تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. وائل عواد يتابع الكتابة من الهند من وحي الحجر الصحي عن كورونا و يوميّات قنّاص كركرونا ...رح يجننونا - 5 -

مصدر الصورة
وكالات

النّصيحة الثامنة: رياضة يوغا الضّحك

أرحِّبُ بالرّفاق والرّفيقات المحبوسين والمحبوسات بما أنّ الحجرَ مستمرٌّ بإرادتنا  من أجل سلامتنا ولم نعد مرغمين على ذلك، فقد عُدت إلى دفاتري القديمةِ أبحثُ عن مخرجٍ ومنفذٍ للحبسة الإجباريّة طبعاً، ووجدتُ تقريراً كنت قد أعددتهُ في تسعينيّات القرن الماضي لتلفزيون الشّرق الأوسط (إم. بي.سي) عندما كان مقرّه لندن، وهو رياضة يوغا الضّحك التي تسهلُ ممارستها ونحن في حالة هيسيتريا تناسب الأجواء بدون يوغا، ولكنَّ التّدريبَ الصّحيحَ قد يجدي، وهي جزءٌ من النّصائح العديدة بضرورة ممارسة الرّياضة في المنازل للتّرفيه عن النفس والقضاء على الكآبة وزيادة مستوى الهرمونات مثل الدوبامين والأندروفين والسيروتونين المسؤولة عن جرعة السّعادة والقهقهة والضّحك المستباح ...

كنت قد أعددتُ هذا التّقرير لحلقةٍ من حلقات برنامج (مفكّرة مراسل) الذي كان يقدّمه في البداية الزّميل خفيف الظلّ جاد الأخوي، وكان قد أعلمني في مكالمةٍ هاتفيّةٍ وهو يضحك أنّهُ عرض التّسجيل على جميع الزملاء في غرفة الأخبار والتحرير وأنّهم قد قهقهوا كثيراً، و بلّل البعضُ منهم ثيابهُ من الضّحكِ، واستطعتُ أن أُدخلَ البهجةَ لقلوبهم في ظروف العمل المملّةِ والمرهقةِ؛ وهذا ما أكّدهُ لي الزّميلُ بييرغانم، ففي كلِّ مرّةٍ كنتُ ألتقيه بها كان يضحكُ قائلاً: "كلَّما شاهدتُكَ أتذكّرُ تقريرَ رياضة يوغا الضّحك وكيف اندمجتَ مع العامّة وكنت تضحكُ معهم، وهذا ما سمعته من الزّميلين حمدان الجرجاوي وعيسى بينجامين خلال زيارتي إلى محطّة بي بي سي العربيّة في لندن .

لقد أطلتُ في المقدّمة لأوضّحَ لكم بأنَّ ممارسة رياضة يوغا الضّحك مفيدةٌ و تحتاجُ لجرعة تطنيشٍ وتفقيسٍ للبدء بها  وتفادي الأمراض العديدة المعرّضين لها بسبب الحجر مثل الزّهايمر والتّوحد والوهن والتي لاحظتُ أنَّ البعض من الأصدقاء قد بدأ يظهرُ عليهم أعراضَها جراء الحجر، وأنا أعطيهم علاجاً واتسأبيّاً (على الواتس أب ).

يوجد في الهند حاليّاً اكثر من 300 نادٍ للضحك وبدأت العديدُ من دول العالم افتتاح نوادٍ للفائدةِ التي تعودُ بها، وأنصح الطّلبةَ في السّكن الجامعيّ أن يشكّلوا نوادٍ مصغّرةً، وقد ينظّمونَ بالطّبعِ القرقعةَ والفرقعةَ والقهقهةَ بطريقةٍ علميّةٍ لاستثمار مواهبهم ما أمكن...

على أيّة حالٍ أنتم أحرارٌ، وأنا اليوم مارستُ التّدريبات المتنوّعة على الضّحك، وإليكم أنواعها:

  • الضّحكة الصامتة:

خرجتُ إلى الشّرفةِ وفتحت يديَّ بقدرِ ما استطعتُ، وضحكتُ بصمتٍ دون إصدار أيّ صوتٍ مسموعٍ لأحدٍ غيري، والبسمةُ تعلو وجهي وأنا أفتح يديَّ حتّى إبطي وكأنني التقي بصديقٍ قديمٍ حميمٍ أريدُ أن أحتضنهُ وأعانقهُ بعد زمنٍ طويلٍ...

