تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

د. وائل عواد يتابع الكتابة من الهند من وحي الحجر الصحي عن كورونا و يوميّات قنّاص كركرونا  - فصفوص في زمن الفيروس -15-

مصدر الصورة
خاص

قد يبدو العنوانُ مثيراً للدّهشةِ ومستهجناً لدى البعض، ولكن لو نظرنا إلى الكمّ الهائل من  النكت والمواقف المضحكة للفيديوهات في عصر الكورونا، لوجدنا أنّ النّاس بدأت تتقبّلُ إخراج الرّيح (الضرطة) أكثر من العطسة بعد أن كانت عاراً في بعض الدّول، وهي لا تحتاج للتباعد الاجتماعيّ، ولكنَّ رائحتها المقزّزة تبعدك عن فاعلها.

ويُعدّ إخراج الرّيح من المستهجنات في مجتمعنا العربيّ، بيد أنّهُ أمرٌ طبيعيٌّ بالنّسبة للعديد من الدّول، ولا حرجَ من إفراغها حتّى في أماكن عامّةٍ. كما يعدُّ ذلكَ ظاهرةً صحيّةً ودليلاً على مدى توازن نظامك الغذائيّ  وجاهزيّة جهازك الهضميّ لتحطيم البروتينات والدّهون والكربوهيدرات وغيرها من المعجّنات مثل النمّورة والكاتو والفول والحمّص والبقوليات وغيرها ممّا تطيب له نفسك وتتّسع له معدتك، فيتمّ تحطيمها وتتخمّر في الأمعاء الغليظة وتنتج كافّة أنواع الغازات السّامّة قبل قيام الأمعاء بحركاتٍ تؤدّي إلى عملية أطلاق الصواريخ الباليستيّة .

فوائد الغازات

  • إذا كانت ضمن المعدّل الطّبيعيّ، فأنت بطلٌ محشيٌّ بالبصل
  • تخفّف ألام المعدة : خاصّةً إذا كنت في حفلٍ أو عزومةٍ على منسفٍ وتزلط الأكل دون مضغٍ ممّا يسبّب عسر الهضم
  • تحسين صحة القولون  - لذلك أطلق رصاصك  في الهواء مثل احتفالات أبٍ بنجاح ابنه بحصوله على الحدّ الأدنى للنجاح (شحط) بالابتدائيّ.
  • تخفيف الانتفاخ – ضرّط عليها تنجلِ، ولا تكن مفرطاً لأنّ ذلك سيدفعكَ للخروج من المنزل والاختفاء وراء شجرةٍ أو في كيس قمامةٍ، ومن شدّة احتفال الباكتيريا في معدتك بالغازات  وغناء الهوا هوايا، فإنّ المفرقعات سوف  تجذب الانتباه لفيروس كورونا  للمشاركة في البهجة والاحتفال وتروح عليك بح بح ...وتصبح معروفاً بمريض كورونا أبو الغازات ما غيره، فتستفيدُ منكَ بعض الدّول لتصنيعِ القنابل المُسيلة للدّموع ذات الرّائحة الكريهة لتفريق المتظاهرين ...
  • الكشف المبكّر عن الحساسيّة – يعني حسب الرّائحة، وهذا مؤشّرٌ لاستياء وغضب  معلّمك، جهازك الهضميّ، بسبب تناولك الطعام طيلة اليوم، وضرورة الابتعاد عن الإفراط في الأكل خاصّةً في فترة الحجرِ، وتذكّر أنّ الأجواء مغلقةً وقد تؤدّي الروائح الكريهة إلى الغثيان لمن حولك، وتؤدّي إلى  تضارب بسكاكين وساطور المطبخ،  وقد أُعذر من أنذر ...فهناك حالاتٌ عديدةٌ في الهند لطردِ أولئك الذين يخرجون الغازات علناً (الضرّاطين) من المنازل، وتعرّضهم لملاحقة قوّات الشّرطة الهنديّة الذين قاموا بضربهم بالهراوات الطّويلة ممّا سبّب لهم كسوراً بالعظام  ورضوضاً لأكثر من 300000 شخصٍ، بينما تمَّ الكشفُ عن 13000 حالة إصابةٍ بفيروس كورونا فقط.
  • مؤشّرٌ على صحّة الأمعاء – ولكن لا تتباهى وتتفاخر بإطلاق العنان لذلك، بل كن متواضعاً.
  • منبّهٌ  مبكّرٌ بالخطر – خاصّةً بأمراض القولون والسّرطان. وإذا كنتَ تُعاني من ألمٍ وغثيانٍ ودوخةٍ وهبّات ريحٍ غير عاديّةٍ مصحوبةٍ بعواصفَ ورعدٍ، فما عليك سوى مراجعةُ الطّبيب فوراً، ولكن بما أنّك في الحجر فيجبُ أخذ موعدٍ مُسبقٍ ...

