تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الأعباء الاقتصاديّة على الهند .."الكساد الأعظم" من تداعيات وباء  فيروس كورونا

مصدر الصورة
خاص

في الوقت الذي يلتزم به الملايين من سكّان شبه القارّة الهندية ، والذين يقدر عددهم بمليارٍ وثلاثمائةٍ وخمسين مليون نسمةٍ، بسبب الإغلاق التامّ منذ 25 من آذار/ مارس الفائت ولغاية الثّالث من أيار / مايو المقبل ، ترى طوابير المئات من الفقراء يتجمّعون على مراكز توزيع المواد الأساسيّة المدعومة  من قبل الحكومة والملايين ممّن ضاقت بهم الدنيا من العمّال، الذين طُردوا من وظائفهم التي كان كسبهم فيها يوميّاً، يتجمهرون بالقرب من محطّات القطار ويطالبون الحكومة بالسّماح لهم بالعودة إلى منازلهم بعد أن طُردوا من عملهم، ولا يملكون قوت يومهم، وهم  الذين كانوا يعيشون على  ما يكسبونه  من العمل اليوميّ بأقلّ من دولارين يوميّاً، ويقدّرون بحوالي 40% من سكّان شبه القارّة الهنديّة، وقد غدوا الآن عاطلين عن العمل بلا مأوىً وجياعاً  يتعرّضون للضرب المبرح من الشّرطة الهنديّة التي تحاول تطبيق قرار الإغلاق التامّ بالقوّة منعاً لتفشّي وباء فيروس كورونا.

وبدأ العشرات من الهنود بتوفير الطّعام والماء لهؤلاء الجياع ضمن مخيّماتٍ أُعِدّت خصّيصاً لهم،  لا تملك وسائل الرّاحة والنّظافة، وقد دفعَ الخوفُ من انتشار الوباء المئات للهروب منها، وضاق المئات منهم ذرعاً واضطرّوا للعودة إلى منازلهم مشياً على الأقدام لعشرات الكيلومترات، وآخرون قطعوا مئات الكيلومترات على درّاجاتٍ هوائيّةٍ للوصول إلى منازلهم.

وتحوّلت مأساة وباء فيروسٍ إلى مأساةٍ حقيقيّةٍ تهدّدُ بالانفجار، يقودها هؤلاء الفقراء الّذين يعيشون مع ذويهم في غرفةٍ واحدةٍ تضمُّ أكثر من7 أشخاصٍ، و لا يملكون شروى نقيرٍ.

وممّا زادَ الطّين بِلّةً هو أنّ الحكومة لم تعلن بعدُ عن خطّة طوارئ، كما لم تضع آليّةً لمعالجة الوضع المتفاقم أو تقديم تعويضاتٍ ماديّةٍ للمتضرّرين ومعالجة العجز الماليّ الناتج عن هذه الأزمة؛ وتعرّض رئيس الوزراء الهندي إلى انتقاداتٍ شديدةٍ من  قبل أحزاب المعارضة لعدم طرحه حلولاً جذريّةً وآنيّةً لهذه الكارثة خلال خطاباته المنتظمة للشّعب الهندي منذ بدء قرار الحجر الصحيّ ومطالبته للنّاس التزام منازلهم، وقرع الطّناجر والصّحون والمقالي،  وإنارة المنازل بضوء الشّموع، والاستمتاع بمشاهدة المسلسلات الدينيّة القديمة والأكثر شعبيّةً بعد أن بدأت وزارة الإعلام إعادة بثّها على التلفزيون الحكوميّ. وخصّصت الحكومةُ أقلّ من 1% من النّاتج العامّ لمحاربة الوباء والإنفاق على الغذاء والضّروريات الأساسيّة والصحّة العامّة وأجهزة الكشف المبكّر عن فيروس كورونا وغيرها من المستلزمات الطبيّة الآنيّة الضروريّة.

وبدأت الأوضاع الاقتصاديّة تتدهور وتنخفضُ نسبة النموّ، وهناك قلقٌ من تفاقم الأوضاع بعد زيادة نسبة التضخّم وانخفاض النّاتج العام وارتفاع معدّل البطالة .