  • ضحكة التّصفيق والتّطبيش:

طبعاً، هذه الضّحكة أجبرتني على العودة إلى غرفة  الصّالون فهي تحتاج للتّصفيقِ باليدينِ  والتطبيشِ بالقدمين (ولا مانعَ أن تكون جماعيّةً مع أفراد العائلةِ)، فهي ضروريّةٌ لتسخينِ الجسمِ، والتّحضيرِ لباقي التّمارين طبعاً، وبما أنّني عربيٌّ  ودبّيكٌ (أتقنُ الدّبكةَ) كمان، مافي أشطر منّا بممارسة  هذا النوع من التّصفيق الحادّ وبكلّ الاتّجاهات  للمسؤولين غصباً عنّا...

بدات ألفُّ الغرفةَ بشكلٍ دائريٍّ وأنا أخبط بقدمي، وأتذكّرُ رائعة الكاتب الرّاحل محمد الماغوط، مسرحيّة شقائق النعمان  ومقطع : خبطة قدمكم عالأرض هدّارة ... أنتو الأحبّة وإلكن الصدارة (عذراً سيّدة فيروز)... وأنا أصفّقُ من فوق ومن تحت، من الأمام والخلف، وإيد من قدّام وإيد من ورا من بين  ساقيَّ في حالةٍ من الهيستيريا لمدّة خمس دقائق، حتّى خرج الجيران إلى النّوافذ لمشاهدة مايحدث، ويتوجبُ عليكَ إحداثُ الضّجيح اعتياديّاً هنا في دلهي باعتبارِ أنّهم يصحون باكراً ويعملون على مبدأ: أنا أُحدِثُ ضجّة،ً إذاً أنا موجودٌ".

  • ضحكةُ الفهد:

كان لابد من استباق بقيّة الضّحكات بهذه الضّحكة طالما وقف الجيرانُ على الشبابيك وكلّنا فهود وسباع ونمور، ماشاء الله،  بشعرنا المنفوش وذقوننا الطّويلة وثيابنا غير المكوّية  وكأنّنا من أهل الكهف ...

 أخذتُ وضعيّة الفهد عندما يريدُ مهاجمةَ فريستهِ، فأخرجتُ لساني وفتحتُ فمي على مصراعيهِ حتى بان الاثنا عشر والأعور والمصران الغليظ وكأنّي اقضم سندويشةً من فلافل الشّعلان في دمشق ...وبدأتُ بالزّئير ويداي على أذني كالمؤذّن، وأخذتُ أُخرِجُ الضّحكةَ من أسفلِ البطن وأنظرُ إلى الجيران وأنا أحاولُ القفزَ لالتقاط الفريسةِ مكشّراً عن أسناني يعني تقريباً تصوّر نفسكَ تريدُ قتلَ حماتك ولا تستطيعُ تنفيذَ ذلك على أرض الواقع ...

لقد وفّر لي هذا التّمرينُ حالةً من الاسترخاءِ، وشاركني عددٌ من الجيران في تطبيقه وسطَ قهقهاتٍ وضحكاتٍ عاليةٍ ...

  • الضّحكة الجماعيّة:

دفعنا هذا التّجمعُ على النّوافذ لافتعالِ ضحكاتٍ عاليةٍ، ونحنُ ننظرُ إلى بعضنا البعض ونشيرُ بأصابعنا تجاهَ الآخر ونفقع ضحكةٌ بصوتٍ عالٍ يسمعها الجميعُ وتعقبها ضحكةُ أحد الجيران وهكذا ...

  • ضحكة النّفس العميق:

بدأ الجيران يراقبونُ تصرّفاتي وحركاتي ويكرّرونها...طبعاً رآني الجيرانُ أضعُ يديَّ أسفلَ ضلوعي، وأركّزُ على الشّهيق والزّفيرِ، وقاموا بتقليدي وهنا أخذتُ نفساً عميقاً وحبستهُ وأنا أعدُّ خماسية (للخمسة) وأطلقتُ العنانَ للزّفيرِ من الفم والأنف معاً وأنا أصرخ: (يالله  ... يالله) وأخذوا يقلّدونني مردّدين: (هاري رام، هاري رام، ويار يسوع، ويا خدا) كلٌّ على دينهِ ...