نعمدُ، نحن الأطبّاء، إلى إعطاء المريض حبوباً لطرد الغازات من الأمعاء،  وتحضير المريض للعمليّة الجراحيّةِ، أو للتّصوير والتّنظير، ويُسهّل ذلكَ على الطّبيب  الجرّاح إجراء العمليّات في الجهاز الهضميّ  دون معوقاتٍ، ممّا يُشعرُ طبيبَ التّخدير بالرّاحة بسبب مخاوف الجرّاحين من انفجار الغازات في المعدةِ، إذ يظنّون أنّها من أسطوانة غاز  التّخدير (الضحك).

و تجد الأطبّاء مهتمّين بقضيّة إخراج الغازات للمريض وأنواعها، وهي من المؤشّرات الطبيّة لحالته الصحيّة، خاصّةً من أجريت له عمليّةٌ في الجهاز الهضميّ، إذ يُعدُّ إطلاق الهواء من دبره بمثابة إعلانٍ ودليلٍ على نجاح العمليّة الجراحيّة. ويُعدُّ إطلاق الغازات بمعدّل 20 مرّةٍ في اليوم طبيعيّاً، حتّى ولو سبّب حرجاً، أمّا إذا تجاوز ذلك فهذه حالةٌ غير طبيعيّةٍ، وعليك أن تغيّرَ  الحمية التي تتّبعها، وتقوم بمضغ الطّعام بشكلٍ جيّدٍ، ويفضَّلُ الابتعادُ عن الأصدقاء بعد عشرين ضرطةٍ لأنّها تصبح عيباً اجتماعيّاً، وتذكّر أنّك لستَ في مهرجانٍ غنائيٍّ  ولا مشتركٍ في مسابقة (من سيربح المليون)، وإنّما في مأتمٍ ...

على كلٍّ لابدَّ من  تعريف الضّرطة حسب معجم اللّغات العربّية  فهي مصدرٌ فاعله (ضارط)، والمبالغة (ضرّاط): أي ضرط يضرط ، ضرطاً وضراطاً فهو ضارطٌ وضروطٌ وضرّاطٌ. و (ضرِطٌ) بكسر الرّاء اسم فاعل من ضَرطَ، وكلمة تضريط مصدرها ضرط ، ومثالُ ذلك: ولدٌ ضروطٌ، يعني كثير الضّراط  وهو من يخرج ريحاً من دبره مع صوتٍ.

وهناك الكثيرُ من التّعريفات لكلمة الضّرطة، ويمكنكم البحث عنها  في المعاجم وسوف يستفيد منها الباحثون الأكاديميّون  في علم اللّغات.

ثمّةَ أمثلةٌ عديدةٌ في كلام العرب، مثل أن يهدّدك شخصٌ ما وتردّ بالقول : ما بيطلع معه شي يعني (كلامه مثل الضراط على البلاط) (ومتل ضرطة النّسر) يعني ليس لها قيمةٌ، وأن تسمع آخر يقول: (أهون من ضرطة العنزة)،  ويقول مثلٌ بدويٌّ آخر: (بعد ما ضرطت شدّت ليّتها النّعجة) - الليّة هي الإليه أي الكتلة الدهنيّة الخلفيّة المتدليّة - يعني ما الفائدة، اللّي ضرب ضرب واللّي هرب هرب.