والجدير ذكرهُ هنا أيضاً أنّ المحكمة العليا الهنديّة منعت عودة العمّال الهنود من الدّول الخليجيّة العربيّة على الرّغم من تهديدات حكومات هذه الدّول باتّخاذ اجراءاتٍ عقابيّةٍ باعتبار أنّها تعاني أيضاً من الوباء، وأعلنت عن عفوٍ عامٍّ عن جميع المخالفين من العمّال من الجنسيّات كافّةً، حتّى أنّ دولة الكويت عرضت نقلهم بطائراتها المدنيّة إلى الهند مجّاناً. ومن المعروف أنّه يتواجدُ في الخليج العربيّ ما لايقلّ عن 8 مليون هنديٍّ يعيشون في  دول الخليج، يعملون هناك في مختلف المجالات ويشكّلون العمود الفقريّ للقطع الأجنبيّ، إذ تحصل الهند على أكثر من 40 مليار دولارٍ أمريكيٍّ من الإيرادات السنويّة، لكنّ  مئات العالقين منهم يُقيمون بطرقٍ غير شرعيّةٍ، وتطالب دول الخليج بإعادتهم، خاصّةً المصابين منهم بالوباء، خوفاً من تفشّي المرض بين البقيّة. وعلى الرّغم من العلاقات الحميمة لهذ الدول مع رئيس الوزراء الهنديّ - ناريندرا مودي، إلّا أنّ حكومته أعربت عن عدم قدرتها على إعادتهم في الوقت الرّاهن، وكان كبير وزراء ولاية كيرلا الجنوبيّة قد ناشد الحكومة بإعادة العالقين في دول الخليج العربيّ ، ووضع برنامج لإعادتهم وإعانتهم، وهناك قرابةَ مليونين من الولاية يعملون هناك .

بادرت العديد من حكومات الولايات الهنديّة لوضع برامج خاصّةٍ بها لمحاربة انتشار الوباء، ونجحت ولايتي كيرالا وغوا من بسط الخطّ البيانيّ للإصابات في الولايتين من خلال سلسلةٍ من الإجراءات الحاسمة للحدّ من انتشاره ومعالجة المصابين والمعرّضين للإصابة.

الأضرار الاقتصاديّة

تُقدَّر خسارة الهند الاقتصاديّة جراء الإغلاق التامّ بحوالي 400 مليار دولارٍ مع التّمديد للحجر لثلاثة أسابيع أخرى، أشدّها تضرّراً كلٌّ من القطّاع الصناعيّ والزراعيّ والطّيران والسّياحة. وتوقّع صندوق النقد الدّولي ألّا تتجاوزَ نسبة النموّ الاقتصاديّ في الهند لهذا العام ال 2%.

ولذا فإنّ رئيس الوزراء وَعدَ بإعادة النّظر بعد أسبوعٍ من التّمديد لدراسة إمكانيّة الفتح التدريجيّ للقطّاعات المتضرّرة.

·        القطّاع الصناعيّ

يطالب العاملون في هذا القطّاع بفتحه بعد أن تمّ إغلاق أكثر من 80% من المعامل لما يترتّب على ذلك من آثارٍ جانبيّةٍ خطيرةٍ على قطّاع الإنتاج والدخل الأجنبيّ، خصوصاً وأنّ قطّاع التّصدير قد تضرّر في الوقت الذي مازالت فيه العديد من الدّول تفتح موانئها ومطاراتها وحدودها أمام البضائع.

·        قطاع الطيران

وهو أكثر القطّاعات تضرّراً بعد توقّف الشّحن والطيران المدنيّ والرّحلات الداخليّة والخارجيّة، ممّا يهدّد بطرد الملايين من وظائفهم وارتفاع نسبة البطالة في البلاد .

·        قطّاع السّياحة والسّفر

يشكّلُ قطّاع السّياحة والسّفر العمودَ الفقريّ للاقتصاد الهنديّ، ويعمل في هذا القطّاع  الملايين من النّاس، ومن شأن تمديد الاغلاق أن يضرّ بالسّيولة النّقديّة، وهو الخاسر الأكبر . والآن يترتّب عليهم الانتظار حتى الشّهر المقبل، ويتعذّر توقّعُ المدّة الزمنيّة التي يحتاجها هذا القطّاع لاستعادة عافيته بعد رفع الحجر واستعداد العامّة للتنقّل والسّفر مع انخفاض دخلهم و تدهور أحوالهم المعيشيّة أيضاً.