  • ضحكة النّكت البايخة:

بدأ الحجابُ الحاجزُ يتوسّعُ، وكرّرنا التّمرينَ لمدَّة خمس دقائقَ، ونحنُ نفقعُ الضّحك كمن يضحك لنكتةِ معلّمه السّخيفة والمكرّرة عشر مرّاتٍ مع كل ضيفٍ جديدٍ لهُ، وكأنّك سمعتها للتوِّ ...

وهذا التمرين مفيدٌ لموظّفٍ جديدٍ (مسّيح جوخ)، خاصّةً وهو يشربُ كأس ماءٍ ويبخّه من  شدّة الضّحك بينما يضربُ بيديهِ على ساقيه ليفرح معلّمه ...لم أعد أتحمل فرطتُ فرطاً. 

تذكّرتُ هنا بأنّه كان يتوجّبُ على كلّ امرءٍ، في التّقريرَ الذي أعددتهُ، إلقاءَ نكتةٍ ليضحكَ الجميع منها حتّى لو بدت بايخة معليش رياضة يا جماعة ...وتذكّرتُ النّكتةَ، وهنا صرختُ قائلاً: هل سمعتم؟ لقد اتّحدت الهندُ وباكستان وبنغلادش، وتسلّمت شيخ حسينة واجد رئيسة وزراء بنغلادش رئاسة الاتّحاد الجديد، وفقع الجميع ضحكةً عاليةً وهم يصفقّون ويقهقهون، واستمتعنا بهذا الفاصل وضحكنا ضحك طفلين معاً ... حتّى دون سماع النّكتة جيّداً من باقي المتطوّعين من الجيران ...(Funny)

كان الختامُ بضحكة الطّفل، ويتوجّبُ عليكَ هنا أن تقلّد ضحكةَ الطّفل البريئةِ حتى ولو كنت كبيراً في السّن أو كبيراً في الحجمِ أو لا يتناسبُ ذلكَ مع مكانتك الاجتماعيّة  (طنّش ول...ك) اضحك! وهكذا، اندمجنا بالضّحك الجماعيّ، وودّعنا بعضنا، وتمشّيت ببطءٍ شديدٍ إلى غرفتي بعد نصف ساعةٍ من رياضة الضحكِ والاصطهاجِ...

 علاجٌ بالصّعقات الكهربائيّة: فواتير فواتير

لاحظت أنّ هناك رسالةً تحتَ باب المدخل فهرعتُ لالتقاطها متعجّباً كيف تمَّ تسليمُ الرّسائل مع وجود الإغلاق التامّ! الأسواقُ مغلقةٌ ومراكز البريد والمحلّات التّجاريّةِ كذلك الأمر! قلتُ لنفسي: لعلّ هناك من الزّمن القديمِ من تذكّرنا في الحجرِ وأرسلَ رسالةً بالبريد لأنّهُ لا يعرفُ رقمَ موبايلي وهاتفي الجديد...

 أصبتُ بصعقةٍ كهربائيّةٍ فورَ التقاطي للرّسائل لا أعلمُ من أين، إذ لم تكن سوى فواتير الماءِ والهواتف الأرضيّة و فاتورة الكهرباء. لقد صعقتني الفاتورة اللّعينة مثل شريط  كهرباءٍ في الشّوارع أيّام المطر.

جلستُ على الكرسيّ وكانت مثل كرسيّ الكهرباء ، هزّة فولت عالي، فالفاتورة ضعف المبلغ المعتاد مع أنّ الصّيفَ لم تشتدّ حرارتهُ بعد، ولا نقوم باستخدامِ المكيّفات، ولكن كيفَ حدثَ ذلك؟ كنتُ قد استبدلتُ اللّمبات العادية بلمبات هالوجين غالية الثّمن ولكنّها تخفّفُ استهلاكَ الكهرباء...

يبدو أنّها أيّامٌ عصيبةٌ، الجميع في غرفهم وشحن الموبايلات قائمٌ على قدمٍ وساقٍ على مدار السّاعةِ، ونحنُ نشاهد الأخبارَ على التّلفاز والأفلام والمسلسلات  على نيتفليكس...