وقد وردت قصّةٌ لشخصٍ من البادية أخرج ريحاً وسط العشيرةِ، وهجر العشيرة من العار، ولكنّه عاد بعد ثلاثين عاماً وهو يتوقّع أنّ النّاس قد نسيت ذلكَ، بيد أنّهُ فوجئَ أثناء استماعه لإحدى الجلسات بأنّ الحضور أخذوا يستشهدون بذلك اليوم الذي ضرط فيه فلانٌ، واضطرّ إلى هجر العشيرةِ، وخرجَ ولم يعد...

تذكّرتُ حادثةً، ذكرها لي الزّميل والصّديق الدكتور سليمان جاموس عندما كان يُجري تدريباً في مستشفى سافدرجانغ الحكوميّ في العاصمة دلهي  لمدة ستّة أسابيع، وكان آنذاك َيساعدُ جرّاحاً في استئصال الزّائدة الدوديّة، وطلب منهُ الجرّاح أن يُغلِقَ الجُرحَ، وفي اليوم التّالي أثناء تفقّد المرضى مع رئيس القسم كالعادةِ، ذهبوا مباشرةً إلى مريض الأمسِ صاحب الزّائدة، وكان أوّل سؤالٍ وجّههُ الجرّاح للمريض: "هل ضرطت؟" فاجاب بابتسامةٍ: "نعم يا سيّدي"، والتفتَ رئيسُ قسم الجراحة باتّجاه د.سليمان، وقال لهُ: "لقد نجحت في خياطة الجرحِ"، وقام سليمان بشراء الساموسا (Samosa) مثل السمبوسة والشّاي ووزّعه على زملائه في القسم احتفاءً بنجاح العمليّة، وهذا متعارفٌ عليه في الهند بين الأطبّاء والمتدرّبين.

وفي الهند عادةً لا عيب في إخراج الغازات ولا حتى التجشّؤ الذي يترافق بنغمةٍ موسيقيّةٍ طويلةٍ أوووووم حتّى عند الإناث (الجنس اللّطيف)، وكنتُ أُحذّرُ الوفودَ الرسميّة، التي أرافقها أثناء لقاءاتهم مع  المسؤولين،  بألّا يتفاجأوا في حال سمعوا قرقعاتٍ ولا يستهجنوا الموقف. وحدث ذلك بالفعل  أكثر من مرّةٍ. وقد زارنا وفدٌ من مركز البحوث العلميّة، وزاروا مركز الأبحاث النوويّة في الهند، ودوّت أصوات القنابل النوويّة في الاجتماع، ولم يأبه العالم النوويّ بالحضور، باعتبار أنّ الضّرطة أمرٌ طبيعيٌّ، ويجب إطلاق العنان لها في أيّ مكانٍ وزمانٍ، ولا تحتاج لقاعدة إطلاقٍ متحرّكةٍ أو ثابتةٍ .

تكمن المأساة عندما تكون بداخل السّيّارةِ، ويفقعُ السّائقُ واحدةً تشعركَ بالاشمئزاز، وتضطرُّ لفتح شبّاك السّيّارة، والحرارة في الخارج تتخطّى الخمسين درجةٍ مئويّةٍ، لتصبحَ المصيبة مصيبتين. على كلِّ حالٍ، عندما تلاحظ بأنّ السّائق يجلس على جنبه، خصوصاً سائق الريكشا، فكن متأكّداً أنّ أكل الخضراوات والبهارات له عوارض سلبيّةٌ ويجب الاحتياط.

وحسب مصادر موثوقةٍ من فاميلي حسين - صديقتنا - أنّ زوجها كان يحضرُ اجتماعاً رسميّاً مع وفدٍ رفيعِ المستوى لساعاتٍ طوالٍ، ولم يستطع أن يتخلّص من الغازات المعويّة، واضطرّ لحبسها، فتعرّض إثر ذلكَ لضغوطٍ نفسيّةٍ، وتهيّج معه القولون، وتفاقمت معه البواسير، مما اضطرّهم لنقله الى المستشفى، وبقي ثلاثة أيّامٍ في العناية المشدّدة حتى تمّ إعطاؤه أدويةً لتنظيف أمعائه.