·        قطّاع الزّراعة

يوفّر هذا القطّاع وظائف للملايين من الهنود، وزاد من معاناة العاملين به على الرّغم من السّماح بفتحه بشكلٍ بطيءٍ خلال فترة الحجر مع قرب موعد الحصاد الزراعيّ. ويتخوّف الخبراء الزراعيّون من تضرّر القطّاع بسبب صعوبة النّقل وتوفير الموادّ الزراعيّة من الحبوب والأسمدة، ممّا سيؤدّي إلى التأخّر في جني المحاصيل هذا العام وكذلك إعادة الزراعة من جديدٍ. وبما أنّ هذا القطّاع يضمُّ ثلثيّ سكّان الهند، فإنّ أيّ ضررٍ يلحق به ستكون عواقبه وخيمةً بسبب تمديد الإغلاق التامّ، وسيزيد من معاناة الشعب الهنديّ بالكامل، وانخفاض مستوى الدّخل للمزارعين.

ومما لاشكّ فيه أنّ خطورة الأزمة الاقتصاديّة والإنسانيّة التي تواجه الحكومة الهنديّة قد ألقت الضّوء على التحدّيات الجمّة  وطرق معالجتها وسط انتقاداتٍ شديدةٍ لفشلها حتّى الآن في مواجهة "الكساد الأعظم"، كما أسماه وزير الماليّة السابق - ب. تشيدامبارام- س وضرورة تشخيص حجم الأزمة  الاقتصاديّة لوضع الحلول لمعالجتها، وأن يكون من أولويّات الحكومة إطعام الملايين من الفقراء المتضرّرين من الأزمة، وتقديم المساعدات  الماليّة لهم كتعويضاتٍ أوّليّةٍ وتوفير المواد الغذائيّة  الأساسيّة اللّازمة لهم مجّاناً بالتنسيق مع حكومات الولايات والأراضي الاتّحادية في الهند، والشّروع في مساعدة أصحاب الدّخل المحدود وأصحاب المتاجر مع فتح القطّاعات التجاريّة والاقتصاديّة تدريجيّاً بالتّزامن مع الاستمرار بالكشف عن حالات الإصابة بالوباء، وتشخيصها، ومعالجة المصابين، وعزل المناطق الموبوءة، وتوفير المساعدات الماليّة، وتسهيل القروض الماليّة المصرفيّة لإعادة النّشاط التجاريّ.

وبالفعل، فقد أعلن البنك الاحتياطيّ الهنديّ عن سلسلة إجراءاتٍ ستعزّز من توفّر السّيولة بشكلٍ كبيرٍ، وتحسّن عرض الائتمان، وتدعم الأعمال الصناعيّة  الصّغيرة، وصغار الكسبة ، والمشاريع الصّغيرة والمتوسّطة،  والمزارعين والفقراء.

لقد وضع السّياسيّون خلافاتهم جانباُ، وتكاتفت جميع  الأحزاب السّياسيّة فيما فيها حزب المؤتمر الوطنيّ المعارض لدعم  جهود الحكومة في الخروج من الأزمة ومواجهة الصّعوبات 

وطرق معالجة الأزمة، وهناك مخاوفُ من انعكاساتها السّلبيّة على مستقبل الاستقرار السّياسيّ والاجتماعيّ في البلاد، وتتطلّب إجراءاتٍ حثيثةً من قبل الحكومة المركزيّة لدرء الأخطار النّاجمة عن الإغلاق التامّ.

ويتوجّب على الحكومة الهنديّة كبح الجماعات اليمينيّة المتشدّدة، والحدّ من انتشار الكراهيّة والفتنة الطّائفيّة من خلال استهداف طائفةٍ من الشّعب الهنديّ، وإلقاء اللّوم عليها بأنّها وراء تفشّي وباء كورونا، لأنّ ذلك من شأنه أن يعرقل جهود إنقاذ البلاد من أزمتها والحفاظ على أرواح الملايين من سكّان شبه القارّة الذين يحاولون التّعايش مع  تداعيات فيروس كورونا، وليسوا بحاجةٍ لفيروساتٍ طائفيّةٍ لا تقلُّ فتكاً بدولة الهند العلمانيّة والدّيمقراطيّة  وتسيءُ إلى سمعتها  ومكانتها عالميّاً.

                                        الدّكتور وائل عوّاد       

                              الكاتب والصحفيّ السوريّ المقيم في الهند

 

 

 

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.