علي أن أقلّلَ من  استهلاك الكهرباء، وقررّتُ أن أقترحَ على سكّان البناية أن نستفيد من الطّاقة الشمسيّة للعاصمة دلهي وننصّبَ أجهزة الطّاقة الشمسيّة على سطح البناية الواسع  لتخفيف الفواتيرِ، وذلك  بعد انتهاء الحجر القسريّ لأنّ الصيفَ قادمٌ ودلهي طقسُها حارٌّ بحرارة فواتير الكهرباء.

كان رئيس الوزراء الهنديّ -ناريندرا مودي- قد طلبَ من الشّعب إطفاءَ الكهرباء السّاعة التّاسعة من مساء اليوم  الأحد 5/4/2020 (4+5=9) لمدّة 9 دقائق  وإشعالَ شمعةٍ، في وقفةٍ تضامنيّةٍ، حسبَ المنّجمين الهنود، لما فيه من فائدةٍ في محاربة فيروس كورونا اللّعين. لقد كان العديدُ من الهنود يحاولون  إقناعنا أن ثمّةَ صِلةٌ بين طلبِ رئيس الوزراء والعلوم الزّائفةِ الكامنةِ وراء هذا الطلب وبنفس الطّريقة التي حاولوا إقناعنا بها فيما سبق  عندما طلبَ رئيسُ الوزراءِ – مودي - من الشّعبِ الأسبوع الفائت قرعَ الصّحون والطّناجر لطرد الفيروس، كذلكَ يطلبُ الآن إطفاء الأنوار لمدّة تسع دقائق...

لفتَت انتباهي تغريدةً للسّيّدة بريا غوبتا (منتجة أفلام بوليوود) تقول فيها : " رقم 9.الساعة  9 صباحاً (خطاب رئيس الوزراء للأمّة )، 9 دقائق عند ال 9 مساءً في 5 نيسان/ أبريل (5 + 4 = 9). إغلاقُ 9 أيّامٍ. 9 أيّام متبقّيةٌ للحجر من اليوم 5 نيسان/ أبريل. 9 كواكب. 9 = المريخ - كوكب الضوء والنّار. مودي جي (السّيّد مودي) يشعلُ كوكبَ الضّوء والنّار من أجل خير الهند. هذا رائعٌ ببساطةٍ !!!"

يعني لو كان بإمكان المنجّمين توقّعُ كيفيّة القضاء على الفيروسِ، لماذا لم يتنبّأوا بوقوعهِ؟ الله لا يوفقكم، وصدق من قال: كذب المنجّمون ولو صدقوا...

  على أية حالٍ ، قرّرنا، تجنّباً لفواتير الكهرباء  الفلكيّة ورغبةً منّي بالالتزام بالتّعليمات، أن نبقيَ الكهرباء مطفأةً طيلةَ اللّيل، وأن نتعشّى عشاءً رومانسيّاً على ضوء الشّموع بعد يومٍ من العمل البيتيّ الشاقّ، والتنقّل بين الغرف والشّرفة والاستلقاء على الأرائك ...

وخطرت لي فكرةٌ  جهنّميّةٌ، وهي أن أزرع لمبةً هالوجينيةً في الجنينة عساها تكبرُ وتضيءُ البيتَ، و تنبتُ لمباتٍ تاجيّةً مثل فيروس كورونا لتقضي على الفيروس  وتوفّر عليَّ المصروف الزّائد...

ولكن لا تُخبروا أحداً بفكرتي هذه حتّى أحصل على براءة الاختراع، ولحينه دعونا نصلّي معاً أن يكفَّ اللهُ عنّا الوباء ويحمي العباد والبلاد.

وبالمناسبة، لم أنظر إلى  قيمة فاتورة المياه كي لا أغرق بدموع عينيّ لأنّني متأكّدٌ أنّها لا تقلُّ، إن لم تكن أكثر، من فاتورة الكهرباء بعد التشطيف والتّعزيل وهستريا الغسل والتّغسيل والبخ ووو ...إلخ

وخلّونا بإرادتنا ملتزمين بالبيت وضلّوا تذا كورونا...

                                           الدّكتور وائل عوّاد

                                 الكاتب والصّحفي السّوري المقيم في الهند

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.