على كلٍّ، هناك طرقٌ لتفادي ذلك والتوقّف عن إطلاق الأعيرة النّاريّةِ، خصوصاً في هذه الفترة الحرجة من الحجر المنزليّ مع مخاطر الخروج من المنزل، والخطر من الزلازل الأرضيّة، ألا وهي:

  • الأكل ببطءٍ ومضغ الطّعام جيّداً –  أعطِ فرصةً لدماغك للإيعاز إلى االعصارات الهضميّة، وحاول أن  تجترّ مثل البقرة لتهضم الطّعام جيّداً وتخفف من النّقرشة واللهط
  • الابتعاد عن طقّ الحنك والثرثرة والعلكة
  • التوقّف نهائيّاً عن تدخين السّجائر، وتدخين النرجيلة، والاستفادة من الفحم المنشّط بتناوله قبل الوجبات الثّقيلة.
  • تناول ملعقةٍ من خلّ التفّاح وزيت القرنفل
  • الابتعاد عن المأكولات المنتجة للغازات وإطلاق الصّواريخ البالستيّة ذاتيّة الدّفع ، وتفادي اللاكتوز والفركتوز والألياف،  فتاريخها أسودٌ،  وتتكدّس في الأمعاء الغليظة، وتتخمّر لإصدار غازاتٍ أقوى من الأفيون  وملاحقةٍ  من الانتربول
  • تجنّب السكرياّت المعقّدة  مثل  الفول والملفوف وبراعم بروكسل والبروكلي والهليون وَالحبوب الكاملة ، وغيرها من الخضروات، قدر الإمكان، فعلينا أن نُقدّر ظروف الحجر والحالات الاستثنائيّة...
  • الابتعاد عن المشروبات الغازيّة والكحوليّة، إذ أنّ فقاعات الهواء الموجودة في المشروبات الغازيّة معروفةٌ بقدرتها على إحداث التجشّؤ؛ والبعضُ منها يشقُّ طريقه عبر الجهاز الهضميّ، ويخرج من جسمك عبر المستقيم إلى الهواء الطّلق، لذا ينصحُ باستبدالها بالشّاي بالنّعناع أوالبابونج
  • زيادة النّشاط البدنيّ  - كرقص التانغو في الحمّام والدّبكة في الصّالون، والتمدّد وتمارين الضّغط بالشرفة والمشي البطيء من غرفة النوم إلى المطبخ والبرّاد

ومن بين الطّرائف والإشاعات  المتداولة أنّ الطّلقات الغازيّةَ تتسبّب بنقل عدوى الكورونا وليس فقط العطس، وهذا ما أحدثَ حيرةً لدى العديدِ من النّاس أين يضع الكمّامة!قناع

ولم يقتصر الحديثُ عن الغازات على العامّة وحسب ، بل  تغنّى به  الشعراء في الكثير من المواقف، وفي كتاب (محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء)  لحسين الرّاغب الأصفهاني ، ذكر فيه بيتين للشّعر يقول فيهما:

ولمّا التقينا لجلجت في ضراطها      ومن آية السّرم الضراط الملجلجُ

ألا أيّها الأستاذ دعوة شاعرٍ            طريقته في السّخر لا تتبهرجُ

وبشكلٍ عامٍّ يعتبرُ إخراج الغازات المعتدل مؤشّراً صحّيّاً، سواءٌ حدثَ بنغمةٍ أو بدون نغمةٍ، برائحةٍ أو بدون رائحةٍ، بصوتٍ أو بكاتمٍ للصّوت، ومع ذلك ينبغي أن يرافقهُ التّباعد الجسديّ في هذه الأيّام الحرجة، فالجميع محجورٌ ولستَ قابعاً بالبيت وحدك ...

وللقصّة تتمّةٌ ...

                                     الدّكتور وائل عوّاد

                             لكاتب والصحفيّ السوريّ المقيم في الهند

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.