزفلت" إلى كتلة من حديد أو مقبرة لجنودها، أو رمزاً لهشاشة قوتها ونقطة ضعف في صرحها العسكري؟! لا اعتقد أنّ العناد الأمريكي سمح بذلك.

هل خطر ببال الإدارات الأمريكية المتعاقبة كيف يمكن أن يتوارى القادة الأمريكيون في جحورهم مثل الفئران الخائفة أمام عدو شرس مخيف مرعب لا وجه له ولا شكل ولا ملامح ولا مشاعر؛ أمام عدو تقف كل اختراعاتهم وعلومهم وتقنياتهم وطائراتهم وأساطيلهم وصواريخهم الذكية جداً عاجزة عن مواجهته؟

هل يجرّد فيروس "كورونا" الولايات المتحدة من اعتقادها الباطل بحقها في امتلاك العالم وإخضاعه والهيمنة عليه؟! هل يجرّدها من وهم القوة المطلقة ويعيدها إلى أرض الواقع وإلى حقيقة بسيطة: كيف يمكن التعاون مع دول العالم الأخرى وشعوبه، دون تكبّر واستعلاء واستغلال، من أجل بناء عالم أكثر أمناً وسلاماً واحتراماً وعدالة وتوازناً؛ وكيف يمكن بناء مستقبل أفضل للبشرية؟!!

ستكون دروس "كورونا" قاسية على الإدارة الأمريكية وعلى الأمريكيين بقدر انفصامهم عن العالم، وبقدر بعدهم عن همومه ومصالحه؛ "أمريكا أولاً"، الشعار الأناني اللاأخلاقي الرأسمالي المتوحش، سيغدو كابوساً مرعباً، عندما تستمر أمريكا أولاً في عدّاد الموت والضحايا، ومنهم كثيرون كانوا وعاشوا ورحلوا أرقاماً فقط؛ ولكنّ العالم ليس بأنانية الولايات المتحدة، فكثيرٌ من الدول والشعوب تريد، وفق الحال، تقديم العون والمساعدة للدولة العظمى حتى لا تنهار وتسقط، وتأمل منها ألا "تلاقي لاحقاً ما لاقاه مُجير أمّ عامر"..؟!!!

بـديــع عفيــف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.